قال المركز المغربي للظرفية إن المملكة مطالبة باستلهام مسارات التنمية في بلدان شرق آسيا في إطار التفكير لإعداد نموذج تنموي جديد، مشيراً إلى أن هذه الدول، إضافة إلى الصين واليابان والتايوان، نجحت في اللحاق بالركب الاقتصادي. وأوضح المركز، في العدد 297 من نشرته الشهرية حول موضوع "أي نموذج تنموي جديد في أفق 2030"، أن البلدان الناشئة في شرق آسيا جديرة بالاهتمام، لأنها نجحت في مسارات التنمية بالاعتماد على عوامل عدة، منها الاستثمار الأجنبي، وصادرات الصناعة التحويلية، ونقل التكنولوجيا. وكانت دول شرق آسيا المعروفة ب"النمور الآسيوية" وهي تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية، قد حققت في السنوات الماضية معدلات نمو بلغت 6 في المائة. وبحسب البنك الدولي، فإن التوقعات الاقتصادية لهذه الدول في السنوات المقبلة تبقى إيجابية؛ إذ تستفيد من الطلب المحلي القوي والانتعاش الاقتصادي. وأوضح المركز، وهو مؤسسة بحثية يرأسها لحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، أن من بين العوامل التي اعتمدت عليها ساكنة دول شرق آسيا انضباط ساكنتها، إضافة إلى كون أجورها وتكاليفها الاجتماعية منخفضة، وهي أمور تخفف تكاليف الإنتاج في المرحلة الأولى من التنمية. وأكد التقرير أن دور الدولة يجب أن يكون حاسماً في التنمية؛ وذلك بتحديدها للأهداف الاقتصادية العامة التي يجب تحقيقها والقطاعات التي تحتاج إلى التطوير، إضافة إلى إقرارها للإعفاءات الضريبية، وحماية السوق الداخلية، وإنشاء مناطق حرة، وهي عوامل مهمة ونظرية في مفهوم الدولة المطورة (L'Etat développeur) شكلت حافزاً حقيقياً في تطور دور شرق آسيا. وأشار تقرير النشرة البحثية إلى أن "اختناق النمو في المغرب عليه إجماع"؛ وذلك جلي من خلال معدل خلق الثروة، الذي يقاس تقليدياً بالناتج المحلي الإجمالي الذي لم يتجاوز متوسط معدل سنوي 3,5 في المائة خلال الفترة 2008 و2018، أي بانخفاض بلغ 1,5 نقطة مقارنة مع العقد السابق. وقال المركز المغربي للظرفية إن النمو في المملكة يبقى عقيماً على مستوى خلق فرص الشغل على الرغم من الجهود المبذولة على مستوى مراكمة عوامل الإنتاج والاستثمار والرأسمال البشري، مشيراً إلى أن "هذا الأمر يستوجب مساءلة ملاءمة نموذج النمو مع متطلبات السياق الحالي". وعلى الرغم من اختيار المغرب لنهج تحديث قطاعه الإنتاجي لما له من أثر إيجابي محتمل على السياسات العمومية المختلفة، فإن آثار ونتائج الاستراتيجيات المنفذة تبقى من الناحية العملية بطيئة جداً، وقال المركز إن النمو ما زال خاضعاً للمخاطر المناخية، كما أن الصادرات المغربية لا تلعب الدور الريادي المطلوب في الاقتصاد الوطني. ويرى المركز أن أثر السياسات العمومية على التشغيل وتحقيق المساواة بين الجنسين يبقى محدوداً، مشدداً على أن هناك حاجة إلى برامج أكثر طموحاً وملائمة لمواكبة إعادة هيكلة القطاع الإنتاجي المغربي وزيادة تكامله واندماجه. وشدد التقرير على أن الدولة يجب أن تلعب دائماً الدور الاستراتيجي المساهم والمطور والميسر، ويجب عليها أن تضطلع بدورها من خلال التوجهات الرئيسية والخيارات الاستراتيجيات، وتنفيذ السياسات العمومية بهدف تهيئة مناخ ملائم من الثقة وتهيئة الظروف اللازمة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي. ويتفق المحللون، بحسب المركز، على أن التحديات الرئيسية التي تواجه سوق الشغل بالمغرب يمكن تخليصها في ثلاثة عوائق حاسمة؛ أولها تعزيز جودة التكوين والمهارات من أجل تخفيض الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق المساواة بين الجنسين، ثانيها تعزيز وتقوية القطاعات الدينامية لكي تكون أكثر تنافسية على المستوى الدولي والحد من توسع القطاع غير المهيكل وتوسيع مجال الحصول على التمويلات ومكافحة الفساد، وثالثها فعالية السياسات العامة في تحسين التنسيق القطاعي والتماسك الأفقي. كما أكد مركز الظرفية على أهمية الجهة كلاعب رئيسي في نموذج التنمية الجديد، معتبرا أن هناك حاجة إلى مواءمة المجال الاقتصادي والبحث عن توزان جيد بين الأقاليم في إطار مقاربة جديدة للتنمية تجعل الجهة لاعباً رئيساً في تنفيذ السياسات العمومية بتوفير الصلاحيات المطلوبة والتمويلات الكافية. وكان الملك محمد السادس قد دعا، في خطاب سابق، إلى إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي، قائلا إنه أصبح غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة للمواطنين والحد من الفوارق الطبقية.