كثيرون يقولون إن مدينة أكادير مدينة بلا تاريخ! ويذهب أصحاب هذا الطرح إلى أبعد مدى فيدافعون عن رأيهم بغياب منشآت تاريخية تعود إلى قرون أو حتى عقود مضت. فلا "مدينة قديمة" بأكادير، ولا بنايات يمكن زيارتها تحمل تاريخا قديما، وأغلب أحياء أكادير عمارات حديثة وجد أباطرة العقار طريقهم إليها فحولوها إلى علب إسمنتية، بل وجدوا من يُرخص لهم للبناء حتى في الأماكن التي قيل بعد الزلزال إنها "أماكن يمنع فيها البناء". وحدها قصبة "أكادير أوفلا" تعتبر أقدم مكان يمكن زيارته في أكادير، ولا شيء يغري فيه، بحسب الكثيرين، سوى رؤية المحيط الأطلسي، أو رؤية العمارات وهي تنبت كل يوم في أحياء أكادير. ودون ذلك، فلا شيء مثير للاهتمام في أكادير أوفلا غير الخراب والفوضى، وروائح كريهة تزكم الأنوف لروث الدواب، لا يخففها سوى نسيم البحر القادم من الأطلسي وإمكانية رؤية المدينة من الأعلى. إلا أن زيارة وحيدة إلى معرض "ذاكرة أكادير" بحي تالبرجت تفند كثيرا رأي هؤلاء الذين يسقطون واقع مدينة نهضت من زلزال مدمر على مدن مغربية أخرى لم تعش هذا النوع من النكبات الطبيعية التي أودت بحياة الناس والبنايات. بحي تالبرجت، وفي الجهة الشمالية لحديقة أولهاو، يوجد متحف لذاكرة أكادير، يعرض صورا قديمة لمدينة الانبعاث قبل الزلزال العنيف الذي ضربها. كشخص لا يريد أن يتخلص من الماضي الأليم وينسى كل شيء، يصر هذا المعرض الفريد على أن يلملم حكاية أكادير/"سانتاكروز" عبر العصور، ويرويها بشكل بصري للزوار، وكأنه لا يريد أن يترك جراح هذه المدينة تندمل وتختفي من جلد حاضرة سوس التي خرجت من زلزال مدمر خلف الآلاف من الموتى والمعطوبين. الصور كثيرة، وتتغير كل فترة بحسب التيمة التي يتطرق إليها المغرض، صور عن "سانتاكروز"، صور لقصبة أكادير أفلا سنوات قبل الزلزال المدمر، صور تالبرجت القديمة، صور المكان الذي شيدت فيه مارينا الآن قبل عقود طويلة، صور إحشاش، صور سينما السلام، صور الفنادق التي كانت آنذاك، صور السياح وساكني المدينة البسطاء، صور الدمار والكارثة الطبيعية التي أتت على البنايات الطينية والاسمنتية ولم يصمد أمامها سوى القليل. "الذين يقولون إن أكادير بلا تاريخ، ليس لديهم اطلاع على تاريخ بلادهم، أو لديهم اسقاطات حول مدن زاروها ويريدون أن تكون أكادير مثلها، في حين إن لأكادير طابعها الخاص، ولها تاريخ عريق لا ينكره إلا جاهل"، يقول محمد باجلات، رئيس جمعية ملتقى إزوران أحد مؤسسي هذا المتحف الملاصق لحديقة أولهاو، الذي تم تديشينه منذ سنة 2000 ليحفظ جزءًا من تاريخ مدينة أكادير، وهو يقدم شروحات لهسبريس حول مجموعة من الصور النادرة والقديمة المعروضة في هذا الفضاء. وأضاف بتأثر كبير: "لقد كنت أحد الناجين من زلزال أكادير، وفقدت فيه 16 فردا من عائلتي، وصور الدمار والخراب ما تزال عالقة بذهني؛ لذلك دافعت وما أزال أدافع عن ذاكرة أكادير، عن قصبة أكادير أوفلا، وهذا المتحف جزء مما نقوم به، كان في البداية مقرا مؤقتا، والمؤقت دام طويلا، إلا أنه أثناء ترميم وإعادة بناء قصبة أكادير أوفلا، فمكان هذا المتحف هناك فوق القصبة". يفتح المعرض أبوابه أمام الزوار في التوقيت العادي صباح مساء، ويتكون من رواقين للعرض وبهو للاستقبال، وتشرف على تسييره كل من جماعة أكادير وجمعية ملتقى إزوران نوكادير، بموجب اتفاقية بين الطرفين يلتزم من خلالها المجلس الجماعي بمنح مبلغ 100 ألف درهم سنويا كمنحة لتسيير هذا الفضاء، وتوفير الموارد البشرية اللازمة، ويحتفظ بملكية مختلف التجهيزات الموجودة بالمرفق. وبموجب الاتفاقية ذاتها، تتحمل الجمعية جميع المصاريف المتعلقة بتأثيث وصيانة مرافق الفضاء المذكور، وتلتزم باستعمالها لأغراض التوثيق والتثمين والتعريف بذاكرة أكادير، من خلال تنشيط الفضاء، وتهييئه ليكون معرضا دائما للصور الفوتوغرافية الخاصة بالمدينة في مختلف لحظاتها التاريخية. يستقبل المعرض بعض السياح الأجانب الذين يؤمنون بأن زيارة أكادير لا تعني فقط الاستلقاء على رمل الأطلسي. وعن طريق الصور الفوتوغرافية، يشرح لهم القائمون على المعرض أن لهذه المدينة تاريخا عريقا يمتد لقرون طويلة، وأن قبائلها خاضت حروبا كثيرة دفاعا عن حوزة الوطن ضد الأطماع الغربية المتعددة. كما أن المعرض قد يغير نظرة الكثيرين ممن لا تمثل "أكادير أوفلا" بالنسبة إليهم سوى "مكان مستور" لشرب بعض الجعة، أو زيارة عابرة لالتقاط صور يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو فرصة لتبديد الوقت بزيارة هذه القصبة المهملة؛ فصور المعرض ستقنع الزائر بأن تحت أنقاض هذه القصبة، التي ينتظر أن تتم إعادة بناء سورها بدعم أمريكي، ذكريات جماعية، وأسر دفنت بكاملها، ومآس يحملها أكاديريون أينما ذهبوا ما زالوا يعيشون مخلفاتها النفسية.