لم تعد كرة القدم مجرد لعبة للمتعة والترفيه عن النفس، لقد أصبحت مؤسسة اقتصادية واجتماعية تمارس سلطة كبيرة وتستقطب اهتمام الحكومات والشعوب على السواء في مختلف دول العالم. وهي تقوم بدور أساسي في توجيه الذوق العام، بل تؤدي وظيفة فاعلة في بث الروح الوطنية عند الأفراد في كل مكان. وفي بلادنا، ومنذ مونديال المكسيك سنة 1986، تحولت المناسبات القليلة التي سطع فيها نجم الكرة المغربية على الساحتين الإفريقية والعالمية إلى لحظات للفرح الذي أنسى المغاربة همومهم اليومية، فكانوا يخرجون في مختلف المدن وهم يحتفلون - ولو بأنصاف الإنجازات - تعبيرا منهم عن ولائهم لهذا الوطن وتعلقهم وارتباطهم به وحبهم له. لكن يبدو اليوم أن الكرة لم تعد قادرة على صنع لحظات الفرح تلك. فقد أدمنت على صنع الخيبات منذ صحوة 2004، وبلغت أزمة النتائج أوجها مع مجيء المدرب "غيريتس" الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بقصة راتبه السري، وبقدرته الخارقة على الصمود أمام العواصف بالرغم من الإخفاقات المتتالية التي بات يحصدها المنتخب الوطني. وهاهو يتفنن من جديد في إذلال المغاربة بعد الهزيمة في الموزمبيق. ومع ذلك فهم لا يملكون له حيلة لأن المسؤولين عن الكرة الوطنية راضون عن الأداء الملفت لهذا المدرب المبدع. وهم مستعدون للمضي معه قدما في مشروعه الكروي الباهر، ولن يتخلوا عن خدماته بالرغم من كل اللغط الإعلامي والشعبي الذي يحيط به، فقد دق مسماره على طريقة جحا، وجعل الشرط الجزائي بوابته التي يطمئن من خلالها على مستقبله، وبعد ذلك فليمت كل المغاربة كمدا وحسرة وألما. لقد نجح السيد " غيريتس" في أمر واحد، فهو يمتلك قدرات كبيرةعلى إعداد الجماهير المغربية لتقبل الهزيمة، وهكذا بات المغاربة يتعايشون مع هذا الوضع، بل إن فئات عريضة من الجماهير أصبحت تسر بالهزائم المتتالية لعل وعسى يكون في ذلك نهاية لهذا المدرب. المغاربة يتمنون الإخفاق لا شماتة في بلدهم، بل تعبيرا عن رفضهم لواقع الكرة المغربية. ومع ذلك فإن المدرب وإن كان دوره بارزا في النتائج الأخيرة للنخبة الوطنية ليس هو المشكل الحقيقي. فالجسم الرياضي برمته يعاني من الأورام، وإعادة النظر في السياسة المتبعة في تسيير هذا القطاع هو وحده الكفيل بتأهيل الممارسة الرياضية في بلادنا بشكل عام، وتمكينها من رفع اسم المغرب عاليا في المحافل الدولية. والواقع أن أزمة نتائج المنتخب الوطني لكرة القدم هي تعبير عن أزمة تسيير وتدبير تعاني منها قطاعات مختلفة تعيش اختلالات كثيرة تحتاج للتدخل والإصلاح بشكل جذري. لذلك لا يمكن النظر إلى حال الكرة المغربية كاستثناء، فالأزمة في هذا البلد هي القاعدة. وبما أن القائمين على الشأن الكروي قد صادروا أفراح المغاربة منذ وقت طويل، فإن الوقت قد حان ليصنعوا أفراحهم بطريقة خاصة،فبدل التأفف والتعبير عن السخط في المقاهي والمنتديات العامة،هل سنرى المغاربة يجوبون الشوارع فرحا وابتهاجا في حالة الفشل في التأهل إلى نهائيات كأس إفريقيا؟. هو موقف كاريكاتوري مثير للسخرية والإستغراب، لكن ربما قد يكون هذا آخر الحلول المتبقية حقا.