من الصعب جدا على متتبع الشأن الكروي بالمغرب ألا يندهش للأجواء الاحتفالية التي أعقبت فوز الفريق المغربي على نظيره الإيفواري بهدفين لصفر، وتأهله للمشاركة في مونديال 2018 بروسيا. فقد خرجت الجموع المحتشدة في مختلف شوارع المدن المغربية للتعبير عن هذا الفرح الجارف، حاملة الأعلام الوطنية وهاتفة بأسماء اللاعبين ومدرب الفريق الوطني. وتواصلت هذه الاحتفالات الشعبية إلى ساعة متأخرة من ليلة سبت 11 نونبر 2017 التي ستبقى منطبعة في الذاكرة الجمعية لكل الشرائح الاجتماعية ومختلف الأعمار من كلا الجنسين. التأهل إلى المونديال والفرحة الشعبية العارمة سجل التاريخ الكروي الإفريقي والعربي أن المنتخب المغربي كان من بين المنتخبات الأولى في المنطقة العربية- الإفريقية التي شاركت في مونديال كأس العالم لكرة القدم، إذ شارك هذا المنتخب الذي كان شبه مغمور في إقصائيات كأس العالم بمكسيكو لسنة 1970، وهو لا يتوفر على كلمات نشيد وطني يرددها لاعبوه على غرار باقي الفرق والمنتخبات الدولية المشاركة؛ كما سنحت له الفرصة ليشارك للمرة الثانية في مكسيكو 1986 بعد غياب دام 16 سنة، وفي الثالثة بالولايات المتحدة بعد غياب دام 8 سنوات، ثم للمرة الرابعة بفرنسا سنة 1998. ومنذ ذلك الحين، لم يفلح المنتخب الوطني في التأهل إلى مونديال كرة القدم الذي انعقد في مختلف عواصم الدول الأوربية، أو الأمريكو لاتينية، بما فيها الدورة التي أقيمت على أرضية دولة جنوب إفريقيا التي نافست المغرب على تنظيم هذه الكأس العالمية. وهكذا، فطيلة ما يزيد عن 18 سنة، لم ينجح المنتخب المغربي في التأهل إلى هذه الكأس رغم كل الجهود المبذولة من طرف المؤسسات الوطنية المشرفة على القطاع الرياضي، وعلى رأسها الجامعة الوطنية لكرة القدم. ولعل هذا ما ولد لدى عموم الشرائح المغربية، خاصة أوساط الشباب الشغوفة بهذه اللعبة والمهووسة بتتبع أطوارها، سواء على المستوى الدولي أو القاري، شعورا بالإحباط وبخيبة الأمل الذي قارب في بعض الأحيان شعورا مزمنا باليأس، خاصة بعدما تعاقب العديد من المدربين الأجانب والمحليين على قيادة هذا الفريق دون جدوى، ورغم تقاضيهم مرتبات سخية وتمتيعهم بمجموعة من التسهيلات العينية والشخصية من سيارة، وإقامة وغيرها. فطيلة هذه المدة الطويلة، والتي تزامنت مع فترة تولي الملك محمد السادس الحكم، لم تتح للجمهور المغربي بمختلف فئاته وشرائحه أن يتابع أي مشاركة لفريقه على شاشة الفضائيات الدولية في كل الإقصائيات الكروية التي شهدتها هذه الفترة، ما كان له وقع نفسي وسياسي دفع بالمسؤولين إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات لإصلاح المنظومة الرياضية بالمغرب. وكانت الرسالة الملكية التي أكدت على ضرورة إصلاح الأعطاب التي تعاني منها الكرة المغربية؛ والتي كان من أهمها إعادة تشكيل المنتخب الوطني وتطعيمه بفعاليات كروية تم استقطابها من بين لاعبي بعض المنتخبات الأوربية والأجنبية، ليتم بعد ذلك إسناد تدريب هذا الفريق للحارس الدولي السابق بادو الزاكي، قبل أن تسند هذه المهمة الحساسة إلى المدرب الفرنسي رونار، الذي تعاقد مقابل أجر خاص على إعادة تشكيل المنتخب الوطني وتأهيله إلى الكأس القارية