لم يصدق حوالي 200 معتمر في الدارالبيضاء أنهم راحوا ضحية عملية «نصب» بطلتها صاحبة وكالة قيل إنها سبق أن قامت بفتح وكالة في أكادير، فتم إغلاقها وجاءت إلى الدارالبيضاء لتفتح وكالة أخرى، حسب رواية أحد الضحايا الذين وإن تم حل مشكلتهم فلن ينسوا ما حدث لهم بعد قضائهم أسبوعين كاملين ينتظرون أمام مقر الوكالة، خصوصا بعد دخول شهر رمضان، حيث أصبحوا، حسب وصفهم، يعانون الأمرين، يقاسون حرارة شهر غشت أمام باب الوكالة صائمين، ليجدوا أنفسهم عند الإفطار ضيوفا عند بعض المواطنين الذين يقدمون لهم وجبة الإفطار. أما في الليل فمعظمهم يقضونه بأحد الأسواق الموجودة بجوار الوكالة، دون أي حماية أو مراقبة أمنية. جلسن بمحاذاة وكالة الأسفار الموجودة بشارع موسى ابن نصير في الدارالبيضاء، يتبادلن أطراف الحديث وعلامات التعب تظهر على ملامحهن التي تجاوزت سن الأربعين. جئن من مختلف المدن إلى الدارالبيضاء، بحثا عن فرصة لقضاء عمرة رمضان بثمن مناسب. دفعن ما جمعنه من أموال بعد سنوات من الكد والتعب لدفعها لوكالة أسفار قصد السفر إلى الديار المقدسة، لكن الذي لم يكن في علم هؤلاء النساء أن صاحبة الوكالة ستتخلى عنهن في آخر المطاف، تاركة وراءها حوالي 200 معتمر، رجالا ونساء، أصبحوا عرضة لأزمات نفسية ومادية بسبب تعثر عملية تسفيرهم إلى الديار السعودية. جلس المتضررون في قارعة الطريق يندبون حظهم العاثر، الذي وضعهم في هذا الموقف، فكل واحد منهم دفع مبلغا ماليا ليس من اليسير جمعه، ومع كل ذلك مازال المتضررون يتمسكون بأمل قضاء مناسك العمرة، ولو في الأيام الأخيرة من شهر رمضان. مبالغ تتراوح بين مليون و4 ملايين دفعها هؤلاء إلى صاحبة الوكالة بعد أن تعرفوا عليها عن طريق مجموعة من السماسرة الذين شهدوا لها بالمصداقية وبالسمعة الطيبة، ليتبين أنهم كانوا ضحية عملية نصب واضحة بعد أن أغلقت الوكالة أبوابها وتماطلت صاحبتها في الاستجابة للوعد الذي قطعته، خصوصا بعد وضعها رهن الاعتقال بسجن عكاشة لأسباب يقول المتضررون إنهم يجهلونها. «جئت من خريبكة أنا وزوجي على أساس أننا سنذهب إلى بيت الله الحرام لقضاء عمرة رمضان، وكان تاريخ سفرنا مؤرخا في 19 من شهر شعبان، ولكن مرت الأيام ومازلنا عالقين: لم نعد أدراجنا إلى مدينة خريبكة ولم نسافر إلى الديار المقدسة ولا نعرف ماذا ينتظرنا»، تقول إحدى السيدات المتضررات. غالبية النساء يتحدثن بصوت مرتفع في أغلب الأوقات، وهن متذمرات من عدم المبالاة بهن من طرف السلطات المعنية، وخاصة وزارة السياحة التي اعتبروها لا تقوم بدورها في مراقبة مثل هذه الوكالات. تقول سيدة أخرى «أنا جئت عن طريق أحد السماسرة ودفعت له مبلغا ماليا قدره مليونين. في البداية قالوا لي ستذهبين في 19 من شعبان وبعد ذلك أخبروني بأن موعد السفر في 28 منه ثم في 29 والآن دخل رمضان ولم أذهب. أين هي الدولة والحكومة ولا احنا حيت دراوش؟». ضحايا وكالات الأسفار لم يصدق حوالي 200 معتمر في الدارالبيضاء أنهم راحوا ضحية عملية «نصب» بطلتها صاحبة وكالة قيل إنها سبق أن قامت بفتح وكالة في أكادير، تم إغلاقها فجاءت إلى الدارالبيضاء لتفتح وكالة أخرى، حسب رواية أحد الضحايا الذين حتى لو تم حل