تعرف المناطق الواقعة بهضبة الفوسفاط، وتحديدا بمدينة خريبكة وما جاورها، خلال الأيام الجارية، انخفاضا كبيرا في درجة الحرارة التي بلغت الصفر في بعض الفترات الليلية؛ وهو ما دفع إلى تنظيم حملة لجمع الأشخاص الذين لا مأوى لهم سوى الشارع العام، واللجوء إلى المستشفى الإقليمي الحسن الثاني لإيوائهم وحمايتهم من الصقيع، نظرا لغياب مراكز اجتماعية خاصة بهذا النوع من الخدمات الإنسانية، سواء كانت موسمية أو دائمة. وعرفت مرحلة الإعداد للحملة نوعا من الجدل بين المعنيين بها، بعد أن رفضت الأطر الإدارية والطبية والتمريضية استقبال المشردين في المستشفى، باعتباره فضاء مخصصا لتقديم العلاجات الطبية، ولا ينبغي الجمع بين المرضى والأشخاص بدون مأوى في غرفة واحدة، خاصة أن فئة من المستفيدين من الحملة يصلون إلى المستشفى في حالة سكر طافح، أو في حالة تخدير وهستيريا وهيجان متقدّم. وبحثا عن حلول توافقية تحفظُ حق المرضى في الاستشفاء في ظروف آمنة وسليمة، من جهة، وتراعي الأوضاع الاجتماعية للأشخاص بدون مأوى، من جهة ثانية، تمّ الاتفاق بين مختلف المعنيين بالموضوع على تخصيص وتهيئة فضاء مستقل عن الأجنحة الطبية داخل المستشفى الإقليمي الحسن الثاني، من أجل إيواء المشردين ورعايتهم طيلة الفترات المطيرة والباردة. رفض قاطع وتوافق تامّ إشراق عمراوي، مساعدة اجتماعية بالمستشفى الإقليمي الحسن الثاني، أوضحت أن "الإداريين والأطباء والممرضين رفضوا، في البداية، رفضا قاطعا تحويل المرفق الصحي إلى مركز لإيواء المشردين، بسبب ما يصدر عنهم من سلوكات عدوانية نحو الموظفين، وتصرّفات أخرى تقلق راحة المرضى الباحثين عن الراحة والاستشفاء"، مضيفة أن "التجارب السابقة بيّنت أن اختلاط المشردين والمرضى أمرٌ غير مقبول بالمرة، ولا يمكن تكراره خلال السنة الجارية". وأوردت المتحدثة ذاتها، في تصريح لهسبريس، أنه "بعد أخذ وردّ جدّيّين بين مختلف الجهات المعنية بالموضوع، تمّ التوافق بشكل تامّ على إعادة تهيئة أحد المخازن المستقلة عن الأجنحة الطبية داخل المستشفى، وتجهيزه بما يحتاجه المستفيدون من الحملة"، مضيفة أن "المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة وفرت الفضاء والتغذية والخدمات الطبية، والمندوبية الإقليمية للتعاون الوطني وفرت الأغطية والأسرة، وفعاليات من المجتمع المدني تكلفت بالألسبة والعمل الميداني لتقديم خدمات التنظيف والرعاية لفائدة المستهدفين من المبادرة". وعن باقي المتدخلين في العملية، أوضحت عمراوي أن "السلطات المحلية تبحث عن المشردين بأحياء المدينة، وعناصر الوقاية المدنية تتكلف بنقلهم إلى المستشفى، والعاملين بقسم المستعجلات يجرون الفحوصات الأولية، قبل إحالة المعنيين بالأمر إما إلى الأقسام الطبية في حالة المرض، أو تحويلهم إلى المركز المؤقت لإيوائهم، وهي اللحظة التي يتدخل فيها عدد من الجمعويين وعناصر الهلال الأحمر لرعايتهم"، مشدّدة على أن "تقارير دورية تُنجز لتتبع العملية وتحسينها يوما بعد يوم"، خاتمة تصريحها بالتأكيد على أن الاتصالات جارية لتوفير بساط كبير يغطّي