عار علينا أن تموت نساؤنا جوعا وتبقى عندنا الأموال إثر فاجعة الصويرة التي خلفت 15 قتيلة و5 جريحات جراء التدافع للاستفادة من مبادرة توزيع المواد الغذائية بالسوق الأسبوعي سيدي بولعلام نواحي إقليمالصويرة، أجمع الحقوقيون والمحللون المغاربة أن المغرب في حاجة إلى مقاربة جديدة في مجال التنمية. وتأتي هذه الكارثة العار لتبين معاناة المواطنات والمواطنين على خلفية الجفاف الذي يشهده المغرب حاليا وارتفاع أثمان المواد الغذائية الأساسية، في وقت استفحلت فيه البطالة وتشهد فيه الأجور والمداخيل جمودا غير مسبوق. إن ما حدث هو نتيجة استمرار تعميق الفوارق الاجتماعية بسبب النظام الاقتصادي الليبرالي السائد والانخراط الكامل في العولمة الجامحة من موقع الضعف والتقدم التكنولوجي، وسوء الحكامة وتوزيع الثروات بشكل غير عادل. وكما أوضح عالم الاقتصاد البريطاني أنجوس ديتون، الحائز على جائزة نوبل سنة 2015، فإن العولمة والابتكار التكنولوجي تخلق فرص شغل جديدة لملايين الناس، لكنها تُخضع عددا هائلا منهم للبطالة والركود الاقتصادي، والحصيلة تعميق الفجوة بين الفقراء والأغنياء. ومما يزيد من تفاقم الأزمة أن عدم المساواة في الدخل يسبب عدم تكافؤ الفرص. ومع محدودية الفرص التعليمية والاقتصادية لا يمكن أن يحقق الشباب الموهوب من الطبقات المحرومة أي تقدم. وغالبا ما يؤدي تفاقم الفوارق الطبقية بصورة متزايدة إلى تقويض التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي. الفقر أمر مخجل للغاية، ومهين لكرامة ولشعور الإنسان. وإذا كانت مظاهر الفقر وأسبابه تختلف، فإن الإذلال الذي يرافقه عالمي. وقد كشفت الأبحاث التي أجريت مؤخرا في جامعة أكسفورد أن الفقراء - نساء ورجالا وأطفالا - يواجهون إكراها تنقص من اعتزازهم بالنفس ومن احترامهم لذاتهم ومن إنتاجيتهم. كل هذه الأسباب الاقتصادية والاجتماعية أدت إلى تهميش شرائح اجتماعية تعاني من الفقر والهشاشة. ونتيجة لذلك تراجع المغرب في سلم التنمية البشرية. حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة توجد 700 ألف أسرة مغربية على عتبة الفقر ولاسيما في العالم القروي. وقد أحرز المغرب تقدُّماً لافتاً في محاربة الفقر خلال العقد المنصرم ساهمت فيه كل من الجهات الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء. وذكرت المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الفقر سجلت تراجعاً في البلاد، إذ انتقلت من نسبة 3.15% عام 2001 إلى 14.2 % عام 2004، ثم نزلت النسبة إلى مستوى أقل 8.9 %، عام 2007 ثم إلى 4,8 % سنة 2016. ولا يفوتنا أن نشير إلى المجهودات التي تقوم بها الدولة من أجل محاربة الأمية والفقر والهشاشة (عبر برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي أطلق عام 2005 والحملات الوطنية لمحو الأمية وتنمية العالم القروي) إضافة إلى جهود جمعيات المجتمع المدني من أجل القضاء على هذه الآفة الاجتماعية. لكن تجربة المغرب لها محدوديتها الخاصة، نظرا لاتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء على الرغم من الجهود المبذولة للحدّ من الفقر. لهذا السبب، ينبغي وضع سياسات عامّة أكثر ملاءمة لإعادة توزيع الدخل وأفضل استهدافاً للفقراء والشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع المغربي. كما يُعد الجهل أحد الأسباب الأساسية لتفشي الفقر. وتفيد نتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2004 أن نسبة أمية المغاربة الذين تصل أعمارهم إلى 10 سنوات فما فوق قد ناهزت43 في المائة؛ في حين يصل عدد الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة 10 ملايين شخص، ثلثهم من النساء، وهو ما يعادل 65 في المائة من النساء، أغلبهن في البوادي والمناطق النائية. ووفقا لإحصاء عام 2014، سجل معدل الأمية 32٪ بين السكان المغاربة، ما يُعد انخفاضا كبيرا. لكن وحسب المندوبية السامية للتخطيط، بلغ معدل الأمية 41.9 في المائة بالنسبة للإناث عام 2014، في حين بلغ 22.4 في المائة بالنسبة للسكان الذكور. ورغم تبني الحكومة لإستراتيجية وطنية ناجعة لمحو الأمية، إلا أن النتائج تبدو متواضعة في هذا الشأن، إذ لم يتم بلوغ الأهداف المسطرة، والمتمثلة في تقليص النسبة العامة للأمية إلى أقل من 20 في المائة في أفق 2012، والمحو شبه التام للأمية في أفق 2015. أول ضحايا الهدر المدرسي بالمغرب هن الفتيات بنسبة 58.4% وأطفال البادية بنسبة 80%. و40% من الأطفال المغادرين يحترفون الآن مهنا يدوية صعبة ومختلفة. كارثة إقليمالصويرة تسائل كل المسؤولين وقدرتهم على اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية عادلة تهدف إلى حفظ كرامة المواطن(ة) المغربي(ة) وتأمين حقوقه(ا) الأساسية، وتوفير الحماية الاجتماعية للجميع، خصوصا الفئات الأشد فقرا. ينبغي وضع إستراتيجية وطنية مندمجة لإشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتوفير الحماية والوقاية للأطفال وصيانة حقوقهم في التعليم والتكوين والتغطية الصحية، وتوسيع قاعدة المستفيدين من صندوق الدعم الاجتماعي. على الحكومة المغربية وضع سياسات وتدابير مناسبة لإعادة توزيع الدخل، مع التركيز على الفقراء والمعوزين في المجتمع، باعتبار أن القضاء على الفقر المدقع واجب وطني، والعيش الكريم حق من حقوق الإنسان، مع إعطاء الأولوية للفئات الاجتماعية الأكثر فقرا من أطفال ونساء ومسنين. كما نقترح وضع إستراتيجية وطنية مندمجة لإشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتوفير مشاريع مدرة للدخل للأسر الموجودة في وضعية اجتماعية صعبة، والقيام بحملات تحسيسية على الصعيد الوطني، وتوفير الحماية والوقاية للأطفال وصيانة حقوقهم في التعليم والتكوين والتغطية الصحية، وتدعيم نشاط المجتمع المدني لمحاربة الفقر، وتشجيع الأبحاث الميدانية حول هذا الموضوع ونشرها تعميما للفائدة، وإصلاح مدونة الأسرة قصد تحقيق المساواة بين الأنثى والذكر في الإرث، ومحاربة كل أنواع العنف ضد المرأة بتلاؤم مع المواثيق الدولية. ولتجنب مستقبل مظلم، نحتاج إلى سياسة تنموية منصفة توفر الفرص للشباب، مهما كانت وضعيتهم الاجتماعية، لضمان صعودهم السلم الاجتماعي. على الحكومة اتخاذ إجراءات تكميلية مؤيدة للنمو ووضع سياسات ترمي إلى ضمان تقاسم الثروة والمكاسب بقدر أكبر من التكافؤ والاستدامة. إن أفضل طريقة لتعزيز الإنصاف والنمو تكون عبر التأهيل الفعال لرأس المال البشري. ويتطلب ذلك تعزيز شبكات التأمين الاجتماعي وإعادة توزيع الدخل؛ فضلا عن توفير التعليم الجيد للجميع. والخبر السار هو أن العديد من اقتصاديات شرق آسيا تستثمر في التعليم العام كثيرا، من أجل توسيع الفرص المتاحة لجميع الفئات السكانية، مع تعزيز مشاركة الفتيات والنساء في التعليم والنشاط الاقتصادي. على الحكومة أيضا تهييء بيئة تشجع الشركات الابتكارية الناشئة، مع وضع سياسات مؤيدة للنمو تعزز خلق الوظائف بشكل عام وتخفض البطالة، وتلغي الحواجز أمام التجارة والابتكار. وكما قال شاعر الحمراء المغربي محمد بن إبراهيم المراكشي: عار علينا أن تموت ضعافنا**جوعا وتفضل عندنا الأموال *باحث جامعي بفاس؛ وهو مؤلف لعديد من الكتب، بما فيها "المغاربة المسلمون في أوروبا". نُشر في الولاياتالمتحدة عام 2014.