مشكلتهم فلن ينسوا ما حدث لهم حيث أصبحوا، حسب وصفهم، يعانون الأمرين، يقاسون حرارة شهر غشت أمام باب الوكالة صائمين، ليجدوا أنفسهم عند الإفطار ضيوفا عند بعض المواطنين الذين يقدمون لهم وجبة الإفطار. أما في الليل فمعظمهم يقضونه بأحد الأسواق الموجودة بجوار الوكالة، دون أي حماية أو مراقبة أمنية. هذه المعاناة التي يتحدث عنها من كانوا سيصيرون ضيوفا عند الرحمان في هذا الشهر الكريم، تسببت لهم في أزمات نفسية ومادية ومعنوية، لم يتقبلوها ولا يعرفون أي جهة سيذهبون إليها. رجال ونساء قدموا إلى الدارالبيضاء فتوقف بهم المسير أمام باب إحدى الوكالات الموجودة بأكبر شوارعها. وفي الوقت الذي يتجرع هؤلاء مرارة الانتظار بعد أن قدمت لهم مسؤولة الحج والعمرة بالوكالة نفسها وعودا بحل مشكلتهم، سافر 400 شخص من الوكالة لقضاء مناسك العمرة، فيما علق الآخرون، تقول فاطمة: «أمي سافرت وأنا علقت هنا، ولم أكن أتوقع أن كل هذه المشاكل ستحدث لي. ولست وحدي من علق، بل هناك مواطنون قدموا من مراكش والمحمدية والرباط، وكلنا نتقاسم نفس الهم، وهو هم قضاء عمرتنا في رمضان لهذا العام». ويقول المتضررون إن منهم من لم يحصل على تأشيرة الطائرة بالرغم من توفره على جواز السفر، وأن منهم من ظل جواز سفره رهينة لدى إحدى الوكالات، التي يضيفون بأنها تتعامل معها صاحبة الوكالة المذكورة من خلال طبع تأشيرات وجوازات سفر المعتمرين، وهي العملية التي تطرح لدى الكثير منهم علامات استفهام عريضة حول شرعية مثل هذه التعاملات. «ليس بالأمر السهل أن تدفع الملايين ولا تحقق مبتغاك في العمرة. اجمعنا هاد الفلوس درهم درهم عن طريق القرعة، وفي الأخير يمشيو لينا بهاد الطريقة. هذا ماشي معقول»، هكذا تحدثت إحدى النساء غير متقبلة الوضع، وأضافت «جاء رجال الأمن وألقوا القبض على صاحبة الوكالة أمام أعيننا، وهي الآن بسجن عكاشة ولكن لا نعرف طبيعة التهمة المنسوبة إليها: هل هي مسجونة بسبب اختلاسها أموالنا أم أن هناك قضية أخرى لا نعلمها؟». في الهم سواء «الوكالة ليس لديها ترخيص»، هكذا تحدثت إحدى النساء لتنتفض أخرى «لا بالعكس يقولون لديها ترخيص وإلا كيف ستمارس نشاطها بدون ترخيص في واضحة النهار وأمام مرأى ومسمع من الجميع». لهذا تضيف «نطالب بتشديد المراقبة على وكالات الأسفار. هذه فوضى». المتضررون وضعوا شكاية لدى وكيل العام بمحكمة عين السبع وتنازلوا عنها بعدما قدمت لهم مسؤولة الحج والعمرة بالوكالة وعودا بحل مشاكلهم ومنحهم أوراق الطائرة في أقرب وقت. حال إحدى السيدات لا يختلف عن باقي النساء، فهي آتية من مراكش بعدما تركت وراءها عائلتها التي تعيش الويلات بسبب ما حدث، تقول هذه السيدة، مضيفة بأن 54 شخصا بمراكش راحوا ضحية نصب «سمسارة» أكدت لهم بأنها تشتغل بأحد المساجد بالمدينة القديمة، وهي من عرفتهم على وكالة الأسفار هذه لتفر هاربة تاركة وراءها أشخاصا لا يعرفون أين يذهبون. وقد كشف حديث المتضررين عن معاناة مالية ونفسية عميقة في غياب تام للمسؤولين، فمنهم من حرم نفسه من العطل ومن الحاجيات الضرورية، منتظرا اليوم الذي سيزور فيه الديار المقدسة ويصوم فيه شهر رمضان بالحرم الشريف، ولكن بسبب تلاعب المسؤولين