الإفريقية، والرفع من أجره في حالة تأهيل هذا الأخير للمونديال المقبل الذي سينظم بروسيا. ولعل هذا الوضع هو الذي جعل الجماهير العريضة تتابع خطوات منتخبها الوطني وخطط مدربه الفرنسي رونار، وكذا رئيس جامعة كرة القدم الجديد فوزي لقجع، بالكثير من التخوف والتوجس من عدم نجاح هذا الفريق في التأهل من جديد، ليتكرر نفس الشعور بالإحباط ويكرس نفس الإحساس بخيبة الأمل، خاصة أن الحسم في التأهل قد بقي رهينا لحسابات رياضية دقيقة وغير مضمونة. وبالتالي شكل فوز المنتخب المغربي على منافسه الإيفواري ليلة السبت بهدفين لصفر، وبشباك بقيت عذراء، بعد فترة انتظار دامت أكثر من 18 سنة، لحظة فرح عارم أنزلت الحشود إلى شوارع مدن المملكة للتعبير بشكل هستيري عن هذه الفرحة الشعبية التي طالما بقيت مكتومة في صدور الجماهير الرياضية وغير الرياضية طيلة هذه المدة الطويلة. فبمجرد إعلان الحكم عن انتهاء هذه المباراة الحاسمة، امتلأت الشوارع بالسيارات، والدراجات، وخرجت الحشود سواء من المقاهي، أو من المنازل رافعة مختلف الشعارات، وصادحة بالهتافات إلى جانب حمل الأعلام، في شبه إجماع شعبي غير مسبوق. التأهل إلى المونديال وتكريس الروح الوطنية يبدو أنه وعلى غرار الانتصار الذي حققه المنتخب المغربي على نظيره البرتغالي في مكسيكو 1986، والذي أجج الروح الوطنية من جديد بعد سنوات من المواجهة بين السلطة والجماهير الشعبية، والتي تمثلت في انتفاضيتي الدارالبيضاء في يونيو 1981 والناظور في 1984، إذ نزلت الحشود إلى الشوارع للتعبير عن فرحتها الوطنية، فإن تأهل المنتخب المغربي على حساب نظيره الإيفواري جعل الكرة تجمع من جديد كل المكونات الشعبية بعد مسيرتي كل من الدارالبيضاء والرباط بشأن خطة النهوض بالمرأة سنة 2000، ومسيرات حراك 20 فبراير، بالإضافة إلى مسيرات حراك الريف بكل تداعياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كما كان للظرفية السياسية المتسمة ببعض مظاهر التوتر مع الجزائر، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الجزائري التي لمزت إلى السمعة الوطنية وحاولت تشويهها، وبعد إطلاق أحد القمرين الاصطناعين لحماية أمن الحدود المغربية، دور كبير في تأجيج هذه الروح الوطنية. وهكذا كان نزول الحشود إلى الشوارع في مختلف أرجاء المملكة، حاملة الأعلام المغربية، وهاتفة بأسماء لاعبي المنتخب الوطني تجديدا للشعور الوطني وتكريسا للحمة الوطنية. وتم تناسي خلال هذه الأجواء الاحتفالية كل الخلافات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها غالبية الشباب المغربي من بطالة وتهميش... كما سمح هذا الانتصار المؤدي إلى التأهل بتعبير كل مكونات الجالية المغربية في مختلف العواصم الأوربية والآسيوية والأمريكية وحتى الأفريقية عن ارتباطها بالهوية المغربية والتأكيد على انتمائها الوطني، ما عكسته مختلف التغطيات الإعلامية المنقولة على شاشات الفضائيات التلفزية، وبعض المواقع الإلكترونية التي لعبت دورا أساسيا ليس فقط في تداول العديد من صور البهجة والفرح لمغاربة وهم يتلفعون بالرايات المغربية، ويلوحون بالأعلام الوطنية تعبيرا عن فرحهم بهذا الانتصار وتشبثهم بانتمائهم الوطني، بل أيضا لعكس