سوريا ترفض الإفراج عن جنود وضباط جزائريين وعناصر من بوليساريو.. دليل إدانة ضد الجزائر وبوليساريو لمشاركتهما في تقتيل الشعب السوري    ‬"أونكتاد" تتفحص اقتصاد المغرب    المصالحة تتعثر في أولمبيك آسفي    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    حالة طقس اليوم الأربعاء بالمغرب    شرطة مراكش تفكك شبكة للبغاء    مشاريع مبرمجة في مقاطعات البيضاء تشحن الأجواء بين "البام والأحرار"    كيف تحمي نفسك من الاحتيال عبر الإنترنت في 2024: دليل شامل لحماية بياناتك وأموالك    الشرع يصدم كابرانات .. المقاتلين الجزائريين في صفوف الأسد سيحاكمون في سوريا    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. باريس سان جرمان يضع قدما في ثمن النهائي بفوزه على بريست (3-0)    زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    ريال مدريد يكسر عقدة ملعب مانشستر سيتي    دور الوساطة الملكية في مواجهة الحجز على أموال السلطة الفلسطينية    الرئيس السوري أحمد الشرع يرفض طلب الجزائر بالإفراج عن معتقلين من الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو    البحرية الملكية تنقذ مهاجرين سريين كانوا عالقين في أعالي البحار    لقجع: تنزيل الإصلاح الجبائي مك ن من تسجيل تطور مستمر للمداخيل الجبائية    مزور: نسعى إلى الانتقال من "صنع في المغرب" إلى "أبدع في المغرب"    مجلس المستشارين يختتم دورته الأولى للسنة التشريعية الرابعة ويستعرض حصيلته    إسرائيل تتوعد حماس ب"معارك عنيفة"    خبير جيولوجي: قوة "زلزال وزان" تسجل عشرات المرات دون استشعار    إدارة مشروع Elysium بكورنيش طنجة توضح: ملتزمون بأعلى معايير الجودة وننفي مزاعم استرجاع الشقق لإعادة بيعها    الأمين العام لأكبر نقابة في المغرب يتهم رئيس مجلس النواب بانتهاك حقوق مستخدميه بمعمل النسيج بتطوان    السفير البريطاني بالرباط : المغرب والمملكة المتحدة شريكان مهمان لبعضهما البعض    وزير الداخلية المغربي يطلع على الترتيبات الأمنية لمباراة ريال مدريد وأتلتيكو .. المغرب وإسبانيا يوحدان جهودهما لتأمين مونديال 2030    شدد على أهمية اتخاذ تدابير لخلق فرص الشغل ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة .. صندوق النقد الدولي يدعو المغرب إلى استهداف التضخم ومواصلة توسيع الوعاء الضريبي    المغرب يخسر نقطة في مكافحة الفساد .. وجمعية "ترانسبرانسي" تتأسف    مداولات البورصة تتشح ب"الأحمر"    أمن مراكش يوقف بارون مخدرات فرنسي من أصل تونسي    نواب برلمانيون: توصيات المجلس الأعلى للحسابات أرضية لتقوية الرقابة    وزير الأوقاف يستقبل وزير الحج والعمرة السعودي في سياق تعزيز التعاون بين البلدين    حاسوب خارق يمنح برشلونة الأمل للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا ويصدم ريال مدريد    "قُبلة المونديال" .. روبياليس "متأكد تماما" من موافقة هيرموسو    المجلس الأعلى للحسابات يدعو الموظفين والأعوان لتجديد التصريح بالممتلكات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    منتج فيلم "روتيني" يلجأ إلى القضاء    احتفاء بالموسيقى المغربية الأندلسية    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    نصائح للحفاظ على الصحة العقلية مع التقدم في العمر    الرياضة .. سلاح فعال لمواجهة مشاكل النوم    منظمة الصحة العالمية تطلق برنامجا جديدا للعلاج المجاني لسرطان الأطفال    تتويج الشاعر المغربي عبد الوهاب الرامي بجائزة "بول إيلوار 2024"    الطرق السيارة بالمغرب: تثبيت جسر الراجلين عند النقطة الكيلومترية "PK1" للطريق السيار الدار البيضاء-برشيد ليلة الأربعاء-الخميس    "النهج" يدين المخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين ويدعو لتكثيف النضال لإسقاط التطبيع    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    هيركوليس يعلن عودته لتشجيع فارس البوغاز من المدرجات    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون في مجال الطيران المدني    هبة عبوك تتحدث عن علاقتها بأشرف حكيمي بعد الانفصال    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    مناهضو التمييز يحذرون من وصم الأطفال بسبب "بوحمرون" ويدعون إلى إجراءات شاملة    باحثون صينيون يكشفون عن آلية عمل نظام غذائي يحاكي الصيام لتعزيز المناعة المضادة للورم    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القتل الرمزي للمثقفين في التلفزيون المغربي
نشر في هسبريس يوم 07 - 09 - 2011

يلعب تحكم التلفزيون في أشكال وأوقات وحصص ظهور مختلف فئات المجتمع المغربي دورا كبيرا في العالم الوسائطي الذي يتلاعب ببورصة القيم الرمزية وتوزيع السلطة الرمزية بين المؤسسات و الأفراد. و هذا ما يتطلب من الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري التي تتوفر على موارد بشرية و وسائل لوجستية مهمة قادرة على حساب نسب و أعداد ظهور المثقفين في المغاربة في إعلامنا التلفزيوني و رصد مختلف الصور و التمثيلات التي يقدموا بها، مع مقارنتها مع نسب و صور ظهور فئات أخرى، لا سيما من المحسوبين و المحسوبات على الفن الغنائي مغربيا و عربيا.