عن الوكالة ضاع كل شيء وتحولت أيام رمضان إلى يأس وحرمان، فالمشكلة التي تسببت فيها الوكالة عمقت معاناة المتضررين وأزمت وضعيتهم الصحية. سيدة أخرى تبلغ من العمر 60 سنة كانت تبكي بحرقة وهي تقول: «انتظرت موعد إقلاع الطائرة بشغف كبير، وودعت الأحباب والأقارب، وهيأت حقيبة السفر وجئت لأتسلم جواز سفري، لكني اكتشفت أن المسؤولة عن الحج والعمرة بالوكالة اختفت عن الأنظار وحرمتني من زيارة قبر الرسول الكريم». معاناة الناس لا تتجسد في انتظار السفر لقضاء العمرة، بل تتجسد في المعاناة المادية والنفسية التي جعلتهم يظلون رهينة أمام باب الوكالة دون أي حل، وهناك من يعتبر بأن فرصة العمرة ضاعت عليه، وهو يطالب فقط باسترجاع أمواله التي دفعها. فوضى وكالات الأسفار تعرف وكالات الأسفار في هذه الآونة إقبالا ملحوظا للراغبين في قضاء مناسك العمرة خلال شهر رمضان. وهذا المنتوج حسب المهنيين أصبح يستهوي عددا من الوكالات، فمنها ما نجح في تحقيق نتائج إيجابية، خصوصا تلك الوكالات التي استطاعت أن تخلق لها زبناء أوفياء يتعاملون معها في كل سنة، ومنها ما ولج هذا المجال لهدف واحد، هو النصب والاحتيال على بعض المواطنين أصحاب الدخل المحدود الذين يطمحون إلى زيارة المقامات الشريفة بأثمان منخفضة. وخلافا للحج، فالدولة لا تتدخل في تنظيم العمرة، إذ تتكفل الوكالات بإجراءات التأشيرة والإقامة في الديار المقدسة، علما أن تنظيم الإقامة يتعين أن يتم بتنسيق مع منظمي أسفار سعوديين يتجسد دورهم في ضمان الغرف المحجوزة والسهر على عودة المعتمرين بعد انقضاء العمرة. لكن ما السبب الذي يقف وراء انتشار «الفوضى» في هذا القطاع، خاصة ما يتعلق بالعمرة؟. حسب صاحب إحدى وكالات الأسفار في الدارالبيضاء، فإن الترخيص لهذه الوكالات تمنحه وزارة السياحة، ويوقعه شخصيا وزير السياحة والقانون المنظم له، والذي صدر سنة 1997 ومازال ساري المفعول إلى يومنا هذا. وهناك مجموعة من الشروط القانونية، يقول صاحب الوكالة، يجب احترامها في فتح هذا النوع من الوكالات، لكن للأسف، يضيف المصدر ذاته، لا يتم الالتزام بهذا القانون من طرف بعض الوكالات، بتواطؤ مع بعض السماسرة، الذين على حد قوله، تعتمد عليهم بعض وكالات الأسفار، التي في الغالب لا تتوفر، حسب تعبيره، على زبائن إما لكونها مازالت مبتدئة وإما لعدم توفرها على برنامج يغري المقبلين على العمرة. فالسماسرة، حسب صاحب وكالة الأسفار، يوهمون الناس بمبالغ منخفضة قصد الإيقاع بهم في شباك تلك الوكالات التي لا تحترم المعايير، وفي الغالب يقعون ضحيتها بعد إغلاقها إما بسبب سفر أو القبض على صاحبها. وهؤلاء السماسرة، يضيف نفس المصدر، أصبحوا وسطاء بين وكالات الأسفار والمواطنين، وفي ظل غياب عقود قانونية تؤطر الموضوع بين وكيل الأسفار والزبون، فإن عدد الضحايا لا محالة سيرتفع في ظل قلة المراقبة التي تعرفها العمرة بالمقارنة مع الحج. ففي الحج، يضيف صاحب الوكالة، وضعت وزارة السياحة عقودا ودفتر تحملات، حيث تخضع الوكالات لمراقبة لجنة إدارية تتكون من وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف، ولهذا تكون التجاوزات جد محسوبة، أما في العمرة ف«ليس هناك قانون على