مع استمرار الحرب في اليمن وانسداد أفق الحلول السياسية لما يقرب من ثلاثة أعوام يشهد هذا البلد العربي الفقير أكبر أزمة إنسانية في العالم يتحمل وطأتها المدنيون. وقد أضحى هذا البلد الذي يقطنه نحو 26 مليون نسمة، ساحة للقتال بين قطبي الصراع الإقليمي في المنطقة، السعودية وإيران. بدأ الصراع عندما اجتاحت مليشيات الحوثيين الشيعية العاصمة صنعاء في نهاية عام 2014 بدعم من قوات موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كانت قد أطاحت به انتفاضة شعبية وأجبرته على تسليم السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي أثناء موجة "الربيع العربي" في عام 2011. وقتل الحوثيون صالح في هجوم على منزله في الرابع من دجنبر بعد معارك مع قواته في الأحياء الجنوبيةلصنعاء إثر إعلانه تخليه عن الحوثيين واستعداده فتح "صفحة جديدة" مع السعودية. وخشية احتشاد أنصاره لتشييعه، قام الحوثيون بدفن جثته في صنعاء بعيدا عن الأنظار، بحضور عدد محدود من أعضاء البرلمان وأنصار الرئيس الراحل، لينهوا بذلك مواجهات قاسية بين أتباع صالح وجماعة الحوثي استمرت أربعة أيام وأسفرت عن مقتل 234 شخصا وإصابة أكثر من 400 آخرين، بحسب الصليب الأحمر. واعتبرت السعودية أن سيطرة الحوثيين الموالين لإيران على الحكم في اليمن يمثل تهديدا مباشرا لوجودها مع تمكن إيران من الحصول على موطئ قدم على الحدود الجنوبية للمملكة، لذلك شكّلت تحالفا عسكريا عربيا وبدأت في مارس/آذار 2015 حملة من الغارات الجوية والدعم البري لقوات حكومة هادي. ونجحت قوات هادي بمساندة التحالف حتى الآن من استعادة محافظاتجنوب البلاد من قبضة الحوثيين، لكنها لم تسترد سوى القليل من الأراضي في المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في شمال وغرب البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء. وباءت عدة محاولات أممية وأجنبية للتوسط في النزاع بالفشل، حيث لم يظهر أي من الطرفين أي علامة على الرغبة في تقديم تنازلات في سبيل إنهاء القتال الذي خلف الآلاف من القتلى وشرد نحو ثلاثة ملايين شخص من مناطقهم. ويتحمل المدنيون وطأة هذه الحرب وسط تدمير البنية التحتية والقيود المفروضة على واردات الغذاء والوقود مما يهدد 17 مليون يمني بمواجهة المجاعة ما لم يتلقوا مساعدة إنسانية كافية، حسب ما حذرت منه منظمات الأممالمتحدة أخيرا. وفتك وباء الكوليرا بأكثر من ألفي شخص، ويواجه سكان البلاد الآن انتشارا لوباء الدفتيريا الذي قتل 20 شخصا خلال الثلاثة أشهر الماضية، كما أعلنت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع. وغالبية هذه الأمراض تنتشر في المناطق الخاضعة للحوثيين الذين يفشلون في إدارة القمامة والصرف الصحي التي تملأ الشوارع. ومما يزيد الأمور سوءا أن ثلثي اليمنيين لا يحصلون على المياه النظيفة. وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود أن وباء الدفتيريا بدأ يفتك باليمنيين مع انعدام النظام الصحي الذي دمرته الحرب. وقالت المنظمة في بيان أنه حتى الرابع من ديسمبر سجلت 318 حالة إصابة بالدفتيريا و28 حالة وفاة بسبب هذا المرض في 15 من محافظات البلاد ال 22. *إفي