تصدير: يبدو أن مسار الاقتناع بالضرورة الملحة لحوار جدي بين قوى المجتمع المغربي الفاعلة والساعية عبر طروحاتها وبرامجها وأهدافها إلى تحريره ونهضته، لم يبرح بعد نقطة التعبير عن صدق نوايا الحوار، وإن كان في بداية بداياته، مع مبادرات تطفو هنا وهناك للتواصل، (إشارة هنا إلى مبادرات بعض الإسلاميين في عقد موائد للحوار أو تلبية الدعوة لحضورها وكذلك الشأن لبعض قوى اليسار ،إلا أن هذه المبادرات ظلت محدودة في عددها وفي حجم المشاركة لها وفي نفسها الإصراري الذي لم يكن طويل). ولعل من بين أسباب هذا البطيء في تحريك عجلة الحوار، راجع بالأساس إلى عدم تخلص البعض من الأحكام السلبية التي راكمها عن الآخر المخالف من جهة، ومن جهة أخرى جراء ما تطفو من معارك هنا وهناك، قد تشوش على مسار هذا الحوار، هذا مع العلم أن حتى هذه المعارك ماكان لها أن تحدث في حضور حوار هادئ جدي ومسؤول. إن من شأن إطلاق مبادرات حوار مجتمعي جاد، أن يدرأ عن البلاد مفاسد كل التشويشات التي تظهر ولا زالت، والتي غايتها الأساس تمييع الفرز السياسي، والسياسة، والإصلاح وكل آمال تحرير المجتمع من ربق الاستبداد والظلم والتزييف والفساد وكل الكوابيس المجتمعية التي تنتهك الحقوق والإرادة الشعبية والمال العام. كيف إذن السبيل إلى انطلاقة راشدة لمسار هذا الحوار المأمول؟ لماذا أضحى الحوار في هذه المرحلة الحالية أكثر إلحاحية، بالشكل الذي يرفع ضرورته إلى مستوى الواجب الشرعي والوطني؟... ماهي معالم أرضية هذا الحوار وشروط إنجاح خطواته؟... هذه الورقة محاولة متواضعة في بسط معالم إجابات. والله الموفق وهو يهدي السبيل. توضيح مفاهيمي: نقصد بالحوار المجتمعي، الحوار الذي ينبغي أن يتأسس بين كل قوى المجتمع التي تلتقي حول مطلبين أساسيين في تقديري: 1-مطلب الإصلاحات الأساسية دستوريا سياسيا ومؤسساتيا، التي تؤول إلى الانتقال التدريجي إلى دولة المجتمع المعبرة عن نبضه واختياراته، وبالتالي إلى تحريره من ربق الاستبداد والظلم، 2-مطلب حماية كل المكتسبات المجتمعية الحقوقية والاجتماعية والسياسية، و الحيلولة دون الرجوع إلى ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وللإرادة الشعبية وللمال العام، بما يحقق التقدم النوعي نحو مزيد من توسيع مساحة تحرير المجتمع على حساب تقليص مساحة للاستبداد والقمع ونهب المال العام. والحوار المجتمعي المقصود هو سابق للحوار الوطني الشامل، ذلك أنه يمهد الطريق له، من خلال الحرص على فرز سياسي سليم تتبين فيه المواقف والمواقع والأطروحات. أولا-لماذا الحوار المجتمعي؟ يمكن في تقديري حصر الأسباب الملحة لضرورة حوار مجتمعي في التالي: 1- ما آل إليه الوضع الدستوري: وما يقتضيه من إعادة طرق سؤال البداية الدستورية والسياسية الصحيحة، لإقرار حياة دستورية تعاقدية سليمة، بحيث تبين بالملموس سواء من خلال تجربة التناوب و مابعدها، أن الرهان على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية من داخل العمل الحكومي بممكناته الدستورية الضيقة، كان رهانا غير صائب، ولم يأت بالإصلاحات الضرورية، والتراجع في الرتب التي يحتلها المغرب في مؤشرات التنمية والشفافية، يمكن اعتباره من الأدلة القوية على ماذهبنا إليه كما سيأتي بيان ذلك. 2-ما آل إليه الوضع