بعد التشخيص القاسي الذي قام به ملك البلاد للأزمة العميقة التي يتخبط فيها المغرب، وحديثه عن ضرورة زلزال سياسي ( وكأني به يستعير معجم قوى المعارضة الراديكالية في توصيف أوضاع المملكة المختلة) ، ظهرت أولى بوادر الهزة الموعودة بإقالة مجموعة من الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين...فهل يستمر الزلزال الذي تفاعل معه المواطنون إيجابيا متطلعين إلى المزيد؟ إن الزلزال الفعلي ينبغي أن يتوجه رأسا إلى عمق الأزمة ومكمن الخلل الحقيقي، أي النموذج السياسي والتنموي برمته، وذلك عبر إجراءات هامة وحازمة، ومنها : 1- استكمال التعديلات الدستورية بما يضمن فصلا حقيقيا للسلط ، وتفعيلا منهجيا وراسخا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .وإنشاء هيئة عليا مستقلة للانتخابات ، وإصلاح الخريطة الانتخابية ، ومراجعة لوائح الناخبين. 2- حل الحكومة الهجينة الحالية والبرلمان في أفق إجراء انتخابات جديدة جادة ونزيهة.وتوقف الدولة عن التدخل في شؤون الأحزاب ، وصناعة الأمناء العامين للأحزاب على المقاس، والإمعان في تجريف الحقل السياسي والتحكم في نتائج الانتخابات. 3- إرساء حكامة مالية وسياسية حقيقية عبر إلغاء الغرفة الثانية ومعاشات الوزراء والبرلمانيين، وتخفيض الأجور الفلكية لكبار الموظفين، وتقليص حظيرة سيارات الدولة، وإرساء شفافية الصفقات العممومية، وتفعيل مجلس المنافسة وتقوية الأجهزة الرقابية، وإحالة ملفات الفساد على القضاء ليقول كلمته فيها.ووقف كل أشكال الريع الاقتصادي والسياسي ( مأذونيات النقل الطرقي واستغلال المقالع والصيد في أعالي البحار، وإسنادها لمن يستحقها فعلا.) 4- ضرورة تقديم من ثبت تقصيرهم وإخلالهم بمسؤولياتهم أمام العدالة، واسترجاع الأموال المنهوبة وأراضي الدولة التي تم تفويتها للمحظوظين بثمن الإسفنج !! 5- مراجعة سلم الأجور والزيادة في الرواتب الدنيا وإقرار العدالة الجبائية، ومراجعة ما سمي " إصلاح أنظمة التقاعد " المجحف. 6- إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم قادة حراك الريف والصحافيون النزهاء والغيورون على وطنهم( المهداوي، الأبلق، الكرطومي.....) الذين يعود لهم الفضل في كشف جزء من الفساد المستشري في أوصال المملكة الشريفة، حيث اعترف بلاغ الديوان الملكي الأخير نفسه بمشروعية المطالب التي ينادون بها..وكذلك إطلاق مبادرة مصالحة جادة وشاملة مع الريف وبقية المناطق المهمشة بالمغرب.واستبعاد المقاربة الأمنية في التعامل مع الحركات الاحتجاجية السلمية للمواطنين. 7- التصدي الحازم للانفلات الأمني والتسيب الذي أصبحت تعيش على إيقاعه مختلف مدن وقرى المملكة..حيث استفحلت جرائم النهب والاغتصاب والاعتداء والقتل في واضحة النهار من قبل " خلايا مستيقظة " تبث الرعب في نفوس المواطنين الذين أصبحوا ينظمون المظاهرات والمسيرات للمطالبة بتدخل الشرطة والدرك (ولم لا الجيش) لإعادة الأمور إلى نصابها. 8- إنقاذ المنظومة التعليمية من الانهيار عبرإصلاح حقيقي تتولاه هيئة عليا من ذوي الكفاءة والاختصاص. 9- إصلاح الأعلام العمومي بشكل جذري ليصبح إعلاما قرب يستجيب لتطلعات المواطنين عوض قنوات المسخ والبرامج التافهة والمسلسلات الساقطة التي يمطرنا بها القطب العمومي المتجمد. بقي أخيرا أن نشير إلى أن هذه الإجراءات لن تؤتي أكلها إن أصرت الدولة على مقاربتها السابقة المتمثلة في الخيارالأمني والاعتماد على من يسمون " خدام الدولة " من الموظفين الخالدين في مناصبهم على الرغم من ثبوت فشلهم الذريع ومطالبة المواطنين في مناسبات عدة باستبعادهم.لأنهم أصبحوا عبارة عن أوراق محروقة يشكلون عبئا على الدولة وجزء من المشكلة لا من الحل ( أخنوش، بوسعيد، بنسودة، العرايشي، سليم الشيخ، سيطايل،لخليع، بنهيمة، التوفيق، الطالبي العلمي،عيوش، ساجد،المالكي، ...).عدا ذلك سنكون بصدد إعادة تدوير الأزمة، وعلاج السرطان بالمسكنات. وقد لخص المحامي محمد زيان الأمر ببلاغة عندما قال إنه إذا كان المقصود بالزلزال هو وضع نزار مكان شباط ، وتعويض العماري بأخنوش، واستبدال الحمامة بالجرار...فلا زلزال ولا إصلاح ولا هم يحزنون... !!