تستعد مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد للكشف عن تقرير تتساءل فيه عن مدى توفر المغرب على استراتيجية للتنمية الاقتصادية، حيث حاولت مقاربة هذا السؤال عبر الانطلاق من مسلمتين، تشير الأولى إلى أن السياسات العمومية يجب أن تتجه نحو إنجاح الإقلاع الاقتصادي بما يسمح للمغرب في ظرف 25 سنة أن يتبوأ مكانة بين البلدان ذات الدخل الوسيط المرتفع، وتلح الثانية على أن تقييم التقدم والإخفاقات يجب أن يتم عبر المقارنة مع البلدان المنافسة الأكثر دينامية، وليس العودة إلى التسعينيات التي كانت حقبة بيضاء في التاريخ الاقتصادي المغربي. هل يتوفر المغرب على استراتيجية للتنمية الاقتصادية؟ سؤال حاول التقرير الذي أعدته دائرة التحليل الاقتصادي التابعة للمؤسسة مقاربته عبر رصد تطور معدل النمو الاقتصادي في المغرب خلال العقد الأخير، حيث يشير إلى أن النمو تحقق ضمن ظرفية دولية ملائمة وبمساعدة التساقطات المطرية، غير أن المغرب لم يستفد من تلك الظرفية، مقارنة بالبلدان الجارة والمنافسة، التي اغتنمت جيدا تلك الفرصة مادام معدل النمو لم يتم تسريعه، على اعتبار أنه ظل متقلبا ولم يتعد في المتوسط 1.64 في المائة، لتتقدم عليه على هذا المستوى بلدان مثل الجزائر وتونس ومصر والأردن، والحال أنه كي يصبح المغرب ضمن البلدان ذات الدخل الوسيط، يفترض أن يحقق في المتوسط معدل نمو ب6 في المائة في السنوات القادمة، كي يقفز الدخل الفردي إلى 10000 دولار عوض 2800 دولار حاليا. يقر التقرير بأن مستوى الاستثمارات المباشرة الأجنبية ارتفع بشكل ملحوظ في المغرب، لكنه يلاحظ أن هذه الاستثمارات تظل مركزة على بعض القطاعات من قبيل السياحة والعقار، خارج الخوصصة، غير أن تلك الاستثمارات لا تعبر عن جاذبية تميز المغرب، بل هي مرتبطة بظرفية دولية مساعدة. وكانت الاستثمارات لا تدعم فرضية التنمية الاقتصادية، فهل تحققها الصادرات؟ الجواب يأتي من التقرير في شكل تعبير عن القلق من كون الصادرات تظل مركزة على مواد معينة وقليلة التنوع، مما أفضى إلى تراجع حصة المغرب في الصادرات العالمية، خاصة في ظل ضعف الإنتاجية، بل إن ترتيب المغرب في مجموعة من التقارير الدولية، يشير إلى أنه لم يتقدم في العديد منها، ففي قطاع « الأوفشورينع» يتبوأ المغرب المرتبة 30 حيث تتقدم عليه بلدان مثل مصر والأردن. التقرير يتساءل عن إمكانية اعتبار الثالوث المتمثل في السياحة والعقار والبنيات التحتية تعبيرا عن وجود استراتيجية للتنمية الاقتصادية في ظل تأخر ثمار مخطط الانبثاق الصناعي وبداية تطبيق المخطط الأخضر. محررو التقرير ينبهون إلى ارتهان السياحة والعقار بالظرفية الخارجية، فحدث أمني يمكن أن يفضي بهما إلى الركود. وفي ما يخص السياحة يؤكد التقرير على أنه لا يمكن أن تشكل محركا للنمو الاقتصادي، بل مجرد مساهم فيه، إذ أن بلدانا مثل إسبانيا استندت عليها من أجل جلب العملة الصعبة لخدمة مسلسل التصنيع، في نفس الوقت إذا كان دعم السكن الاجتماعي مستحبا لدوره في السياسة الاجتماعية للدولة، فإن توجيه الدعم لقطاع العقار دون تمييز أمر غير منتج، وهو رديف للمضاربة التي تمتص الرأسمال والادخار ومسبب لتدهور مستوى معيشة الفقراء، ناهيك عن آثاره البيئية والاجتماعية. لكن هل تشكل سياسة البنيات التحتية استراتيجية للتنمية الاقتصادية؟ التقرير يؤكد على أن تلك البنيات يجب أن تستجيب لطلب ملح وتكون موضوعا لنقاش عمومي حول جدواها، خاصة أنها جد مكلفة على مستوى الإنجاز والصيانة.. فالتقرير يتساءل مثلا عن الجدوى من الترامواي والقطار فائق السرعة. ألم تكن ثمة بدائل ممكنة؟ يحاول التقرير، الذي استغرق إنجازه سنة كاملة، الوقوف على العوائق التي تحول دون المرور إلى معدل نمو أعلى. إذ يشير العائق الأول إلى أن التنظيم السياسي غير مساعد على التنمية الاقتصادية، حيث إن التوازن السياسي لا يتيح الاستفادة من منافع الديمقراطية أو الأتوقراطية، مما يعني أن المضي في مسلسل الدمقرطة الذي انخرط فيه المغرب من شأنه أن يعالج عيوب النظام الانتخابي والهيكلة الحكومية غير الملائمة ومشكل تعدد الفاعلين العموميين غير الحكوميين. ويحيل العائق الثاني على ما يسميه الأمية الاقتصادية التي تبخس علم الاقتصاد حقه ولا تهتم بالجدوى الاقتصادية لبعض الاختيارات، ناهيك عن عدم الاستفادة من دروس الماضي.