في شهر نوفمبر من كلّ عام تعرف مدن وحواضر وقرى المكسيك يوماً هادئاً ساكنا لا ضوضاء فيه ولا ازدحام يملأ الشوارع والأزقة والطرقات. لا ترى في مختلف هذه المناطق والجهات سوى القليل من المارّة، يجوبون الأزقّة، مسرعين، مهرولين، متوجّسين، مشدوهين، بعض قشور البيض الملوّن كانت تملأ واجهات الدور. هذه المناظر بالنسبة إلى الأجانب تبدو أمراً غريباً أو على الأقلّ غير مألوف ولا معروف عندهم. إنها احتفاليات «يوم الموتى» في هذا البلد الأزتيكي مترامي الأطراف، حيث يؤمّ السكان عن بكرة أبيهم المقابرَ، والأضرحةَ، والكنائسَ، وكانت أصوات الغناء والصيّاح تملأ الأجواءَ وتتعالى هنا وهناك، ورائحة البخور الغريبة تزكم الأنوف في كلّ مكان، والناس في حيرةٍ من أمرهم، ما فتئوا يهرولون وهم يحملون باقات الورود مختلفة الألوان والأشكال، ولم تكن ترى في الأسواق سوى القرع (اليقطين) الملوّن معروضاً في مختلف الأماكن ومجمّعات التسوّق الكبرى والصغرى على حدٍّ سواء، وقد احتلّ مكانَ الصدارة بين جميع المعروضات في كلّ مكان، والذي غالباً ما يظهر بشكلٍ لافتٍ للنظر في احتفاليات «الهالوين» أو ليلة السّاحرات، أو عيد «جميع القدّيسين» في مختلف مدن وعواصم العالم الغربي هذه الأيّام. الأموات يعودون إلى دورهم الاحتفال ب «يوم الموتى» من أكبر التظاهرات التي يقيمها الأحياء للأموات، إذ يعتقد سكّان المكسيك وبعض سكان بلدان أمريكا اللاّتينية الأخرى أنّ موتاهم في هذا اليوم يعودون إلى دورهم، فيعدّ لهم أهاليهم أطيبَ المأكولات، وبالذات تلك الأطباق التي كانوا يحبّونها عندما كانوا على قيد الحياة، فضلاً عن إعداد أصناف كثيرة من الفواكه والعسل والسكّر والملح وبعض الحلويات التي يطلقون عليها «خبز الموتى»، وهم يعتقدون أنّ موتاهم يخرجون إليهم في ذلك اليوم، فيقضون الليلَ كلّه، أو بعضَه معهم في المقابر، حيث يسهرون فيها في تلك الليلة حتى ينبلج الصّباح. تستمدّ هذه الاحتفاليّات الغرائبية أصولَها وجذورَها البعيدة من العادات الضّاربة في القدم للسكّان الأصلييّن للقارّة الأمريكية في شقّيْها الشمالي والجنوبي، على حدٍّ سواء. وهذه التظاهرات لا تقام إلاّ عند الاحتفال بطقوس يوم الموتى أو يوم الموت، وقد أصبحت هذه العادة عندهم مزيجاً من العادات الشعبية المتوارثة منذ العهود السحيقة، وقد أضيفت إليها المعتقدات التي استجدّت بعد اكتشاف أمريكا عام 1492. وأصبحت هذه العادات منتشرة بين الناس على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية. ولهذه الاحتفالات رموز، وأبعاد عميقة الغور، وهي تجسيم لمفهوم فلسفة الإنسان في هذه الأصقاع النائية من العالم، ونظرته إلى الموت باعتباره حدثاً طبيعياً لا يمكن الفرار منه أو تفاديه، وهو يشلّ حركة الكائن شللاً تاماً، ويعود به من حيث أتى أوّلَ مرّة إلى عالم الأحياء. الأرض محطّة مرور وعبور يُعتبر الموت في الحضارات الهندية القديمة نوعاً من التصرّف العلوي، حدوثه لا يثير أيّ حزن أو حسرة أو حداد. وكان الناس يتقبّلونه كحدث طبيعي. ويرجع الاحتفال بالموت أو الموتى في الحضارات المكسيكية إلى ما يزيد عن ألفي سنة قبل السيد المسيح، أيّ أنه يعود إلى أربعة آلاف سنة خلت. ومثلما هو الشأن عند الفراعنة وبعض