يمتد القطاع الغابوي بإقليم اشتوكة آيت باها على مساحة إجمالية تقدر ب 120 ألف هكتار، تمثل نسبة 35 بالمائة من مجموع تراب الإقليم، و15 في المائة من المساحة الإجمالية لغابات الأركان على الصعيد الوطني. وتتواجد أهم الغابات الطبيعية في المناطق الجبلية، التي تتركز في الشمال الشرقي ووسط الإقليم، كما يشكل الأركان أهم الأصناف الغابوية المميزة للمنطقة، تمتدّ غاباته على مدى البصر. وتحتل شجرة الأركان مكانة هامة في نمط العيش اليومي لسكان القبائل الأمازيغية بسوس ومناطق مجاورة، فهي شجرة معمّرة اعتمد عليها أهالي القبائل الأمازيغية في كل من سوس وحاحا والشياظمة وسيدي إفني، ليجعلوا منها مراعي لماشيتهم في المناطق الجبلية الوعرة، واستعملوا أغصانها حطبا للطبخ والتدفئة، أو في أعمدة ودعامات منازلهم التقليدية، فضلا عن إنتاج زيت ذات منافع كثيرة، في التغذية أو التجمي. ويُساهم إنتاج الأركان في تنمية الاقتصاد التضامني والاجتماعي المحلي. ومنذ تسعينات القرن الماضي، حظيت شجرة الأركان بتصنيفها موروثا من طرف منظمة اليونسكو. وبموجب هذا التصنيف، تدخّلت مصالح الدولة المغربية المعنية للحفاظ عليها من شبح الاندثار، فجرى إحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان مطلع سنة 2010، بالإضافة إلى تدخل مصالح وزارة الفلاحة في المحافظة على المنظومة البيئية للأركان، وهيكلة سلسلة الإنتاج، والتنظيم المهني للفاعلين في إطار تعاونيات، وانبثاق قطاع خاص عامل في هذا المجال. وكل ذلك راجع إلى تزايد الطلب الدولي على منتوجات الأركان، ودوره الهام في صدّ ظاهرة التصحر. هسبريس انتقلت إلى جماعة آيت واد ريم، إحدى المناطق الجبلية النائية بإقليم اشتوكة آيت باها، واستقت آراء نساء فاعلات في المجال التعاوني المتخصص في إنتاج زيت الأركان. وفي هذا الصدد، أوردت عائشة، منخرطة بتعاونية نسوية بالمنطقة، في تصريح لهسبريس، أن أهم عامل في استقرار النساء في منطقتهن يرجع بالأساس إلى ما توفّره غابات الأركان من فرص عمل تضمن موارد مالية للأسر، على الرغم من الصعوبات التي ترافق مختلف مراحل الإنتاج، بدء بظروف جمع الثمار "أفياش" خلال فترات الصيف، إلى إزالة قشورها، ثم عمليات الكسر لاستخراج النواة "تِزْنِينْ". وكل ذلك يتطلب مجهودا تتحمّل أعباءه النسوة دون غيرهن، وفقا للمتحدّثة. عائشة اعتبرت أن ارتباطا حميميا يجمع النساء في مختلف مناطق الأركان، "غير أن هذا الارتباط بدأ في التلاشي لما تتعرض له غابات الأركان من أخطار داهمة، أبرزها الرعي الجائر، واستباحة هذا الموروث من طرف رعاة رحل لا يُقدرون قيمة الشجرة ولا منافعها البيئية والصحية والاقتصادية وغيرها"/ ووصفت المتحدثة ظاهرة الهجومات المتواصلة للرعاة ب"الخطر الداهم القادر على الفتك نهائيا بأشجار الأركان، اعتبارا للاعتداءات على المحاصيل والممتلكات الخاصة والعامة التي تنضاف إلى تأثر غابات الأركان بالتغيرات المناخية وشبح التدهور، الذي يُساهم فيه العنصر البشري بشكل كبير". وبحسب إحصائيات رسمية، فإن قطعان الماشية التي تحط الرحال خلال هذه الفترة من السنة باشتوكة آيت باها تتجاوز 120 ألف رأس، ويعمد الرعاة الرحل إلى إطلاق ماشيتهم في كل اتجاه، وبعد نفاذ الكلأ بها، تبقى المحميات الغابوية للأركان ملاذهم الوحيد؛ حيث تتجاوز كل السياجات والحواجز التي وضعتها مصالح المديرية الإقليمية للمياه والغابات الرامية إلى الحفاظ على الشجرة من مثل هذه الاجتياحات الموسمية، عبر مشاريع لتخليف الأركان، لاسيما بكل من جماعات سيدي بوسحاب، تسكدلت، واد الصفا، سيدي عبد الله البوشواري، آيت وادر ريم وغيرها. مواجهات واشتباكات بين أهالي مناطق باشتوكة آيت باها والرعاة الرحل تندلع بين الفينة والأخرى كلما جرى التدخّل لثني الرحل عن الاعتداء على أشجار الأركان، تستنفر معه السلطات المحلية والإقليمية مختلف أجهزتها من أجل احتواء الأوضاع. وتنتهي كل النزاعات المسجلة في هذا الخصوص بإحداث لجان محلية من أجل إجبار الرحل على تعويض مادي لفائدة المتضررين، كحلول وسطية، وإن كانت لا تتناسب وحجم الأضرار التي تلحق بهذا الموروث النباتي. الحسين أزوكاغ، النائب البرلماني عن دائرة اشتوكة آيت باها رئيس جماعة بلفاع، التي شهدت بها منطقة تقسبيت وآيت اعمر مواجهات عديدة خلال الشهر الجاري بين الساكنة والرحل، أورد في تصريح لهسبريس أن بعض الرحل من الجنوب والجنوب الشرقي للمغرب يتوافدون على إقليم اشتوكة آيت باها خلال هذه الفترة من السنة، بأعداد تتفاوت من موسم إلى آخر، وهو ما يتسبب في دخول الساكنة في مواجهات معهم، بسبب ما تُلحقه ماشيتهم من أضرار بالغطاء النباتي والممتلكات الخاصة، التي لم تسلم منها حتى المحميات التابعة لمصالح المياه والغابات، ومشاريع زرع مغروسات الأٍركان والصبار. وعن الحلول المقترحة وآليات تفعيل الحزم والصرامة في معالجة الظاهرة، أكد النائب البرلماني على أهمية إسراع الحكومة في إخراج المراسيم التطبيقية للقانون المتعلق بالترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية، من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية بالإقليم وعلى حقوق ومكتسبات الساكنة المحلية، وضبط شروط تنقل ورعي قطعان الماشية، فضلا عن زجر المخالفات المرتبطة بحماية غابات الأركان والمحاصيل الزراعية.