يبدو أن مياه العلاقات بين المغرب ومصر عادت إلى مجاريها بعد سحابة صيف عابرة وفتور دبلوماسي؛ إذ أكدت القاهرة أن ما يجمعها بالرباط في الوقت الراهن هو "علاقات جيدة جدا"، من أبرز معالمها: تنسيق أمني كامل ضد الإرهاب ومصالح اقتصادية مشتركة. وبعد إخماد حالة التوتر التي طبعت العلاقات بين البلدين، منذ مطلع العام 2015، على خلفية صمت القاهرة من تقرب أطراف مصرية من جبهة البوليساريو الانفصالية، تناقلت وسائل الإعلام المغربي والمصري أنباء عن لقاء وشيك بين الملك محمد السادس والرئيس عبد الفتاح السيسي، بالموازاة مع انعقاد اللجنة العليا المشتركة التي يرأسها قائدا البلدين. لكن اللقاء أخذ في التأجيل في كل مرة، وسط طموح دبلوماسي عبّر عنه في وقت سابق سفير جمهورية مصر العربية المعتمد لدى المملكة المغربية، أشرف إبراهيم، بأن يتوج هذا المسار الجديد في العلاقات ب"زيارة متبادلة بين قائدي البلدين"، وهو التوقع الذي عاد إلى الطرح من جديد مع اقتراب موعد اجتماع اللجنة العليا المشتركة على مستوى قيادتي المغرب ومصر. السفير المصري، وفي حوار نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط، أورد أن العلاقات المصرية المغربية تبقى "جيدة جدا" على مدى سنوات طويلة، متوقعا أن تشهد دفعة لدى التئام اللجنة العليا المشتركة، مشددا على أن هناك "تنسيقا أمنيا مشتركا كاملا في مجال مكافحة الإرهاب"، منوها في الوقت ذاته بالدور المهم الذي تلعبه الرباط في هذا المجال. وأشار إبراهيم إلى أن التعاون التجاري بين بلاده والمملكة بلغ في حجمه نحو 500 مليون دولار، كاشفا أن الميزان التجاري يميل لصالح القاهرة، "وهي تعمل على مواصلة دعم العلاقات التجارية مع المغرب وتسوية أية مشكلات تجارية، سواء في إطار ثنائي أو في إطار اتفاقية أغادير للتجارة الحرة التي تضم مصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان". وفيما أشاد الدبلوماسي المصري بعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وبعلاقاته الجيدة مع دول غرب إفريقيا، أشار إلى العلاقات الاقتصادية التي قال إنها تعرف تقدما من خلال "استثمارات مغربية في مصر، مقابل استكشاف رجال الأعمال المغاربة لفرص جديدة للاستثمار في مصر"، مع وجود "عدة استثمارات مصرية في المغرب أحدثها افتتاح أحد مصانع الحلوى المصرية في الدارالبيضاء في غضون عام". في سياق مستجدات العلاقات المصرية المغربية، انطلق بالرباط، اليوم، لقاء مجموعة التعاون والصداقة المصرية – المغربية، التي تأسست في فبراير من العام الماضي وتم تشكيلها في يناير المنصرم، بهدف "تعزيز الجهود للارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية وتشجيع الجهات التنفيذية في البلدين للارتقاء بمجالات التعاون المشتركة"، من بينها التبادل الاقتصادي والتجاري، والعلاقات الثقافية الثنائية، وكافة موضوعات الاهتمام المشترك. صفاء بعد توتر وكان محمد السادس قد استقبل، يوم 16 يناير 2015 بالقصر الملكي بفاس، سامح شكري، وزير الخارجية المصري، الذي نقل إليه دعوة من السيسي للقيام بزيارة رسمية إلى بلاده؛ وذلك بعد أسبوعين فقط من التوتر الحاد والمفاجئ الذي شهدته العلاقات المصرية المغربية على خلفية بث التلفزيون المغربي الرسمي تقريرين وصف فيهما الرئيس السيسي ب "قائد الانقلاب" في مصر، والرئيس الأسبق محمد مرسي ب"الرئيس المنتخب". وقتها، ووسط غياب أي توضيح رسمي، اعتبر عدد من المراقبين أن تقرب نظام السيسي، بشكل غير مفهوم، من "جبهة البوليساريو" الانفصالية كان من أبرز الأسباب التي دفعت الرباط إلى إعداد مفاجأة غير مرتقبة للقاهرة ليلة رأس السنة الميلادية من العام 2015 ببثها التقرير التلفزي المذكور، خاصة وأن الحادث سبقته، بأشهر، زيارة وفد إعلامي مصري كبير، ثم وفد رسمي يرأسه وكيل وزارة الثقافة المصري، إلى مخيمات تندوف وعقد لقاءات مع زعيم الجبهة، محمد عبد العزيز، وعدد من القيادات الانفصالية. إلا أن المغرب عاد إلى تلطيف الأجواء مع القاهرة، اضطرت معه مصر إلى إعلان التزامها بالوحدة الترابية للمغرب، فيما أكدت المملكة موقفها المساند لخارطة الطريق بمصر التي وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسي إثر عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وهي المواقف التي أعقبتها دعوة من الملك محمد السادس إلى إنجاح الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة، وإعداد برامج عمل مشتركة واتفاقيات شراكة تضم القطاع العمومي وشبه العمومي والقطاع الخاص. وبعد تعيينه بأسابيع سفيرا معتمدا لدى المملكة، أكد أشرف إبراهيم، في حوار مع هسبريس منتصف نونبر الماضي، أن موقف بلاده الرسمي تجاه ملف الصحراء "واضح؛ فهي لم ولن تعترف يوما بجبهة البوليساريو ولا بما يسمى الجمهورية الصحراوية"، موضحا أنه "لم يسبق أن كان هناك توتر بين القاهرةوالرباط، وما حصل في السابق مجرد سوء فهم". وشدد إبراهيم على أن مصر "ملتزمة بالوحدة الترابية ودعم الحل الأممي لقضية الصحراء والمشروع المغربي الذي هو الحكم الذاتي"، مؤكدا عدم وجود توتر أو فتور في العلاقات، "بل هي جيدة وممتازة"، معتبرا أن ما يتردد في الإعلام المصري بين الفينة والأخرى من إساءات إلى المغرب والمغاربة "تمت إثره محاسبة الفاعلين على مستوى كل قناة، كما كانت هناك أيضا اعتذارات رسمية وغير رسمية".