الحضارات القديمة الأخرى، فقد عثر على بقايا هياكل آدمية وبجانبها حاجياتها الخاصة، وعلى مجسّمات مصغّرة وأقنعة وأوان وجواهر ومعادن وحليّ نفيسة من ذهب وفضّة.. إلخ، وكانت كلّ ميتة عندهم لها تفسير خاص، فالمحاربون عندما يموتون عندهم يصبحون «رفقاء الشمس»، وكذلك النساء اللاّئي تدركهنّ المنيّة عند الولادة. ويذهب الأطفال إلى مكانٍ أشجاره وثماره تدرّ لبناً، أمّا هؤلاء الذين يموتون على إثر مرض عُضال، أو الذين ماتوا على إثر نزول صاعقة، أو هبوب عاصفة، أو الذين ماتوا غرقاً فلهم مصير آخر بعد الموت أقلّ درجة من السّابق. ولقد عرفت مختلف الحضارات البشرية القديمة هذا النّوع من الطقوس، التي تحتفل بالموت كظاهرة طبيعية محيّرة، وقد خلّفت لنا تلك الحضارات معالمَ، ومآثرَ، ومقابرَ أشهرها أهرامات مصر، والحضارات السّابقة للوجود الكولومبي في أمريكا، ومجسّمات كلها ترمز إلى الموت أو الموتى. كان من عادة الأزتيك أنه عندما يموت أحدُهم يجعلونه يجلس القرفصاء ويوثقونه جيّداً، ثم يضعون الجسمَ في نسيجٍ من قطن حديث الصّنع، ويضعون في فمه قطعة ترمز إلى قلبه، وعليه أن يتخلّى عنها وهو في طريقه إلى «متكتلات»، وهو مكان الموتى، ثمّ يخيطون الكتّان، والجثّة بداخله. وفي ساحة بعيدة عن المدينة يعدّون منصّة عالية يضعون عليها الميت محاطاً بحاجياته الخاصّة، التي استعملها في حياته مثل درعه وسيفه، وتعدّ الأسرة بعضَ المأكولات التي غالباً ما تكون من عجّة الذرة واللوبياء وبعض المشروبات. ويقوم كبيرُ القوم ليتأكّد من أنه لا شيء ينقصه، ثمّ تُضرم النيران فيه على طريقة الهندوس، وعندما يعلو اللهب في الفضاء يجلس أفراد عائلة الميت وهم يتأمّلون نهاية عزيزهم وينشدون أغاني هي مزيج من الحزن والفرح في آن، ثمّ يوضع الرّماد داخل وعاء إلى جانب اليشم، وكان الأزتيك يعتقدون أنّ الموت ليس سوى شكل جديد للحياة، كما كانوا يعتقدون في العالم الآخر، وكل ميت يأخذ طريقه نحو هذا العالم، ويصنّف حسب الأعمال التي قام بها في حياته، وعندما يصل الميت إلى السماء السابعة كدليل على حسن تصرّفه، عليه أن يترك هناك قطعة اليشم التي وضعها الأحياء في فمه. وكان السكان الأصليّون في أمريكا السابقة للوجود الكولومبي يؤمنون بالبعث أيضاً، وهم يفسّرون ذلك باختفاء النجوم وراء الأفق، ثم تعود للظهور من جديد، كما يشبه عالم الأموات عندهم كذلك بالذرة التي بعد أن ترمى في أحشاء الثرى وتموت تعود إلى الحياة من جديد في شكل نبات قائم جميل مثمر. كانوا يعتقدون أنّ الوجود الحقيقي هو للرّوح وليس للجسد الذي يلحق به الفناء. وكانت الجمجمة عندهم لا ترمز إلى الموت فحسب، بل ترمز إلى الحياة كذلك، إذ أنها تعني الأمل في البعث من جديد، يقول شاعر أزتيكي في هذا الخصوص: إنّنا نأتي فقط لننام** إنّنا نأتي فقط لنحلم فليس صحيحاً أنّنا** نأتي للأرض لنعيش. فقد كانت الأرض عندهم بمثابة محطّة للمرور أو جسر للعبور والانتقال إلى عالم آخر، وهكذا كان مفهوم الزّمن أو الفضاء أو الحيّز أو العالم المرئي، والعالم غير المرئي ليس سوى عالم واحد، وهنا تكمن ثنائية الاعتقاد في الموت والحياة، وأنّ الموت هو دليل الخلود وليس العكس. للموت آلاف الأسماء يساوي الموتُ بين جميع الأحياء، ولا يمكن