1) عددُ المعتمرين المغاربة الذين توجّهوا إلى الديار المقدسة لأداء مناسك العمرة في رمضان الحالي هو 28 ألف معتمر ومعتمرة، تركوا خلفهم في البلاد مئات الآلاف من الفقراء واليتامى والمساكين والمعوزين، منهم من لا يملك حتى ثمن اقتناء ما يعدّ به وجبة الفطور لأبنائه في هذا الشهر الكريم، ويقفون في الطوابير المخجلة للحصول على صناديق الموادّ الغذائية التي لا تكفي حتى لأسبوع كامل، أمام عدسات كاميرات التلفزيون، ولا شكّ أنهم يشعرون بغصّة في الحلق عندما يعودون إلى بيوتهم ويشاهدون أنفسهم على الشاشة، ومع ذلك يذهب هؤلاء المعتمرون إلى السعودية للعمرة، لكسب الأجر، والأجر العظيم وراء ظهورهم. 2) أشعر بالخزي والعار وأنا أشاهد معاناة وآلام المواطنين المغاربة المستضعفين تتحوّل إلى مادّة رئيسية في نشرات الأخبار، تمرّ أمام أعيننا ولا تخلف في دواخلنا ولو زوبعة صغيرة من الأحاسيس المستنكرة، وكأننا صرنا شعبا بلا أحاسيس. أشعر بالخزي والخجل والعار وأنا أرى مثل هذه المشاهد الحاطّة من الكرامة الإنسانية في بلد تمّ نهب 15 ألف مليار من مؤسساته العمومية في ظرف سنوات، ويخسر ثلاثة آلاف مليار كل سنة بسبب غياب الشفافية في الصفقات العمومية، وما خفي كان أعظم. أشعر بالعار والخجل وأنا أقرأ في الصحف خبر تخصيص أثرياء الخليج لمنحة مالية رمضانية من أجل المعوزين المغاربة، وكأنّ المغاربة مجرد شعب من الشحّاذين. 3) صحيح أن المعتمرين الذين يصرفون الملايين لأداء مناسك العمرة ليسوا هم من يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع الكارثي، لأن الدولة هي المسؤولة أولا وأخيرا، وصحيح أيضا أنهم أحرار في التصرّف في أموالهم، لكن الصحيح أيضا أن الدين الإسلامي دين تكافل وتضامن، وسيكون من الأفضل أن يصرفوا تلك الأموال في عتق إخوانهم وتخليصهم من الذلّ والمهانة، خاصة وأن الأموال التي يصرفونها في عمرة رمضان لوحدها لا يستهان بها. إذا افترضنا أن كل معتمر يدفع مليوني سنتيم فقط، وهو أدنى مبلغ، فحجم الأموال التي ينفقها 28 ألف معتمر، وهو عدد المعتمرين هذه السنة، يتجاوز خمسة ملايير ونصف مليار سنتيم، وهو مبلغ يكفي، لحفظ كرامة المعوزين المغاربة. 4) إنه لمن المؤسف أن نرى خصلة التكافل والتضامن تندثر في مجتمعنا يوما بعد يوم، لتحلّ محلها خصلة "يا راسي راسي"، رغم ادّعائنا بأننا نعيش في مجتمع متكافل ومتضامن. من العار أن نرى أثرياء الغرب يتبرعون بأنصاف ثرواتهم للفقراء والمحتاجين، فيما فئات عريضة من أثريائنا لا يخرجون حتى الزكاة المفروضة. من العار أن يتمّ هضم حقوق العمال داخل المصانع والمعامل والضيعات الفلاحية، ويشتغلون بأجور زهيدة، فيما أصحاب هذه المنشآت الصناعية يتسابقون على العمرة مرارا وتكرارا على مدار العام، وهم لم يؤدّوا حتى حقوق عمالهم العالقة على رقابهم (مثلما كتب السيد سعد الدين العثماني قبل أيام). من العار أن نشاهد مواطنين مغاربة يتلقون المساعدات أمام عدسات كاميرات التلفزيون بأحاسيس جامدة ومتيبّسة. المعتمرون الذين يذهبون إلى العمرة كل رمضان، ومنهم من يذهب أكثر من مرة في العام، يدرك كل واحد منهم أنّ في مدينته معوزين لا يملكون حتى قوت يومهم، ولا يملكون حتى ما يشترون به كسوة يدخلون بها البسمة والفرحة على قلوب أطفالهم صبيحة يوم العيد، ويتامى وأرامل لا حول ولا قوة لهم، هم أولى بتلك الملايير التي تذهب إلى جيوب أصحاب وكالات الأسفار. https://www.facebook.com/mohamed.erraji2