المستوى الداخلي، إذ هناك فقط عقود تربط الوكيل السعودي بالمعتمر»، يقول صاحب الوكالة. وفي الغالب، يؤكد المصدر ذاته، يقوم وكيل الأسفار بجمع الأموال، وبعد ذلك يقوم بالبحث عن البرنامج، ولكن عندما يريد أن يقدم الخدمة يجد الثمن مرتفعا، فيضطر إلى الانسحاب تاركا وراءه عددا من الضحايا، وهذا سببه بعض السماسرة الذين يقفون كذلك وراء عمليات النصب والاحتيال ويؤثرون بشكل غير مباشر على عمل الوكالات التي تحترم القانون وتدفع الضرائب للدولة. وأكد نفس المصدر كذلك على أن هناك تساهلا في عمليات المراقبة، «فبعض الوكالات تفتح أبوابها ولا تخضع للمراقبة من ناحية احترامها للشروط القانونية من حيث عدد المشتغلين بها الذين يجب أن يكونوا على الأقل خمسة موظفين، في الوقت الذي تجد أن هذه الوكالات تشغل فقط شخصا أو شخصين.
نساء وعجزة ضمن الضحايا نفس الحكاية تتكرر مع بداية كل شهر رمضان وفي كل سنة، فقط يختلف المكان والزمان، لكن الغريب أنه في هذه السنة هناك حادثان وقعا في نفس التوقيت، وكلاهما يتعلقان بنصب وكالتين للأسفار على مواطنين مغاربة كانوا يأملون في أن يقضوا رمضان في الديار المقدسة، الأولى في الدارالبيضاء، والثانية في مدينة الرباط، إذ يواصل حوالي خمسين معتمرا كانوا يعتزمون التوجه إلى الديار المقدسة اعتصامهم داخل وكالة أسفار من أجل مطالبة صاحبها بتنفيذ التزاماته تجاههم، حيث اضطر 21 شخصا من المعتمرين وأغلبهم من النساء والعجزة الذين كان مقررا أن يسافروا في 29 من شهر الماضي إلى العودة من مطار محمد الخامس إلى الرباط من أجل الاعتصام بمقر الوكالة، ليلتحق بهم حوالي 35 من المعتمرين، الذين كان من المقرر أن يسافروا في الثالث من هذا الشهر، غير أن لا شيء من ذلك تحقق، ففي كل سنة يطرح ملف تخلف بعض وكالات الأسفار عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المعتمرين، مما يجعلهم يقعون ضحية تلاعب هذه الوكالات التي لا تقيم وزنا لأموال الناس، وقد طلب المركز المغربي لحقوق الإنسان فتح تحقيق في القضية بعد أن التجأ إليه هؤلاء المعتمرون الذين تنكر لهم صاحب وكالة الأسفار بعد أن استلم ثمن رحلتهم لأداء العمرة والمتمثلة في دفعهم مبلغ 17 ألفا و500 درهم. وقد سبق أن عرفت مدينة مراكش حدثا مشابها في العام الماضي عندما اعتصم العشرات من المواطنين أمام باب وكالة أسفار بالحي العسكري بمراكش، بعدما تأكدوا أنهم سقطوا ضحايا نصب واحتيال، حاملين بين أيديهم وصولات الدفع المؤشرة من الوكالة، وكذلك العقدة التي تشير إلى بداية الرحلة ونهايتها. الضحايا ال340 أدوا ما بين 16500 و20000 درهم للفرد الواحد مقابل السفر لقضاء عمرة شهر رمضان، لكن فرحة زيارة المقامات الشريفة لم تكتمل لتتحول إلى نكد يومي بعدما اختفت المسؤولة عن الوكالة فجأة وأغلقت الأبواب، ونزعت اللافتة الإشهارية من فوق عمارة النرجس. هذه الحكايات مع تكرارها جعلت كثيرا من الناس يتخوفون من هذا النوع من وكالات الأسفار، وهو ما فسره البعض بتراجع منتوج العمرة في السنة الجارية، بالإضافة إلى دخول شركات جديدة أجنبية على الخط، خصوصا الشركات الإمارتية والقطرية التي وجدت في المغرب فرصة كبيرة لإنعاش السياحة الدينية.