لمخلوق أن يفلت منه، وقديماً قال زهير بن أبي سلمى: ومن هاب أسبابَ المنايا ينلنه** وإن يرقَ أسبابَ السّماء بسلّم وهو واقع يومي، يحاول الناس نسيانه، إلاّ أنه يدركهم في آخر المطاف مهما طال مقامهم في هذه الديار. ويقاسم الشاعر الأزتيكي الكبير نيزاوالكويوتل شاعرَنا العربي القديم هذه الحقيقة، فيقول هو الآخر: هكذا نحن أحياء- أموات** لا بدّ لنا يوماً أن نرحل عن هذا العالم الأرضي** مهما طال بنا به المقام. وللموت آلاف الأسماء في مختلف لغات الأرض، فالأموات الذين كانوا يوماً أحياء يرزقون في الأرض ليس من السهولة نسيانهم في الحياة، وعليه يحاول الناس في المكسيك مرّة كل عام في هذه التواريخ أن يرتدوا لباس المنيّة أو يتدثّروا بمسوح الموت أو قناع الحِمام، يتمثّلونه في الحياة قبل الممات، استذكاراً واستحضاراً لموتاهم، ومن ثمّ جاءت هذه الاحتفالات التي تنطلق من أواخر شهر أكتوبر، وتتوّج في الثاني من شهر نوفمبر من كلّ حول، حيث يخيّل للناس أنهم سيلتقون بموتاهم، وفي هذه الأيام يوقد في أعلى مكان من المنزل نور خافت، إلى جانب مائدة وضعت عليها أشهى المأكولات وأطيب الفواكه وألذّ الحلويات التي كانت أثيرة لدى الميت في حياته، ففي يوم 31 أكتوبر يبدأ الاحتفال، وعندما تسمع ضربات النواقيس (12 ضربة) عندئذ توقد الشموع والأنوار في مختلف الدور، وفي تلك اللحظة تخلو المدينة من المارّة ويسودها سكون مهيب، ويبدأ الأطفال في إيقاد عيدان الندّ والبخور التي تشيع روائحَ زكية في مختلف أركان البيوتات والمنازل، وتوضع إلى جانب المائدة ورود وشموع بيضاء، واحدة لكلّ ميت، كما يوضع كوب من ماء ومجسّمات من طين وفخار ولعب لاستقبال الموتى. وفي الصّباح يتخيّل الناس أنّ موتاهم الصغار والأطفال، يأتون لزيارتهم ويشاركونهم طعام الإفطار. وفي الساعة الثانية عشرة زوالاً تستبدل الزهور البيض بالصّفر، ثم تقرع النواقيس من جديد لاستقبال الموتى الكبار، كما تستبدل الشموع بقناديل سود، وشموع أكبر من الشموع السابقة. وفي الساعة الثانية عشرة ليلاً يترحّم على الأموات. وعند الصباح تقرع الأجراس من جديد، عندئذ يخرج الناس من دورهم ويتّجهون نحو المقابر، وقد أوقدوا الشموعَ من جديد، وأشاعوا البخورَ في الأجواء، ويقضون الليلَ كله إلى جانب أحبّائهم الرّاحلين، وقد غطّوا القبور بالورود والأزهار، ثمّ يتزاور السكّان في ما بينهم ويتبادلون الأطعمة، والأطباق التي كانوا قد أعدّوها لموتاهم، وهكذا يقيمون روابط وأواصر ووشائج في ما بينهم. كما يتّجه الناس في هذا اليوم أفواجاً وزرافاتٍ ليلاً إلى مدينة تُسمّى «مكسيك» القريبة من العاصمة العملاقة للترحّم على أجدادهم القدامى، وهم يحملون آلاف الشموع، والقناديل المضاءة، ويشكّلون بذلك منظراً مثيراً، حيث تتلألأ الأضواء الصغيرة تحت عباءة الليل الحالكة. وينوف عدد الذين يزورون هذه المدينة في هذه المناسبة على مليوني شخص، يؤمّون مختلف منازل المدينة للسّلام على ذويها، ومشاهدة الأطعمة التي أعدّت للموتى في كلّ دار. متحف الموت.. ومن أغرب المتاحف التي توجد في المكسيك متحف فريد للاحتفالات بيوم الموت والموتى. ويضمّ هذا المتحف العديد من الأجنحة التي تشمل تقاليد مختلف جماعات السكّان الأصليين، ولا يتعلق الأمر