إن الفرضية التي اطرحها وتستدعي مسحا إحصائيا دقيقا لجميع البرامج و الفقرات التلفزيونية لمدة زمنية لا تقل عن السنة،هي المساهمة الاستراتيجة للتلفزيون العمومي المغربي في القتل الرمزي للمثقفين المغاربة عبر نسب حضورهم الضعيفة و أشكال تقديمهم للمشاهدين و مساحات البث المخصصة لبسط أفكارهم و أرائهم، و هذا ما يعمل على إعادة إنتاج الصور المغلوطة أو السيئة عنهم، و تساهم في التبخيس من قيمتهم و سلطتهم الرمزية داخل المجتمع، مقابل الإعلاء من سلطة و تقدير فئات أخرى خاصة تلك المشتغلة في مختلف أنواع الفرجات و العروض الجماهيرية من ممثلين و مغنين و فكاهيين..
فلا نكاد نرى و نصادف كاتبا أو مفكرا أو ناقدا أو مترجما أو مؤرخا...إلا في الروبورتاجات اليتيمة بين الفينة و الأخرى عن تقديم كتاب أو ندوة حول موضوع أو تكريم شخصية من الشخصيات أو ذكرى وفاة إحداها، حيث يعبرون في صور عابرة تختزلهم في ثوان معدودة تكاد لا قول شيئا. و الحاصل إنهم يحشرون في البرامج الثقافية القليلة التي تبث في أوقات لا تضمن مشاهدتها من الجمهور العريض. و غالبا ما يعاد في هذه البرامج إنتاج الصور المعروفة و المتوارثة عنهم: المثقف الجدي أو المتعالم أو المنظر أو المتحدث عن أمور خطيرة و صعبة و بعيدة المنال عن " العامة"، لدرجة أن المشاهد "العادي" يخيل إليه انه غير معني بما يقال في الحوار.بعبارة أوضح، نكون أمام المثقف الصنم أو المتحدث من برج عالي، و ما يعطيه من انطباع انه منفصل عن جسد المجتمع و قضاياه و انشغالاته اليومية.
و سواء في الروبورتاجات الإخبارية أو في البرامج الثقافية، غالبا ما يتم ترسيخ الأفكار الجاهزة عن الكتاب و الثقافة و الفكر و الأدب...، حيث تقدم كموضوعات "جدية جدا"، و لا تهم بشكل مباشر ربات البيوت و الشباب العاطل و الموظفين و التجار و العوانس و رجال الشرطة و حراس العمارات و الممرضين و غيرهم.إننا إزاء فصل ذهني داخل المجتمع المغربي يعكسه الفصل التلفزيوني. و الحال أن الوسيط التلفزيوني من واجبه تقديم الثقافة و المثقفين بلغة سمعية بصرية حديثة و وفق شروط التواصل الموسط، بعيدا عن شروط و مقامات إلقاء المحاضرات الجامعية أو الندوات العلمية.
من ثمة، تساهم الصور النمطية و تكرار نفس الأشكال في تصميم/تصور البرامج الثقافية و "التطهير العرقي" للمثقفين من كل البرامج المبثوثة في أوقات الذروة..تساهم في الزج بهم داخل "محمية تلفزيونية" تجعل المشاهد ينظر إليهم كجزء من التاريخ و كأشخاص لا علاقة لهم بما يجري و يدور في المعيش اليومي.و هذه في رأيي أقسى درجات القتل الرمزي للمثقفين ( مادام القتل المادي اقل قسوة و إيلاما).