بعض مظاهر الكبت الجنسي والجهل الفكري. مظاهر الكبت الجنسي والجهل الفكري تميز تأهل المنتخب الوطني للمونديال بظاهرة فيسبوكية لافتة، تمثلت في تداول وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الإيحاءات المكتوبة أو المرئية بشأن الجنس اللطيف الروسي. فقد شغلت صور الفتيات الروسيات حيزا مهما في الكثير من المواقع الإلكترونية. وتداول العديد من الفيسبوكيين رسائل مليئة بإيحاءات جنسية ضمنية أو مكشوفة، وبصور تعلن "قدوم المغاربة لروسيا للتمتع بمفاتن الروسيات"، أو صور أخرى "تظهر الرئيس بوتين وهو يحذر مواطنيه من قدوم المغاربة لروسيا"، أو "توجيهه لتحذيرات للمغاربة من أي مساس ببنات بلاده"، بالإضافة إلى صور أخرى تؤكد على "كيفية تعلم اللغة الروسية، خاصة تلك المرتبطة بركن التعارف بين الجنسين"..... وتعكس هذه الظاهرة الفايسبوكية الملفتة للانتباه، والتي طفت مع التأهل إلى المونديال، نظرة خاصة للمغاربة إلى هذه المنطقة الأوربية التي عادة ما يختزلونها في الجمال السلافي وما تتمتع به نساء المنطقة، بمن فيهن الروسيات، من مقومات جمالية. ولتحليل هذه الظاهرة، التي تحتاج إلى دراسة سوسيولوجية معمقة، يمكن للمرء أن يرجع بعض تجلياتها إلى الجهل الكبير لغالبية المغاربة بمكونات هذه المنطقة بسبب البعد الجغرافي، وعدم إتقان اللغة الروسية، بالإضافة إلى المراقبة الشديدة التي كان يفرضها النظام، خاصة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، على تنقل المغاربة إلى بلدان هذه المنطقة، التي كانت توصف ببلدان الإلحاد والشيوعية. إذ كانت القلة القليلة من الطلبة المغاربة أو من بعض أطر الحزب الشيوعي المغربي، حزب التقدم والاشتراكية حاليا، هي التي نجحت في زيارة روسيا، خاصة في ظل الحرب الباردة، وما كان يصاحب ذلك من إجراءات مشددة يخضع لها كل زائر لهذا البلد. وبالتالي فقد بقيت حضارة هذا البلد العريق مجهولة لدى أغلبية المغاربة الذين لا يعرفون أدبه الكلاسيكي المتمثل في كتابات تولستوي (خاصة رائعته الحرب والسلام)، ودستويفسكي (خاصة روايته الخالدة الجريمة والعقاب)، وكوركي بروايته الشهيرة الأم...أو فنه الراقي المتمثل في موسيقى تشايسكوفسي أو مسرح سلافنسكي ورقصات الباليه.. إن هذا الجهل المطبق لدى جل المغاربة، خاصة الفايسبوكيون منهم، جعلهم لا يرون في هذا البلد العريق، (بلد الثورة البولشفية، وبلد السبوتنيك وبلد جولستين، والبروسترايكا....) سوى لون شعر نسائه الأشقر، وعيون فتياته الخضر... وبالتالي، فمن المفروض أن يتم استغلال تأهل المنتخب المغربي إلى مونديال 2018 لانفتاح وسائل الإعلام المغربية الرسمية وغير الرسمية لتعريف المغاربة بتنوع حضارة هذا البلد العريق، وإعداد برامج خاصة حول تاريخه السياسي، ومقومات اقتصاده، وكذا الإحاطة بما يتميز به من فن راق، وأسلوبه المتميز في العيش، وبعض أنماط تفكيره وأسلوبه في الحياة. كما ينبغي أن تتحرك سفارتا البلدين في كل من الرباط وموسكو وما تتوفران عليه من مؤسسات ومراكز ثقافية لتنظيم تظاهرات سياحية، وفكرية، ورياضية، وموسيقية للتقريب بين مكونات الشعبين المغربي والروسي، للتعرف على بعضهما، واكتشاف مميزات حضارتهما وعمق تاريخهما.