بمعرض لنماذج من الموائد التي يتمّ إعدادها في مختلف الأقاليم بهذه المناسبة، بل هو معرض حول كلّ ما له صلة بهذه الاحتفاليات، وهو مفتوح على امتداد الحول للتّذكير بالموت، أو هو في الواقع تذكير بالحياة والأحياء، ذلك أنّ العديد من السكّان يرون في هذه الاحتفالات مناسبة للتأمّل وإعمال النظر والفكر في الحياة الحاضرة، والحياة الأخرى التي تنتظر المرء، فيبدأ في مراجعة نفسه، ويحاسبها حتى لا ينسى أنه مجرّد طيف عابر أو ظلّ زائل في هذه الدار، وأنه لا بدّ راحل لا محالة يوما نحو العالم الآخر. وكان المتحف البريطاني في لندن قد أقام منذ سنوات معرضاً حول مختلف المراسيم التي تقام للموتى في المكسيك، حيث تسنّى للأوروبييّن التعرّف على تفاصيل هذه الاحتفالات الغريبة، وكيف ينظر المكسيكيون إليها. ولا يُعرف كيف وصلت حفلات شبيهة بتلك التي تجرى في المكسيك إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب بشكل عام تحت اسم «هالوين» أو ليلة السّاحرات، ويعتقد أنه ربما تكون قد وصلت إليهم من إنكلترّا أو إيرلندا (السّلتيك)، حيث كانت وما تزال هذه العادة منتشرة إلى اليوم بشكل أوسع من السّابق، وكانت بعض بلدان أمريكا اللاتينية قد عملت على منع إقامة هذه الاحتفالات، خاصة في الأماكن العامة والشوارع، وفي المدارس والمعاهد. وقد دأب الناس في معظم هذه البلدان على إحياء هذه الاحتفالات، خاصة في ليلة 31 أكتوبر، حيث يرتدون أقنعة مختلفة وأردية تنكّرية. يومُ الموت عند الكتّاب المكسيكيّين "الاتحاد العام للكتّاب المكسيكييّن" دأب منذ عام 1986 على الاحتفال بيوم الكتّاب والفنّانين والمبدعين الرّاحلين، ومائدة الكتّاب، على عكس التقاليد السائدة، ليست من مأكولات وحلويات، بل من نور وزهور، وهذا التقليد جديد في المكسيك لم يسبق إليه أحد من قبل. وتتمّ إقامة هذا الحفل في مسرح كبير في المدينة في حيّ "كيوكانّ"، وهو حيّ معظم قاطنيه من الكتّاب والفنّانين، وتقدّم خلال الاحتفال أشرطة وتسجيلات حول حياة هؤلاء الكتّاب، مع قراءة بعض إنتاجاتهم القصصية أو الشعرية أو تقديم عرض حول أعمالهم التشكيلية. كما تقام موائد مستديرة حول تلك الأعمال، حيث يتخيّل المحتفون أنّ الرّاحلين حاضرون معهم خلال هذه الأمسية، باستعمال أدوات تسجيل حديثة ومتطوّرة تتضمّن أصوات هؤلاء. وخلال هذا الحفل تمتزج التقاليد بالفنون في جوّ تنبعث منه روائح البخور الزكية والشمع المحروق، وقد حقّقت هذه التجربة نجاحاً كبيراً، على الرّغم من أنه كان هناك من عارض إقامتها، معتبراً ذلك تجنّياً وتطاولاً على تقاليد ما زال السّواد الأعظم من الناس ينظرون إليها بنوع من التبجيل. كما تقدّم خلال هذا الاحتفال بعض الأعمال المسرحية التي تجلّي عمق هذه العادة، وتحلّل رمزيتها، وهكذا يكتسب هذا التقليد، بالإضافة إلى طابعه الرّوحي، طابعاً اجتماعياً وثقافياً، حيث يتذكّر الناس أحبّاءَهم الرّاحلين، ويستحضر الخلاّن أصدقاءَهم، ويتذكر المشاركون في هذه الاحتفالات بأنّ عالم الأموات في العمق غير بعيد عنهم، بل هو جزء لا يتجزّأ من عالمهم، ولهذا يحتفي الناس بهذه المناسبة ولا يبكون موتاهم. الأدب والموت هناك عشرات الكتب والحكايات والأساطير التي تتناول موضوع الموت في مختلف العصور