اعترف رئيس الولاياتالمتحدة الأمريكية دونالد ترامب، أمس الأربعاء، بالقدس عاصمة لإسرائيل. ولا يخفى على المتخصصين في الموضوع وأصحاب الضمائر الحية أن هذا القرار مخالف للشرعية الدولية، وستكون له تداعيات وخيمة على المستوى الإقليمي والعالمي. وفيما يلي جرد لأهم الاتفاقيات والقرارات الدولية التي تنص على كون القدس واقعة تحت الاحتلال وعلى حرمة تغيير الوضع القانوني لها، وعلى الالتزامات الملقاة على عاتق دولة الاحتلال: أولا: اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949: تنص المادة 49 من هذه الاتفاقية على ما يلي: يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه. ومع ذلك، يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. ولا يجوز أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذر ذلك من الناحية المادية. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في هذا القطاع. لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها". وورد بالمادة 53: "يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير". وتضيف المادة 54: "يحظر على دولة الاحتلال أن تغير وضع الموظفين أو القضاة في الأراضي المحتلة أو أن توقع عليهم عقوبات أو تتخذ ضدهم أي تدابير تعسفية أو تمييزية إذا امتنعوا عن تأدية وظائفهم بدافع من ضمائرهم". وحسب المادة 68: "لا يجوز إصدار حكم بإعدام شخص محمي إلا بعد توجيه نظر المحكمة بصفة خاصة إلى أن المتهم ليس من رعايا دولة الاحتلال، وهو لذلك غير ملزم بأي واجب للولاء نحوها". ثانيا: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر بتاريخ 11/12/1948: يتمثل أبرز ما نص عليه هذا القرار في ما يلي: "8- تقرر أنه نظراً إلى ارتباط منطقة القدس بديانات عالمية ثلاث، فإن هذه المنطقة بما في ذلك بلدية القدس الحالية يضاف إليها القرى والمراكز المجاورة التي يكون أبعدها شرقاً أبو ديس وأبعدها جنوباً بيت لحم وأبعدها غرباً عين كارم -بما فيها المنطقة المبنية في موتسا- وأبعدها شمالاً شعفاط، يجب أن تتمتع بمعاملة خاصة منفصلة عن معاملة مناطق فلسطين الأخرى، ويجب أن توضع تحت مراقبة الأممالمتحدة الفعلية. - تطلب من مجلس الأمن اتخاذ تدابير جديدة بغية تأمين نزع السلاح في مدينة القدس في أقرب وقت ممكن". وقد صوت مع هذا القرار الدول التالية: الأرجنتين، أستراليا، بلجيكا، البرازيل، كندا، الصين، كولومبيا، الدانمارك، جمهورية الدومينيكان، إكوادور، السلفادور، الحبشة، فرنسا، اليونان، هاييتي، هندوراس، إيسلندا، ليبيريا، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، نيكاراغوا، النرويج، بنما، باراغواي، بيرو، الفلبين، سيام، السويد، تركيا، جنوب أفريقيا، المملكة المتحدة، الولاياتالمتحدة الأميركية، أوروغواي، فنزويلا. ثالثا: قرار رقم 2253 صادر عن الجمعية العامة بتاريخ 4/7/1967: "يطلب من إسرائيل إلغاء جميع التدابير التي صار اتخاذها، والامتناع فوراً عن إتيان أي عمل من شأنه تغيير مركز القدس". رابعا: قرار رقم 267 صادر عن مجلس الأمن بتاريخ 3/7/1969: "يشجب بشدة جميع الإجراءات المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس. يؤكد أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والأعمال التي اتخذتها "إسرائيل" من أجل تغيير وضع القدس، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات، هي أعمال باطلة ولا يمكن أن تغير وضع القدس؛ ويدعو بإلحاح "إسرائيل" مرة أخرى، إلى أن تبطل جميع الإجراءات التي تؤدي إلى تغيير وضع مدينة القدس؛ كما يطلب منها أن تمتنع من اتخاذ أي إجراءات مماثلة في المستقبل". خامسا: قرار رقم 298 صادر عن مجلس الأمن بتاريخ 25/9/1971: "يؤكد من جديد قراراته 252 (1968) و267 (1969). يعرب عن استيائه لعدم قيام إسرائيل على احترام القرارات السابقة التي اعتمدتها الأممالمتحدة بشأن التدابير والإجراءات التي تتخذها إسرائيل، وترمي إلى التأثير على وضع مدينة القدس. يؤكد بأوضح العبارات أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات، ونقل السكان والتشريعات التي تهدف إلى ضم القطاع المحتل-لاغية كليا ولا يمكن أن تغير الوضع". سادسا: قرار رقم 471 صادر عن مجلس الأمن بتاريخ 5/6/1980: "يؤكد من جديد الضرورة الملحة لإنهاء الاحتلال المطول للأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس". سابعا: قرار رقم 476 صادر عن مجلس الأمن بتاريخ 30/6/1980: "يؤكد من جديد على الضرورة الملحة لإنهاء الاحتلال المطول للأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس. يؤكد من جديد أن جميع التدابير التشريعية والإدارية والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) والتي ترمي إلى تغيير طابع ووضع مدينة القدس الشريف ليس لها شرعية قانونية، وتشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية جنيف الرابعة. تكرر التأكيد على أن جميع هذه التدابير التي غيرت الطابع الجغرافي والديمغرافي والتاريخي ووضع مدينة القدس المقدسة هي باطلة ولاغية، ويجب إلغاؤها، وفقا للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن". ثامنا: إعلان البندقية الصادر عن المجلس الأوروبي بتاريخ 13/6/1980: "أكد على إنهاء إسرائيل لاحتلالها للأراضي