الحقوقي: ونذكر من ذلك، عودة الحديث عن الاختطافات وعن المحاكمات غير العادلة للعديد من المتهمين بما يسمى ب"الإرهاب"، والبيانات التي تنشر تباعا عبر تقارير حقوقية عن معاناة هؤلاء في السجون، ومعاناة ذويهم معهم، و حشر بعض الشخصيات والفعاليات السياسية المعروفة لدى الأوساط السياسية بتوجهها السياسي السلمي والمسالم، وخطها الفكري الوسطي، (المعتقلون السياسيون الستة)، في ملف ما يسمى ب"الإرهاب"، رغم إجماع جل الفعاليات المدنية والسياسية والحقوقية الوطنية، ببرائتهم من هذه التهم الكبيرة وبإقحامهم في ملف لا علاقة لهم ولتوجههم السلمي المدني الواضح به، والتقارير الحقوقية عن ذلك لا زالت تأتينا تباعا، (تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2009، وتقرير منظمة مراسلون بلاحدود لذي ترصد حال حرية الصحافة وتصنف البلدان بحسب هامش حرية الصحافة المتاحة فيها، هكذا صنف المغرب في المرتبة 122 في سنة في تصنيف سنة 2008، وتراجع تصنيفه درجات على المرتبة 127 في تصنيف سنة 2009، تقريرا المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وكذا هيومان رايتش مع جمعية عدالة حول محاكمة المعتقلين السياسيين الستة فيما أصبح يعرف الآن بقضية خلية بليرج، وما شابها من خروقات، بحيث أن "المحكمة لم تعط وزنا لمزاعم عن الانتهاكات الخطيرة التي أثرت سلبا على حق المتهمين في محاكمة عادلة: الأهم من ذلك، أنه قد ظهرت ادعاءات بأن الشرطة عرضت للتعذيب العديد من المتهمين لإعطاء وتوقيع التصريحات التي جرمتهم، وآخرين زورت المحاضر ضدهم، وأن الشرطة احتجزتهم في الحراسة النظرية لأكثر من 12 يوما التي يسمح بها القانون" على حد تعبير التقرير الأولي لمنظمة هيومان رايتش وجمعية عدالة المنشور في 29 دجنبر 2009.)، ومنع أو حل بعض الأحزاب بإحالتها إما للقضاء الإداري، أو بصدور قرار حكومي (مثال حزب الأمة وحزب البديل الحضاري)، و التراجع الذي تم رصده في مجال حرية الصحافة، (انظر تقرير مراسلون بلاحدود الأخير لسنة2009)، والتدخلات الرسمية العنيفة لتفريق بعض المظاهرات والذي يخلف جرحى ومصابين، مع الإشارة أن معظم هذه المظاهرات كانت ذات طابع اجتماعي صرف، (أحداث صفرو، أحداث سيدي إيفني، حركات المعطلين حاملي الشهادات العليا الاحتجاجية،...). 3- ما آلت إليه أوضاعنا الاجتماعية المزرية: وما تقتضيه من حشد للجهود قصد وقف هذا النزيف الاجتماعي المتزايد، وليس غريبا أن يقر تقرير 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب، في بعض فقراته، ببعض مظاهر ذلك، حيث اعتبر التقرير "أن نسبة الفقر التي كانت تتجاوز 50 % سنة 1960، قد تراجعت بشكل ملحوظ لتنحصر حاليا في%14,2. إلا أنه بالنظر للنمو الديمغرافي فإن العدد المطلق للفقراء استقر في خمسة ملايين، في المعدل المتوسط، من بينهم ثلاثة أرباع من الفقراء يتواجدون بالعالم القروي". 