أحداث 11سبتمبر2011 الجابري وإعادة فهم القرآن: دواعي التأليف تختلف دوافع التأليف من كاتب إلى آخر، لذلك فرق محللو الخطاب بين المقاصد المباشرة التي يعلنها صاحبها، والمقاصد غير المباشرة التي يعمل المتلقي على تشييدها بناء على مؤشرات موضوعية تحمي تأويله من السقوط في الذاتية المفرطة. لكن هذا النقاش النظري كثيرا ما يصطدم بغياب المقاصد المباشرة؛لأن المؤلفين يرغبون في منح نصوصهم طابعا تعميميا وحياة دائمة. ويعتقدون أن تحديد الدوافع قد يكون تحجيما لذلك ؛لأن هذا التحديد يجعلها مقيدة بسياق محدد. غير أن هذا الفهم ليس سليما مادام المؤلف مطالبا بالجواب عن أسئلة عصره أكثر مما هو مطالب باستشراف أجوبة لأسئلة أزمنة آتية. لذلك كثيرا ما يسعد القارئ وهو يعثر على مؤلف يصر على تحديد دوافعه ، إذ تصبح للنقاش أرضية مشتركة ينطلق منها الطرفان كي لايكون هناك رجم بالغيب، وتأويل فاسد. في كتابه(مدخل إلى القرآن الكريم) يقدم المرحوم محمد عابد الجابري دواعي التأليف، والتي بتغييبها يغيب الهدف المعلن ليصبح الحديث مركزا على علاقة الفلسفة بالتفسير، وعن علاقة هذا المؤلف وماتلاه من تفاسير للقرآن(الحكيم) بكتابات الجابري الأخرى . وهي توجهات مشروعة لأصحابها الحق في إنجازها، لكن إبقاء دواعي التأليف المعلنة حاضرة سيجعل كل تأويل مقيد بها. قسم الجابري دواعي تأليفه إلى نوعين؛ الأولى مرتبطة بمسار مشروعه الفكري الذي لولاه ما امتلك العدة المعرفية التي تؤهله للكتابة عن القرآن وتفسيره. والثانية مباشرة، ترتبط بأحداث معاصرة كان لها أكبر الأثر على التحولات التي عرفها العالم العربي والإسلامي سواء في تعامله مع مكوناته الداخلية أوعلاقته بالغرب. حيث يؤكد الجابري اهتمامه بموضوع إعادة فهم القرآن منذ السبعينيات، عندما ساد الساحة نقاش حول الصحوة الإسلامية، فقد حصل آنذاك تحول إيديولوجي كبيربقيام تيار فكري يعتمد الإسلام مرجعية. وترتب عن ذلك بروزحقل دلالي مرتبط بتكفير الناس، وبسهولة تفسير النصوص، وبيسرالاستشهاد بآية قرآنية واعتبار توظيفها في هذا السياق أوذاك حقا للأفراد والجماعات بغض النظر عن استيعابها لشروط التأويل والتفسيروالفتوى. فلما جاءت 11سبتمبر2001 كانت المحرك الأقوى لإنجاز تفسير للقرآن )الحكيم( باعتماد أسباب النزول مدخلا لذلك، فقد أدرك الجابري من خلال تجربته مع القرآن (أنه واحد من الكتب التي لا يمكن أن تُقرأ كما يقرأ الإنسان جريدة أو قصة..وأنه كتاب تاريخي. وللتعامل معه، لابد من فكر تاريخي متتبع لتطور الثقافة العربية وخصوصا الجانب الكلامي والفقهي). مؤكدا أن آخر فصل من فصول أصول الفقه مثلا هو المتعلق ب "الفتوى"، والشروط التي وضعت لإصدار الفتاوى وما إلى ذلك. وبسبب هذه الاقتناعات شعرالجابري أن (الناس يتعاملون مع القرآن بسهولة غريبة،عندما يفتون .. فقرر أن يوضح للناس وللقراء أن الأمر ليس بتلك السهولة، وأن التعامل مع القرآن له شروط،وأن فهمه يتطلب عدة وسائل ثقافية). وهكذا، فإن الفكرة التي كانت دائما موجودة في ذهن الجابري، وجدت في 11 شتنبر2001 الدافع المباشر لها ؛ لأن الطرف الذي تبنى هذه الأحداث مارس العنف باسم الدين، واعتبر أن المرجعية لديه هي القرآن والسنة. وعليه، فإن كتاب الجابري المعنون مدخل إلى القرآن هو حوار غير مباشر مع من قاموا بأحداث 11 سبتمبر، أو مع من يؤمن بأفكارهم. ولذلك لم يكن مستغربا أن يلقى الكتاب ردود فعل متشنجة تتهمه بالاستشراق، وغيرها من التهم التي لم يخل منها مسار الفكر العربي منذ القديم. بينما قراءة الكتاب في ضوء دواعي التأليف، وفي سياق المقاصد المباشرة تجعله كتابا إصلاحيا للفكر ولشروط التفسير والتأويل، والخوض في قضايا لايمكن القبول بتأميمها معرفيا وثقافيا ومنهجيا؛ لأن في ذلك إيقافا لحركية الفكر، ولنمو وعي المجتمعات والأمم.