والدهور، فالمواطن المكسيكي يرى أنّ الموت يعيش بيننا، وهو يضحك، ويبكي، ويغنّي، والاحتفالات التي تقام للموت إنما تأتي انطلاقاً من هذا المنطق. وهذا المفهوم نجده مبثوثا في العديد من الحكم والأشعار المأثورة والأمثال السائرة، فالموت في هذه الموروثات هو رفيق كلّ مَنْ تدبّ فيه الحياة، وهكذا فالجمجمة المصنوعة من القرع (اليقطين) والعِيش (الخبز) المرشوش بمسحوق السكّر والملح والحلويات والزّهور ذات اللون الأصفر (يرمز إلى الشحوب والذبول)، واللون الأحمر (رمز الحياة والحيوية)، كلّ ذلك يقدّم في الاحتفال، وإلى جانبه تُكتب الحكم والأمثال والاشعار التي تذكّر بالموت. وكلمة الموت هذه التي تقشعرّ لها الأبدانُ في مختلف أنحاء العالم هي بالنسبة إلى المكسيكي شيء مألوف، فهو يلاطف الموت، وينام إلى جانبه، ويرتمي في أحضانه، بل لا يتورّع عن السّخرية منه . وممّا لا ريب فيه أنه ليس هناك في الآداب العالمية شاعر أو كاتب لم يتعرّض لموضوع الموت في أعماله، حيث كان له وجود في مختلف العصور، في ملاحم بلاد الرافديْن، وفي مصر القديمة، وعند الرّومان، والإغريق، وعند قدماء السكان الأصليين في أمريكا اللاتينية، وفي الأدب العربي، قديمه وحديثه. وهناك العديد من الشعراء والفنّانين الذين تغنّوا بالموت أو كتبوا عنه، ففي الأدب الإيبروأمريكي نجد ممّن كتبوا عن الموت الكثيرين، منهم على سبيل المثال وليس الحصر: داريّو، وبورخيس، ونيرودا، وساباتو، وغاليانو، ولوركا، وألبرتي، وفيّارّوتيا، وخوسّيه بوسادا، وبرونو ترافين، وأوكتافيو باث، وبرناردو أورتيس، وتامايّو، وفريدا كاهلو، وريفيرا، وخوان رولفو، الذي قدّم لنا في قصّته الشهيرة « بيدرو بارامو» بطلاً من الأموات، وكارلوس فوينتيس، الذي تعرّض لموضوعة الموت في شخص رجلٍ مسنّ يأتي من الولاياتالمتحدةالأمريكية بحثاً عن الحِمام خلال الثورة المكسيكية لأنه يعتقد أنّ استشهاده في هذه المعركة أكثر شرفاً له من أن يموت موتة طبيعية. كما نجد موضوع الموت عند معظم الشّعراء لدى معظم الأمم، منهم زهير، وطرفة، والأعشى، والخنساء، وأبو العتاهية، وأبو تمّام، وابن الروّمي، والمتنبّي، والمعرّي (في داليته الشهيرة وسواها)، وعمر الخيّام، وطاغور، وبودلير، ورامبو، وكافكا، وباسكال، وريلكه، وكامو، وهمنجواي، وسواهم من الأدباء والشعراء العالميين، وهم كثيرون. وقديماً قال المتنبّي: أصارعُ خيلاً من فوارسها الدّهرُ** وحيداً وما قولي كذا ومعي الصّبرُ تمرّستُ في الآفات حتى تركتها** تقولُ أماتَ الموتُ أو ذُعِر الذّعرُ ويقول أبو العتاهية : الموتُ بابٌ وكلّ الناس داخله**يا ليت شعري بعد الباب ما الدّارُ الدارُ جنّة خلدٍ إن عملتَ بما** يرضي الإله وإن عصيتَ فالنّارُ هما مَحلاّن ما للناس غيرهما** فانظر لنفسك ماذا أنتَ تختارُ وقال آخر: تزوّد من الدنيا فإنك لا تدري** إذا جنَّ الليلُ هل تعيش إلى الفجرِ فكمْ من سليمٍ ماتَ من غير علّةٍ** وكمْ من سقيمٍ عاش حيناً من الدّهرِ وكمْ من فتىً أمسىَ وأصبحَ لاهياً** وقد نُسِجتْ أكفانُه وهو لا يدريِ . والأشعار والأقوال والأمثال والحكم في هذا الباب كثيرة وافرة لا حصر لها. *كاتب وباحث من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوتا- (كولومبيا)