و إذا ما أردنا النظر إلى أشكال حضور المشتغلين في الحقل الثقافي بالمعنى الواسع ( الذي بتجاوز حدود الكتاب و الأدباء و الفنانين و المفكرين)، يلاحظ أن التلفزيون المغربي انخرط منذ مدة في الاتجاه العالمي الذي يقدم المثقفين/الخبراء، بدل المثقفين الملتزمين أو أصحاب القضايا الفكرية أو الاجتماعية أو المواقف المغردة خارج السرب.لقد أصبحت البرامج الحوارية و المجلات الإخبارية و البرامج الاجتماعية و الاقتصادية و النشرات الإخبارية تستضيف بشكل منتظم أو عابر أساتذة جامعيين أو محاميين أو أخصائيين نفسيين..، الخ.و غالبا ما يجيبون عن أسئلة الصحافيين أو المذيعين أو منشطي البرامج من موقعهم التخصصي داخل الجامعة أو الطب أو القضاء أو التربية أو الإعلام...و بالتالي يقومون بدور الخبراء العارفين بخبايا و أبعاد الموضوعات المطروحة للنقاش أو الإنارة أو الحالات الاجتماعية أو الفردية المقدمة في البرنامج، أو يطرحون الأسئلة على الضيوف سواء كانوا مواطنين عاديين أو رجال سياسة ( اسر و حلول، الخيط الأبيض،بدون حرج، حوار، نقط على الحروف...).
أن تحصل فتاة مراهقة قد لا تمتلك أي موهبة في الغناء أو التمثيل أو مطرب أعراس سطوح المنازل على "مساحة بث" تفوق ما حصل و يحصل عليه كبار المفكرين المغاربة من أمثال الجابري والعروي وحمودي هو قمة التدمير الرأسمالي لتراتبيات المجتمع و معايير إسناد القيمة و الاعتراف داخله. أن تشاهد مطربا لبنانيا أو مغربيا في وقت واحد أحيانا و على القناتين الأولى والثانية في سهرات السبت هو "صدفة – صدمة خير من ألف ميعاد" أو تدبير مخطط له.أن ينظر للكتاب كسوق سنوي روتيني لإعداد و بث يوميات المعرض الدولي للكتاب و النشر هو مساهمة "عفوية" في تحنيط الموضوع و قتله على سبيل الخطأ.
أن يتلقى "الفنانون" تعويضات مجزية عن حضورهم و حتى قبل أن " يضربوا فيها الضربة" من خلال مشاركتهم العابرة و المحسوبة بالدقائق في بلاتوهات السهرات و الحفلات، مقابل اعتبار مرور الكاتب أو المثقف صدقة جارية و خدمة تسدى لهم هو قتل آخر على سبيل الاحتقار و التبخيس من القيمة الرمزية.
أن يتم إعطاء الكلمة بالجملة و بالتقسيط لأنصاف المطربين و الفكاهيين بشكل يتجاوز حجمهم و دورهم داخل الحقل الفني أو داخل المجتمع ككل، مقابل كتم صوت الفلاسفة و الأدباء و المفكرين و الكتاب الصحافيين و الأساتذة الجامعيين وكل من يشتغل من قريب أو بعيد في إنتاج المعنى و يساهم بقدر جهده في بناء الذاكرة الوطنية هو جريمة في حق الثقافة المغربية و تاريخها الحديث و المعاصر.
أن تسجل فترات ذروة المشاهدة باسم شركات إنتاج و توزيع و دبلجة المسلسلات و سهرات السبت العظمى التي يغني فيها المطربون و تعطى لهم الكلمة مرات و مرات ليفتوا في أمر الفن و الغناء و يسوقوا أنفسهم و شبكاتهم على أحسن وجه، هو إعلان رسمي عن سلطان الرأسمال الذي يبسط نفوذه كاملا على الإنتاج و البرمجة.إما أن يجلب البرنامج الإشهار و يحقق نسبا كبيرة من المشاهدة أو مأواه التوقيف أو الإلغاء أو النفي إلى أوقات أو أيام أخرى.
أن تعمم ثقافة الاستهلاك و الفرجة الباذخة بتوابل قتل الذاكرة و المعنى و الجمال هو قتل ضمني لكل القيم الثقافية و التعبيرات الجمالية العابرة للتاريخ و الحاملة لذاكرة الأفراد و الجماعات و للتاريخ المشترك ."الشعب يريد للالعروسة و كوميديا شو و استوديو دوزيم..".أليس كذلك؟.سنعيش و نرى إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.