4- ما آل إليه الفساد الإداري والمالي في البلاد: في ظل غياب حكامة فعالة وجيدة، بحيث تم تسجيل تراجع المغرب على سلم مؤشر الرشوة (وهو مؤشر أيضا لقياس درجة الفساد)، حيث صنف تقرير منظمة الشفافية الدولية لسنة 2008 المغرب في المرتبة 80 وفي سنة 2009 تراجع تصنيفه درجات أخرى باحتلاله المرتبة 89، كما كشف الستار في تقرير 2009 عن أهم القطاعات التي تستشري فيها ظاهرة الرشوة حسب استطلاع أجرته المنظمة وهو القطاع العام(الموظفون) (agents publics/fonctionnaires) ب 62% و قطاع العدل ب 19%. وأما في استطلاعها حول المجهودات الرسمية المبذولة لمحاربة الرشوة ف نسبة 64% يقولون أن المجهودات غير فاعلة، وليس غريبا أيضا أن يقر تقرير 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب في بعض من فقراته، بظاهرة التلاعب بالمال العمومي في المغرب حيث يؤكد قائلا: "إن المحاسبة أو تقديم الحسابات، وكذا تطبيق العقوبات الإدارية أو السياسية أو القضائية أو الانتخابية، المترتبة عن نتائج تلك الحسابات لم تتحول بعد عملة متداولة في بلادنا، وفي المقابل فإن الإحساس بالإفلات من العقاب شجع على التلاعب بالمال العمومي..." 5- وبالنتيجة ما آل إليه الوضع التنموي للبلاد: خصوصا مع تراجع ترتيب المغرب كذلك دوليا في مؤشر التنمية البشرية ثلاث درجات من الرتبة 126 في تقرير برنامج الأممالمتحدة للتنمية 2007-2008 إلى الرتبة 130 في تقريره ل 2009 حسب تصنيف برنامج الأممالمتحدة للتنمية. 6- ما آل إليه نسقنا القيمي والأخلاقي والثقافي: من اختراقات وتشوهات، الأمر الذي أصبح يتطلب عملا إنقاذيا، ننقذ به هويتنا الحضارية ونحيي به قيمنا الأصيلة، خصوصا مع تنامي ظاهرة السياحة الجنسية وتجارة الجسد والدعارة المنظمة، وكذا ظاهرة ترويج المخذرات وحبوب الهلوسة بجوار المؤسسات التعليمية...(ومع الأسف لا نتوفر على إحصائيات دقيقة رسمية أو غير حكومية في هذه المجالات، رغم أن واقعها أضحى جليا من خلال قصاصات الأنباء المتتالية التي تتحدث عن محاكمات بعض المتورطين في قضايا السياحة الجنسية أو عن ضبط شبكات تهجيرية للدعارة، وبعض التقارير الأجنبية التي تتحدث عن بعضها). 7- ما آل إليه نسقنا التديني: من تنامي ظواهر تدينية شاذة عن التدين الوسطي السليم، هذه الظواهر التدينية غير السليمة التي كان لها وقعها على مستوى وحدة اللحمة الدينية والعقائدة والمذهبية لمجتمعنا، وهي نتيجة غياب مرجعية دينية وعلمية (فئة العلماء والدعاة)، تتميز بقسط كبير من المصداقية والقدوة، والقدرة على التأثير في أوساط المجتمع، وفي تقديري فإن من شأن هذا الإهمال الذي يعرفه حقل التدين ببلادنا من حيث ضعف أو غياب مجالات التوجيه والإرشاد والتوعية والتكوين، ومن حيث توسيد الأمر إلى غير "أهله من ذوي العلم والمصداقية" في بعض الأحيان، أن يؤسس لاختلال عميق ومشوه للأنموذج التديني على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع والأسر. لقد تبين بالملموس أن غياب التوعية الدينية، بمضمون وسطي إسلامي أصيل، عقيدة وفقها، ومنهاجا في التفكير وسلوكا في الواقع، كانت له تداعيات على مستوى ينابيع تكوين شخصية الإنسان المغربي عموما، وحين تغيب هذه التوعية المستمرة، تحضر الانطباعية في تكوين هذه الشخصية، وفي اختيار رموزها ومنهاج تفكيرها ونظرتها للأولويات والموازنات والمصالح والمفاسد، وهذه الانطباعية هي التي جعلتنا نسمع في العقود الأخيرة عن "متشيعين"، نتيجة انطباعية ظرفية فقط، لانتصار للمقاومة بلبنان مثلا، أو عن "متسلفين"، نتيجة انطباعية، فقط لانتصار ما يسمى ب"القاعدة" بأفغانستان أو العراق مثلا، أو عن خصوم لكل ماهو له علاقة بالخطوط الأخلاقية الكبرى للمجتمع (عبدة الشياطين، شواذ جنسيين،...)