يسارع عددٌ من المستثمرين والمنعشين العقاريين، المتخصصين في عمليات شراء البنايات القديمة التي أقامتها الشركات الفرنسية في الربع الأول من القرن العشرين، في الانتهاء من عمليات هدم مجموعة من العمارات والفيلات السكنية التي يعود تاريخ بنائها إلى العقد الثالث من القرن المذكور بعد حصول أولئك المنعشين على قرار هدم صادر عن عمالة أنفا بجهة الدارالبيضاءسطات. وقفت هسبريس على عملية هدم بنايتين تاريخيتين بشارع الراشدي وعلال بن عبد الله، حيث تعرّض مندوبها لمضايقات كلامية وجسدية بينما كانت توثق بالصوت والصورة لعملية هدم أقدم بناية في المدينة بشارع علال بن عبد الله (la société nouvelle d'alimentation)، التي شيدت في سنة 1923، قبل أن يتعرض لتهديد بالرمي بالحجارة أمام مرأى ومسمع رجل أمن مرور كان بعين المكان ولم يحرك ساكنا أمام هذه التهديدات، في وقت كان فيه تجار الأبواب والنوافذ التاريخية يتربصون بواحد من أقدم الأبواب الحديدية المصنوع على الطريقة الإيطالية، والذي يقدر سعره بالملايين. جمعية "تراث الدارالبيضاء"، العاملة في مجال المحافظة على التراث العمراني للدار البيضاء، ومنتخبون وجمعويون نددوا بتسريع وتيرة عمليات هدم مجموعة من البنايات التاريخية في مدينة الدارالبيضاء خلال الأسبوعين الأخيرين، بالرغم من وجودها في لائحة تصنفها ضمن التراث الإنساني لمنظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة. ويأتي احتجاج مهندسي التراث المعماري للعاصمة الاقتصادية في وقت شرع فيه منعش عقاري في هدم أقدم عمارة سكنية في مدينة الدارالبيضاء، والموجودة بقلب شارع علال بن عبد الله بالقرب من مارشي سنترال التاريخي، ابتداء من يوم الجمعة الماضي الذي تصادف مع ذكرى عيد المولد النبوي وإلى غاية يوم الأحد، قبل أن تعمل السلطات المحلية على وقف ورش الهدم مؤقتا بسبب الاحتجاجات القوية التي عبر عنها الناشطون الجمعويون المهتمون بتاريخ مدينة الدارالبيضاء. مسؤول من مقاطعة سيدي بليوط بالنيابة قال، في تصريح لهسبريس، إن صاحب العمارة لم يحصل على ترخيص الهدم وشرع في تكسير واجهة العمارة التاريخية مكتفيا بمحضر اللجنة المختلطة التي تضم ممثلين عن السلطات المحلية والمنتخبين، والخطير في الأمر هو موافقة مندوبية وزارة الثقافة بجهة الدارالبيضاءسطات، بالرغم من وجود طلب مرفوق بلائحة لتسجيل هذه البنايات من ضمنها عمارة (la société nouvelle d'alimentation) التي تحمل رقم 73 بشارع علال بن عبد الله وذات الرسم العقاري T 1521/C ضمن التراث المعماري الوطني. "كازا ميموار" ضد الهدم بدوره، أعرب رشيد الأندلسي، رئيس جمعية ذاكرة الدارالبيضاء (كازا ميموار)، عن استهجانه لعملية الهدم التي تطال البنايات المعمارية التي توثق لتاريخ مدينة الدارالبيضاء، والتي يسعى العديد من المتدخلين إلى إدراجها ضمن التراث الإنساني المعتمد من لدن اليونيسكو. وقال رئيس جمعية ذاكرة الدارالبيضاء، في تصريح لهسبريس، إن "الدارالبيضاء تتعرض لمحو ممنهج لذاكرتها ولتاريخها العمراني من لدن جهات متخصصة في عملية شراء المباني التاريخية وهدمها وإعادة بناء عقارات جديدة مكانها، من دون أن يهتموا بتاريخ أكبر حاضرة في المغرب، ويجب على الجميع وقف نزيف هدم التراث المعماري للدار البيضاء". وفي معرض تعليقه عن شروع أحد المنعشين ورجال الأعمال في هدم عمارة أيام العطلة الرسمية ونهاية الأسبوع الماضي، عبّر رشيد الأندلسي عن استغرابه وقال: "الهدم الذي يطال البنايات التاريخية يكون دائما يومي السبت والأحد، وهنا تصادفت مجموعة من عمليات الهدم مع عيد المولد النبوي الشريف، من ضمنها عمارة الشركة الجديدة للتغذية (la société nouvelle d'alimentation). وأعتقد أن هناك خبايا وراء هذه الخطوة، خاصة أن هذه العمارة التي توجد بزنقة علال بن عبد الله خاضعة لطلب لدى وزارة الثقافة لتصنيفها ضمن التراث الوطني.. وبمجرد الحصول على وثيقة وصل الطلب، يجب توقيف جميع عمليات التغيير والهدم إلى غاية انتهاء لجنة متخصصة من وزارة الثقافة من معالجة الطلب وتقديم الجواب النهائي، وهو ما لم تتوصل به كازا ميموار في هذه الحالة". وأكد الأندلسي أن "قرار الهدم بني على تقرير لجنة البنايات الآيلة للسقوط، والتي تضمنت آراء مجموعة من الجهات؛ من ضمنها مندوبية وزارة الثقافة في الدارالبيضاء، التي سمحت بهدم البناية بالرغم من وجود طلب التصنيف الذي ذكرناه سالفا". من جهته، أكد سراج الدين موسى، رئيس جمعية أولاد المدينة، أن موضوع هدم البنايات التاريخية يتطلب تدخلا عاجلا من لدن وزراتي الداخلية والثقافة للوقوف على حجم الكارثة التي لحقت بالتراث المعماري للبيضاويين والمغاربة، بحيث إننا سنصبح عاجزين في المستقبل على تسجيل العاصمة الاقتصادية للمغرب في لائحة التراث العالمي لليونيسكو، بعد الهجمة الشرسة المتواصلة على البنايات التاريخية التي يتم هدمها بشكل عشوائي وممنهج". وأضاف المتحدث: "كل عمليات الهدم التي تطال البنايات التاريخية تتم بموافقة مندوب وزارة الثقافة بالدارالبيضاء، والذي يوقع شهادة إعدام تراث وأمام سكوت السيد والي ولاية الدار الكبرى، بالرغم من أن مكتبه يتوفر على لائحة بهذه المباني المحصية والمعدة للتسجيل كذاكرة وثرات وطني، وعامل عمالة آنفا الذي توقع المصالح التابعة له على قرارات الإعدام"، لافتا إلى أنه: "أمام هذه الكارثة العظمى المتواصلة، خاصة في ظل وجود مجموعات اقتصادية اشترت أحياء بكاملها وهي محصية في انتظار تسجيلها وحمايتها كذاكرة للتراث المعماري والإنساني العالمي، فإننا نفاجأ في يوم من الأيام أن الدارالبيضاء لا يمكن أن نسجلها كتراث عمراني عالمي في ظل عمليات الإعدام المتواصلة لبناياتها التاريخية"، وفق تعبير سراج الدين.