التي احتلتها عام 1967. تشكل المستوطنات الإسرائيلية عقبة جدية لعملية السلام في الشرق الأوسط. لن تقبل أي مبادرة أحادية الجانب تهدف إلى تغيير وضع القدس، وأن أي اتفاق حول وضع المدينة يجب أن يضمن حرية وصول الجميع إلى الأماكن المقدسة". تاسعا: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 58/292 المؤرخ في 6 مايو 2004 المعنون ب"وضع الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية": نص هذا القرار على ما يلي: "إن الجمعية العامة: 1-تؤكد أن وضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، لا يزال وضع الاحتلال العسكري، وتؤكد أن للشعب الفلسطيني، استنادًا إلى قواعد ومبادئ القانون الدولي وقرارت الأممالمتحدة ذات الصلة، بما فيها قرارات مجلس الأمن، الحق في تقرير مصيره والسيادة على أرضه، وأنه ليس لإسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، إلا أن تؤدي الواجبات وتفي بالالتزامات المفروضة عليها، كسلطة قائمة بالاحتلال، بموجب اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة 12 أغسطس 1949 والأنظمة المرفقة باتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907". اعتمد القرار بأغلبية 140 صوتًا مؤيدًا وامتناع 11 عضوًا عن التصويت. وكانت إسرائيل، الولاياتالمتحدة، بالاو، ولايات ميكرونيسيا المتحدة، جزر مارشال، ناورو الدول الوحيدة التي صوتت ضد القرار. عاشرا: قرار رقم 60/41 صادر عن الجمعية العامة بتاريخ 1/12/2005: "يكرر تأكيد ما قررته من أن أي إجراءات تتخذها إسرائيل لفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على مدينة القدس الشريف إجراءات غير قانونية؛ ومن ثم فهي لاغية وباطلة، وليست لها أي شرعية على الإطلاق. تشجب قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس، وتهيب مرة أُخرى بتلك الدول أن تلتزم بأحكام قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، طبقاً لميثاق الأممالمتحدة". إحدى عشر: قرار رقم 2234 صادر عن مجلس الأمن بتاريخ 23/12/2016: ينص على أن "إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية. ومطالبة إسرائيل بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وعدم الاعتراف بأي تغيرات في حدود الرابع من يونيو 1967". هذه هي أبرز القرارات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقدس، وهي جميعها مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني. وفي ختام هذا المقال أقول للذين لا يزالون يعتقدون أن السلام وغصن الزيتون والحمامة البيضاء هي الحلول الوحيدة لرد الحقوق المغتصبة أنه من المبادئ القانونية الشهيرة: "الحق مطلوب لا مجلوب"، و"الحق ينتزع ولا يعطى". وأدعو الجميع إلى التأمل في أبيات الشاعر التونسي العبقري أبي القاسم الشابي في قصيدته "فلسفة الثعبان المقدس": كانَ الربيعُ الحيُّ روحاً، حالماً ** غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً ** للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه ** ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه ** سَوْطُ القضاءِ، ولعنة ُ الأربابِ وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً: ** "ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟" "أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟! ** أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟" "لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا ** رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!" "وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ.. ما لَهُ ** عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!" ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتها * حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ "أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة ٌ ** والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي" فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ ** وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ: "يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني ** أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ الثلاّبِ" "والغِرُّ يعذره الحكيمُ إذا طغى ** جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ" "فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها ** شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي" "إنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى ** ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي" وتقدَّموا لِي بالضحايا منهمُ ** فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ" فأجابه الشحرورُ في غُصَصِ الرَّدى ** والموتُ يخنقه: "إليكَ جوابي": "لا رأي للحقِّ الضعيف، ولا صدّى ** الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ" "فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها ** وارحم جلالَكَ من سماع خطابي" *طالب بالسنة الخامسة من سلك الدكتوراه- تخصص: القانون الجنائي. كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط. [email protected]