، نتيجة إطلاق العنان لأهوائهم الشاذة، ونتيجة انطباعية لانبهارهم بنماذج غربية وغريبة "رائدة" في هذه الميادين التي ينكرها مجتمعنا، أو عن موالين للزوايا التصوفية نتيجة انطباعية أيضا ليأسهم من مجال السياسة بصورتها الحالية، وما تسببت فيه من إحباطات على مستوى واقع الشأن العام بالمغرب، واللائحة تطول لما أفرزه هذا المجتمع في ظل غياب هذه التوعية الدينية بمضمون وسطي إسلامي أصيل التي تنهل من مرجعيتنا الأصيلة المتمثلة في كتاب الله، والسنة النبوية الصحيحة، وكذا الرصيد الفقهي الغني بأصوله وقواعده واجتهاداته وتصنيفاته الذي خلفه لنا فقهاؤنا السلف، عقيدة وفقها، ومنهاجا في التفكير وسلوكا في الواقع، وبرموز ذات مصداقية مجتمعية تنهض بمهمة هذه التوعية الدينية المنشودة. 8- ما آلت إليه أوضاع وحدتنا الترابية: وما يتطلبه ذلك من عدم التفريط في أي شبر من الوحدة الترابية، والحيلولة دون بروز أية كيانات مجهرية تعمق شرخ التجزئة بين بلدان المغرب العربي، و تجعل من المنطقة قنبلة موقوتة قابلة للتوظيف والتسخير وقت ما تطلبت مصلحة الدول المهيمنة الكبرى ذلك، وكذا السعي نحو الإقرار بضرورة إشراك المجتمع في الدفاع عن وحدته الترابية من خلال الحرص على أن يكون تدبير هذا الملف تدبيرا أكثر ديمقراطية. 9- ما آلت إليه أوضاع أمتنا العربية والإسلامية وقضاياها المصيرية، وارتباطاتها أيضا مع قضايا مجتمعنا المحلية الكبرى، ومنها قضية استقلالية القرار الوطني، وقضية النهضة والتنمية، ذلك أن رهان الإصلاح عموما، له تداعياته سلبا أو إيجابا على مستوى تحقيق التنمية، وعلى مستوى تبويء بلادنا مكانة مؤثرة في محيطها الإقليمي والعربي والإسلامي، فلقد تبين بالملموس أن مدى قوة تأثير أي دولة إقليميا ودوليا مرتبط بمدى انفتاحها وتقدمها في مجال الحريات، وفي مجال توسيع المشاركة في قرارها الوطني الداخلي، -بكلمة- مرتبط بمدى تجسيدها لدولة المجتمع المعبرة عن اختياراته وإرادته، فقوة الدولة من قوة تلاحمها مع مجتمعها، وقوة تجسيدها لتوجهاته وإرادته وقراراته، ومن هذه القضايا أيضا، قضية فلسطين المركزية، إذ يتبين بالملموس أن ما آلت إليه قضية فلسطين له ارتباط أيضا بالوضع المحلي تأثرا وتأثيرا، ولعل ما جرى وما يجري على مستوى الأحداث هناك في فلسطين وغزة، يبين جليا أن فلسطين في قلب الأحداث المحلية، سواء من حيث علاقتها بمسار التطبيع مع العدو الصهيوني، أو في علاقتها بمسارات "التسوية في ما يسمى بالشرق الأوسط"، أو حتى في علاقتها بعمليات الفرز المستمرة التي تجري إقليميا ودوليا بين من هو مع استمرار المقاومة والممانعة حتى تحرير الأراضي المحتلة، وبين من هو مع مسارات التسوية والمفاوضات وتوقيف كل أشكال المقاومة والممانعة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودبلوماسيا. ثانيا حول أرضية هذا الحوار المجتمعي وشروط إنجاحه أ -في أرضية الحوار على ضوء هذه الأسباب التي بسطنا، نقدر أن أرضية هذا الحوار تتحدد بالملفات التالية: 1- ملف الإصلاحات الدستورية: شكلا ومضمونا من خلال العمل على الحسم في إقرار فعلي لسلطة المجتمع في الوضع والمراجعة و في التقرير والتنفيذ والتقويم والمراقبة. 