المشهد الخامس: قوارب الفرح كانت أياما وشهورا وعقدا من تسعينيات القرن الماضي.. أحلاما ناصعة لشباب ونساء ورجال وأطفال مغاربة موعدا للعبور إلى جنة موصوفة على شكل ضفة أوروبية تزهر عملا وكرامة ومالا وفيرا... لكن الأحلام تبقى مجرد أحلام... في قافلة الحلم هناك سفن الغرق، وقوارب الغرق وأمواج الغدر، وجثث يقتات المتوسط بحرا لأحزانها.. كبرت الأحزان بقدر ما يكبر الرحيل.. رحيل عن كل شيء.. عن الأرض والهواء ونسمة الصباحات نحو وجهة أخرى... نحو مقصد للفرح بدايته الموت.. وتأتي أموات في جعبته على شكل أسئلة حارقة.. ماذا فعلنا لنموت غرقا، ولم تكن تفصلنا سوى دقائق معدودة عن فرح مؤجل؟ لماذا رمتنا هذه الأرض وخزا واستقبلنا المتوسط أنينا لموت في قاع البحر؟ هل ولدنا لنموت وفي غصتنا يموت الفرح؟ المشهد الرابع: سؤال الفرح ألم نتعلم من الفرح سؤاله.. كيف نفرح أيها الفرح؟ أ في كل فرح تقسو علينا وتخلف خلفنا موتى وقسمات من الحزن.. ذات مرة غنّى مطربٌ شعبيٌّ في "موازين" بالرباط.. وتحوّل السياج والتدافع إلى موت صدم الأنين حرقته وقوافيه.. كيف نتدافع فرحا وجزعا حتى يصير الفرح فرجة للموت... وذات مرة يتحوّل الفرح الكروي وطعم الانتصارات القليلة فينا إلى موائد يحصدها الموت.. مرة بالتدافع، ومرة بالتخريب، وذات مرة بالغطرسة وبنوع من التباهي والكبرياء الأجوف دون أن نسأل هل للفرح حدود ومقاييس؟ ما المعنى أن يتحول فرحنا، فجأة وبدون مقدمات، إلى مقامات حزينة من الموت الأنين؟ أن نكسر ونخرب كل ما نجده أمامنا، وأن نجري حفاة عراة، وأن نخاطر بأرواحنا وأرواح غيرنا وبأطفالنا... ونحن نسوق درجات هوائية وسيارات.. ونصعد الأعمدة والأشجار العالية... بإفراط مبالغ فيه ونحمل رايتنا كنعش أخير؟ ما المعنى أن تتحول فرجة المنتخب الوطني أو الوداد البيضاوي إلى سكتات قلبية مفجعة؟ كم نفرط في فرح مبالغ فيه ونسعى إلى القضاء عليه وهو لم يدم فينا طويلا؟ لا معنى لفرح تتبعه الأحزان والمآسي، ولا معنى لفرحة تنتهي بدموع حارقة.. إن فرحنا يجب أن يكون حضاريا وبطريقة هادئة ومخطط لها، وأن نضع في الحسبان أن ينتهي كل شيء بسلام. المشهد الثالث: فرح المقاعد في مدارسنا، تعلمنا أن الفرح مصاحب للسرور والحب، وتعلمنا قيمة تقدير الأشياء والأشخاص، وتعلمنا أن من علمنا ذات يوم حرفا كان رسولا مبجلا فينا... ذاك طعم الفرح المشتهى من مدرسة توتي أكلها كل حين... لكن كيف يتحوّل فرح المبجل فينا إلى عراك وإلى شتم وسب ومحاصرة ونقول إن فرحنا الشعري يتبدد رويدا رويدا، وأن مقاعد الأمس الجميلة تتحول إلى صور عنف وأن فرحة القسم ونشوته تحولت إلى حلبة للمصارعة غاب فيها الإنسان وحلت محلها مصارعة الثيران... في فرحة الذهاب إلى المدرسة وفي النظر إلى بسمات ونسمات الصباحات في الوجوه وفي النشيد الوطني ونحن نردده فخرا.. على أن معلمي هو أبّ وأمّ ثانية لي... أضعف الأيمان أن أنظر إليه/ ها ببشاشة وفرح طفولي دون قبح ودون تلفظ بالعاهات والوخز ودون تطاول. المشهد الثاني: فرح الشوارع لماذا نخاف من شوارعنا؟ لماذا توقظ شوارعنا فينا الريبة والشك والرعب والفزع الكبير؟ لماذا تحولت شوارعنا إلى وجوه خائفة وعابسة ترتاب في كل شيء؟ لا صباح للصباح، ولا مساء للمساء... فقط خوف يرتسم في القسمات عوض وجوه مبتسمة... نسرع في الخطى.. نحملق خلسة في الوجوه ونصنفها بين وجوه تنتعل السرقة سيوفا ونصالا وسكاكين وغدر وتربص ودرجات نارية وبين سرقات بدرجات من المكر والخسة... وبين وجوه تركت وجهها الأدمي وتصنعت التسول زلفى... كم خاب ظننا في كل شوارعنا ونحن نتحسس جيوبنا وأوراقنا ونسائل لماذا غدت وحشا آدميا لا يميز بين الطفلة الصغيرة وبين المرأة الحامل وأن كل امرأة تتحرك هي امرأة لعوب.. وكل نظرة لها أو ابتسامة تحرش ومدعاة لإيقاظ شهوة تشرف على الانفجار... لماذا تخاف شوارعنا من الفرح الإنساني؟ كلمات طيبة ومن الكلمات الطيبة.. خلقت الابتسامة في المحيا.. كنا أمة نزهو بفخر بشاشتها إلى عهد قريب؟ لماذا تحولت شوارعنا إلى أصناف من البذاءات... من اللغو.. من الضوضاء.. من سب الإله إلى سبّ الأم والأب والوطن وشتم كل شيء... لماذا كبرت الوقحات فينا حتى نسينا وجهنا الإنساني... ويا أسفا لماذا غابت الأفراح في شوارعنا وتأبطنا الخوف عنوانا كبيرا في تحولنا إلى عنف وعنف مضاد وأنواع من السخافات نحفظها ويتعلمها صبيتنا ونتساءل بمكر الماكرين؟ لماذا غابت مباهج شوارعنا ونحن نسرع في الخطى وهمنا هو أن نصل إلى منازلنا سالمين معافين؟ المشهد الأول: الفرح المصطنع كل شيء يبدو فينا مصطنعا... فرحتنا ونحن نصطنع الابتسامات المجانية ونزدري من الآخرين تأففا.. ننافق ما استطعنا إلى ذلك سبيلا... في وجه أساتذتنا.. في وجه من هو أكبر منا.. في وجه المثقفين والشعراء وهم يحلمون بوطن حر ومسالم.. في وجه طفولة مغتصبة أكثر من الاغتصاب نفسه... في وطن تم بيعه نخاسة وبدرهم رمزي... في وجه هويتنا التي ضاعت فرحة رمضان فيها.. أصبح صوما عن الأكل والتباهي بالأكل.. عن جمعة مباركة تحولت إلى شعار فيسبوكي كل مساء خميس وإلى جلابيب بيضاء يوم الجمعة... إلى تديّن أعمى يرى كل ما حوله كفرا وجاهلية... كل شيء يبدو فينا مصطنعا... انتماءاتنا الحزبية... ونحن نحتسب ما الذي يمكن أن نربحه بعيدا عن معتقدتنا وآرائنا ومبادئنا... لم نعد نميز بين البسمات الرائعة فينا وبين القهقهات فينا... بين الفرح الطفولي الجميل... بين موائدنا التي كانت تجمع الألفة والمودة والمحبة وأسئلة التقدير بعيدا عن التباهي والكبرياء... الفرح ليس قناعا نلبسه ولكنه نبض لهويتنا في شوارعنا ولديننا في مساجدنا ومغربيتنا الأصلية التي تنبني على العمل والجهد والتقدير والكفاءة... كفانا تصنعا وأقنعة ونفاقا... واغرسوا الفرح اليومي فينا نجني الفرح السنوي شتاء يكبر سرورنا وبهجتنا تنضج صيفا فينا على أننا أمة مغربية أصيلة نصدر الفرح والتسامح والتعايش إلى كل البقاع. فللمشاهد بقية...