أرضية الفضاء. خدمات إنسانية وصعوبات يومية مراد فريد، رئيس جمعية هناء للأعمال الخيرية والاجتماعية، وهي واحدة من بين خمس جمعيات مشاركة في الحملة، أوضح أن "دور الفاعلين الجمعويين في الحملة يتمثل أساسا في توفير بعض الألبسة والوسائل الفردية للنظافة، إضافة إلى تنظيف كل نزيل وتقليم أظافره وقص شعره، والسهر على إطعامه وقضاء حوائجه، والسهر على مراقبة النزلاء والدردشة معهم والترفيه عنهم إلى غاية خلودهم للنوم". وأشار المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس، إلى أن "عناصر من الأمن الوطني والقوات المساعدة والسلطة المحلية يسهرون على تأمين الفضاء طيلة الفترات الليلية، ويحرصون على مراقبة النزلاء والحيلولة دون صدور سلوكات عدوانية منهم"، مشيرا إلى أن "بعض الوافدين على الفضاء يحملون معهم أسلحة بيضاء وولاعات ومخدرات؛ وهو ما يدفع الساهرين على رعايتهم إلى التعامل بذكاء معهم، وتجريدهم من تلك الوسائل المؤذية، مع ما يرافق ذلك من صعوبات يومية". ولفت مراد فريد إلى أن "جمعية هناء تشارك في الحملة الإنسانية رفقة أربع جمعيات أخرى، وهي الجمعية المحمدية للأعمال الاجتماعية وجمعية عطاء وجمعية القلوب المبتسمة للتنمية الاجتماعية وجمعية المبادرة النسائية، إضافة إلى الهلال الأحمر المغربي"، مشيرا إلى أن "الحملة تمرّ في أجواء طيبة، تطبعها الجدية والتطوّع ونكران الذات، إذ يعمل كل متدخل ما بوسعه لإنجاح المبادرة، وتقديم خدمات في المستوى لفئة مجتمعية تحتاج للرعاية والاهتمام أكثر". تنسيق وتعاون.. وإكراهات حمان حطبي، المندوب الإقليمي للتعاون الوطني، أوضح أنه "خلافا للسنوات الماضية، حرص المشرفون على الحملة الجارية على وضع برنامج مضبوط ومحكم، يرتكز أساسا على التنسيق بين مختلف المتدخلين، حتى يسهل على كل طرف القيام بواجباته على أكمل وجه، مع الاقتصار على الأغذية المقدمة من طرف المستشفى، تفاديا للأطعمة غير الخاضعة للمراقبة"، مضيفا أن "المرفق يتوفر على أجهزة لتسخينه، ومخزون مهمّ من الأغطية التي يتم استبدالها كل صباح". وشدّد المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن "مثل هذه المبادرات الإنسانية، وإن كانت مؤقتة وموسمية لعدة اعتبارات، فإنها مناسبة لرعاية فئة مجتمعية تتخذ من الشارع العام مأوى لها، وفرصة لاستمرار علاقة التعاون بين مختلف المتدخلين والمتطوعين والمشاركين في الحملة، من أجل توفير فضاء ملائم يحفظ كرامة الأشخاص بدون مأوى، خاصة في الفترات الباردة"، مشيرا إلى أن "عددا من المشردين ينتقلون إلى المرفق بمحض إرادتهم كل مساء". وأوضح حمان حطبي أن "المشرفين على الحملة خصصوا فضاء واسعا للذكور الذين يتراوح عددهم بين 15 و22 شخصا كل يوم، إضافة إلى توفير غرفة مستقلة لإيواء الإناث، بالرغم من قلّتهن"، خاتما تصريحه بالتأكيد على أن "الطابع الموسمي لتلك الحملات مرتبط بغياب مراكز لإيواء المشردين بشكل دائم، نظرا لصعوبة إيجاد وعاء عقاري وسط مدينة خريبكة، من أجل تشييد مرفق من هذا النوع؛ لكن البحث جارٍ لإيجاد الحل المناسب في المرحلة المقبلة".