2- ملف الإصلاحات السياسية: وما تقتضيه من السعي نحو وقف للزحف السلطوي على إرادة المجتمع وقواه في التعبير والتنظيم...مع الوقوف ضد كل محاولات ابتلاعية جديدة لمساحات تحرير هذه الإرادة (الحيلولة دون الرجوع إلى ماضي الانتهاكات الجسيمة للحقوق وللإرادة الشعبية وللمال العام). 3- ملف الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية: وما تقتضيه من ضرورة اعتماد مقاربة نضالية احتجاجية مطلبية تلتقط هذه الهموم والهواجس الاجتماعية، لإخراجها في بوتقة تصور نضالي سياسي مرحلي يجيب عن الإشكالية الاجتماعية عموما بشكل شمولي (بعيدا عن المنحى التجزيئي المطلبي التي صارت عليه الحركات الاحتجاجية عموما في الآونة الأخيرة)، ويتصدى لمسلسل الإجهاز على المكتسبات الاجتماعية للمجتمع، مع الضغط نحو تصحيح وجهة السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة، وذلك باعتماد مقاربة تعطي الأولوية للعامل الاجتماعي في الموازنات المالية المعتمدة. 4- ملف الوحدة الترابية والثقافية: مع ما يتطلبه من تقوية الالتفاف المجتمعي حول التشبت بسيادة المغرب على كل أراضيه، والدفع في اتجاه إشراك المجتمع في تدبير ملف وحدته الترابية بشكل ديمقراطي، وكذا الوحدة الثقافية، مع الحيلولة دون ظهور أية نزعات طائفية إثنية مفرطة في طائفيتها، وذلك بتبني قضية اللغة الأمازيغية مطلبا مجتمعيا وقضية وطنية تهم جميع المغاربة. 5- ملف مقاومة الانهيار القيمي والأخلاقي: وما يقتضيه من تقوية الالتفاف على قيم أمتنا الأصيلة المستمدة من مرجعية الإسلام، والتي تشكل في اللحظة الراهنة عامل مقاومة فعال أمام هذا الانهيار، إننا علينا أن نعي أن مطلب حماية رصيدنا القيمي وهويتنا الحضارية، هو مقدمة أساسية لعملية تأهيل المجتمع للقيام بواجباته الوطنية وتحمل مسؤولياته بوعي تام وجدي. 6- ملف التدين بالمغرب: وما يقتضيه من الحرص على أن تتنظم جهود العلماء والدعاة الصادقين، وأن تضطلع هذه الجهود بمهمتين أساسيتين في تقديري: • التوعية الدينية التي أساسها الوقوف في وجه كل التيارات الدخيلة التي من شأنها أن تخل بوحدة المجتمع المذهبية والاعتقادية والدينية التي استقر عليها المجتمع المغربي، • العمل على تصحيح التدين بالمغرب بما يوافق كتاب الله عز وجل وصحيح السنة النبوية الشريفة، وبما يتماشى وما استفر عليه التدين بالمغرب تاريخيا، مذهبا وعقيدة وسلوكا، ومنه التصدي لكل أشكال الفكر الخرافي، وتصحيح كل الاختلالات البدعية والأخلاقية التي لها علاقة بمظاهر التدين، إن التوعية الدينية بالمضمون الوسطي الإسلامي الأصيل، عقيدة وفقها ومنهاجا في التفكير وسلوكا في الواقع، هو الذي يجعل من المواطن سليم التفكير والتدين، معتزا بقدوته الأصيلة المتمثلة في رسول الله عليه الصلاة والسلام وكل صحابته الكرام الأفاضل، وكل أئمة أهل الفقه المشهود لهم بالتقوى والعلم، الذين أناروا تاريخ هذه الأمة، وحافظوا على رصيدها المعرفي والتراثي والفقهي، وهذه التوعية بهذا المضمون، أيضا هي أعمل سلاح ضد كل محاولات اختراق اللحمة المذهبية والاعتقادية والدينية للمجتمع، وكل محاولات ضرب وحدته. 7- ملف قضايا أمتنا العربية والإسلامية: ذلك أن ماجرى من حولنا قرابة عقد من الزمن، يدفعنا إلى الإقرار بخارطة تدافع واضحة من مع الأمة وتحريرها ونهضتها؟ ومن مع التبعية لقوى الهيمنة العالمية وبالتالي : على أساسها يمكن اعتبارها عامل فرز محلي من خلاله تتحدد المواقف وتتبين المواقع، بمعنى من مع حماية القرار الوطني من الهيمنة؟ومن ضده؟، وبالأحرى من يخضع لشروط وعوامل إنتاج إرادات الخضوع لهذه الهيمنة؟ ومن لازال صامدا على إرادة التحرر والتحرير؟ فاتفاقية التبادل الحر مثلا هي أداة من أدوات الهيمنة، باعتبارها مهددة لاقتصادنا الوطني، وبالتالي لجزء من أدوات استقلالية قرارنا الوطني، ومقاومتها تقتضي مقاومة كل آليات القبول بها سياسيا ودستوريا واقتصاديا. ومقاومة الفساد والمفسدين، هي تبدو معركة محلية، ولكن بربطها بآثارها الاجتماعية والاقتصادية والمالية (العبث بالمال العام وبخيرات البلد، تأبيد المديونية الخارجية، وبالتالي رهن قرارنا بإملاءات المؤسسات النقدية العالمية، و التي هي من أدوات استراتيجية الهيمنة...)، تأخذ بعدا أكثر من المحلي، في مقاومتها لآليات استمرارية الهيمنة، وعليه فملف قضايا أمتنا ليس ملفا ثانويا ضمن ملفات أرضية هذا الحوار بل هو ملف أساسي بامتياز. ب- في شروط إنجاحه على هذه الأرضية التي اقترحناها بملفاتها السبع ، نرى في تقديرنا أن شروط/مؤشرات إنجاحه هي: 1- الاعتراف المتبادل بين المكونات المجتمعية وإن تناقضت في مشاربها، مع التقائها في معركة تحرير الأمة والمجتمع. 2- التناصت والتواصل بين هذه المكونات من خلال التشجيع على تكثيف الحوارات والتواصلات بما يضعف من إمكانية "سوء الفهم والتأويل" لكلا المواقف والتقديرات. 3- الحسم في المرجعية العليا للمجتمع المستند إليها في أي إصلاحات مجتمعية مرتجاة، وعلى هذا الأساس نقدر أن مرجعية أمتنا المتمثلة في الإسلام الذي شكل دوما عامل بقاء لكينونتنا الثقافية وهويتنا، وعامل تميز على الآخر، وعامل مقاومة لكل إرادة إلحاق وذوبان، وعامل حفظ لقيم العفة والتكافل والعزة والكفاح والعلم والواجب، ولتماسك أسرنا وعلاقاتنا، بكلمة، شكل دوما عامل نهوض واستنهاض للمجتمع وتأهيله للقيام بواجباته الوطنية الكبرى، هي هذه المرجعية التي ينبغي أن تستند إليها هكذا إصلاحات. 4- إشراك العلماء في هذا الحوار والمشهود لهم بمصداقيتهم، وبمواقفهم المنحازة للأمة والمجتمع، والمتحررة من أية قيود سلطوية، ذلك أنهم مكون أساسي في المجتمع المغربي، ولهم دور مركزي في حماية رصيدنا القيمي والأخلاقي، وفي التصدي لأية محاولات اختراق لوحدة مجتمعنا المغربي الدينية والاعتقادية والمذهبية، وفي تبيان الأحكام والمواقف الشرعية المنحازة للأمة وثوابتها، وفي ربط المجتمع المغربي بقضايا أمته العربية والإسلامية، وفي القدرة على تعبئة الأمة ضد الأخطار المحذقة بها، وهم أيضا مؤهلون للمساهمة بفعالية في إنجاح معركة الإصلاحات المجتمعية. وأخيرا، إن اللحظة لحظة استجماع كل طاقات المجتمع التواقة إلى التحرر، إنها لحظة لإكمال مشوار تحرير المجتمع الذي لم يكتمل بعد، ولتقوية مناعة الأمة والمجتمع ضد أية إرادة إلحاقية قسرية، ومسيرة الألف ميل تبدأ بالخطوة الواحدة كما يقال، وحسبنا أننا ساهمنا بكل تواضع في التأسيس لهذه الخطوة الأولى المتمثلة في الدفع بعجلة الحوار ... والله الموفق وهو يهدي السبيل. [email protected] mailto:[email protected]