بعد صمت طويل، يخرج عبد الرحمان اليوسفي، الزعيم الاتحادي السابق والوزير الأول الذي ترأس الحكومة في مرحلة جد دقيقة من تاريخ المغرب، ليجيب عن كثير من التساؤلات والأسرار التي رافقت مساره السياسي وتجربة أول "حكومة يسارية" في البلاد، بعدما هندس الملك الراحل الحسن الثاني عملية التوافق مع معارضيه، والانتقال إلى ما سمي آنذاك العهد الجديد تحت حكم الملك محمد السادس. اليوسفي، الذي اختار بعد خروجه من الحكومة اعتزال العمل السياسي والحزبي ومقاطعة الصحافة بشكل نهائي، اختار أن يصدر مذكراته تحت عنوان "أحاديث في ما جرى"، من إعداد المعارض السياسي اليساري السابق وعضو هيئة الإنصاف والمصالحة مبارك بودرقة، وهو الرجل الذي يُوصف بعلبة أسرار الشخصية الأكثر إثارة للفضول في المغرب الراهن. مذكرات وأسرار اليوسفي من المرتقب صدورها في الثامن من شهر مارس المقبل، تزامناً مع عيد ميلاده ال94. وسيخصص للحدث حفل كبير بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط. مصدر مقرب جداً من اليوسفي كشف في حديث مع هسبريس أن "إقناع سي عبد الرحمان بقضية مذكراته كان أمراً صعباً للغاية"، وزاد مستدركا: "لكننا استطعنا الضغط عليه لأنه حرام أن نحرم المغاربة من الاطلاع على تفاصيل مرحلة تاريخية فارقة في تاريخ هذا الرجل". وأوضح المصدر الذي واكب عملية إعداد الكتاب، في تصريح لهسبريس، أن "أحاديث في ما جرى" إصدار في ثلاثة أجزاء؛ "يتضمن الجزء الأول سيرة عبد الرحمان اليوسفي، خصوصا ألا أحد يعلم الكثير عن حياة الرجل عندما كان صغيراً، ثم مساره ومساهمته في تكوين الطبقة العاملة، ومرحلة المقاومة وجيش التحرير، وبعدها اعتقاله الأول والثاني بعد الاستقلال". أما في الجزء الثاني والثالث، يُضيف المصدر ذاته، "فقد قام الحقوقي والاتحادي البارز مبارك بودرقة، الملقب ب"عباس" في زمن الجمر والرصاص، بتجميع جميع الكلمات والخطب والحوارات والتصريحات التي أجراها اليوسفي". ولفت مصدرنا إلى أن "أهمية هذه الخطب تكمن في أن اليوسفي هو السياسي الوحيد الذي كان يكتب جميع خطبه أو تدخلاته بخط يده، بل ويدقق في النقطة والفاصلة؛ وبالتالي فإنها ستصبح مرجعاً للباحثين والمؤرخين". وحول تفاصيل مفاوضات القصر معه، وصولاً إلى إقناعه بالعودة إلى البلاد في التسعينيات، وتوليه أول حكومة تناوب، قال مصدرنا إن "اليوسفي تطرق لجميع حيثيات هذه المشاورات ولم يسكت عن أي شيء، بدءا من الشخصيات التي أرسلها الحسن الثاني للتفاوض معه، والضمانات التي قدمها القصر لإنجاح الانتقال الديمقراطي". وأضاف المصدر ذاته: "لم يكن اليوسفي يُريد البوح عن أسرار هذه التجربة، رغم أن بودرقة منذ عشرين سنة وهو يشتغل في هذا الموضوع، واليوم قبل بشق الأنفس أن تنشر مذكرات باسمه". يشار إلى أن مبارك بودرقة، الذي حرر مذكرات اليوسفي، عضو سابق بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وسبق أن أصدر كتابا هو الأول من نوعه يتحدث عن تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة تحت عنوان: "كذلك كان..مذكرات من تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة"، رفقة الحقوقي أحمد شوقي بنيوب.