في أعقاب الإقالة غير المسبوقة لأربعة وزراء وعدد من المسؤولين السامين من طرف الملك محمد السادس، القرار الذي بات يعرف ب"الزلزال السياسي"، تعود إلى الواجهة قصة عدد من المسؤولين الحكوميين السابقين الذين فقدوا مناصبهم بالطريقة نفسها منذ دخول دستور 2011 حيز التنفيذ. غير أن الثابت هو أن القرار الملكي الأخير جاء نتيجة اختلالات تدبيرية وقفت عليها مختلف التحقيقات التي أجريت بخصوص مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، عكس طبيعة أغلب الإقالات السابقة التي طالت مسؤولين حكوميين خلال الفترة ذاتها. "الحب" يطيح بوزير ووزيرة بين شهري مارس وماي 2015 شغلت قصة العلاقة الغرامية التي جمعت وزيرين في حكومة عبد الإله بنكيران الرأي العام المغربي. طيلة ما يقرب ثلاثة أشهر ظلت هذه القصة حديث المغاربة في البيوت والمقاهي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يستغلها خصوم "البيجيدي" حينها لرش مزيد من الملح في الجرح الذي أصاب جسد الحزب فجأة، ودون مقدمات. الأمر يتعلق بالحبيب الشوباني، الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وسمية بنخلدون، الوزيرة المنتدبة السابقة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر. وبسبب المنحى الذي أخذته هذه القصة المنتهية بزواج القياديين في "حزب المصباح" سيضطر الملك لإعفائهما من مهامهما الحكومية. ففي ال12 من شهر ماي خلال السنة ذاتها، أعلن بلاغ صادر عن الديوان الملكي إعفاء الوزيرين، مشيرا إلى أن ذلك جاء طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، بحيث "رفع رئيس الحكومة إلى الملك طلب تقدمهما باستقالتهما الفردية من الحكومة". إقالة الكروج بسبب "ملايين الشوكولاته" بعدما ضمن مقعده في التعديل الحكومي الذي طال النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران، سيجد عبد العظيم الكروج، الذي شغل منصب وزير منتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني ووزير منتدب لدى رئيس الحكومة مكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، في ورطة كبيرة بسبب فاتورة شوكولاتة تصل إلى حوالي 4 ملايين سنتيم. كل ذلك وقع بعدما فجرت الصحافة القضية، بنشرها معطيات تفيد بأن الكروج اقتنى هذه الكمية الكبيرة من الشوكولاتة لحفل عقيقه مولوده. غير أن المثير في الأمر هو أن المسؤول الحكومي دفع ثمنها من ميزانية وزارته بدل تأديتها من ماله الخاص. سيتحول الأمر إلى ضجة كبيرة لاحقت الوزير الحركي الشاب، قبل أن يدخل رئيس الحكومة السابقة، عبد الإله بنكيران، على الخط، مطالبا بفتح تحقيق للوقوف على مدى صحة ما نشرته الصحافة من معطيات. وفي أول تعديل حكومي، سيجد الكروج نفسه خارج الوزارة بعدما رفع رئيس الحكومة طلبا إلى الملك بإعفائه. "كراطة" أوزين تسحبه خارج الحكومة الكل يتذكر المباراة التي جمعت "كروز أزول" المكسيكي بنظيره "ويسترن سيدني" الأسترالي ضمن منافسات كأس العالم للأندية المنظم بالمغرب سنة 2013، وهي المباراة التي شهدت تحول أرضية مركب مولاي عبد الله بالرباط، المحتضنة للمباراة، إلى بركة مائية كبيرة، اضطرت عمال الملعب إلى محاولة إبعاد برك الماء عن المستطيل الأخضر باستعمال "كراطات" عملاقة أثارت سخرية العالم. هذه الواقعة أثارت سخطا كبيرا على محمد أوزين، الوزير المسؤول عن قطاع الشباب والرياضة حينها، ما دفع الملك محمد السادس إلى تعليق أنشطته المرتبطة ببطولة كأس العالم للأندية وتكليف رئيس الحكومة بفتح تحقيق معمق وشامل لتحديد المسؤوليات. بعد ظهور نتائج التحقيقات، التي أثبتت مسؤولية الوزارة عن "فضيحة الملعب"، سيقرر الملك إعفاء الوزير الحركي من الحكومة، لتكون بذلك المرة الأولى التي يتم فيها إعفاء مسؤول حكومي بشكل مباشر، بعد ظهور نتائج تحقيقات تثبت مسؤوليته في اختلالات تدبيرية. تفعيل لمبدأ "المحاسبة"؟ عمر الشرقاوي، المحلل السياسي، يرى أن حكم الملك محمد السادس شهد قرارات من هذا النوع في حق وزراء، "غير أنها لم تكن قطعا ذات طابع جماعي، ولم تكن نتيجة مسار معقد من مساطر التحقيق، ولم تتطلب خطابين ملكيتين ومجلسين وزاريين". وأضاف الشرقاوي، في تصريح خصّ به هسبريس، أن هذه القرارات لم تكن كذلك نتيجة أزمة مجتمعية خلفتها أحداث الحسيمة وخلقت ارتباكا في المشهد السياسي. ولفت المحلل السياسي الانتباه إلى أن هذه المرة الأولى كذلك التي يتم التصريح فيها بأن هذه القرارات التأديبية تقع تحت طائلة الفصل الأول من الدستور، الذي ينص على مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة". وأبرز الشرقاوي أن هذه القرارات "لم يكن لها طابع انتقائي، بحيث لم تميز بين الوزير الصغير والوزير الكبير، فهناك أسماء وازنة لم يكن أحد يتوقع أن يطالها التأديب"، مسجّلا أن "هذه القرارات مست السياسي والتكنوقراطي على حد السواء". وخلافا لهذا الرأي، قال عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، إن الطرح السياسي حاضر في القرارات الملكية الأخيرة، مستبعدا أن يكون ذلك "زلزالا سياسيا" كما تم تداوله على نطاق واسع. وتساءل العلام، في تصريح لهسبريس، عن الغاية من تحمل حزبين فقط المسؤولية كاملة بخصوص هذا المشروع، مضيفا: "ألا يوجد من وزراء العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار من أساء إلى مهمته؟ وهل من الصدفة أن يتعلق الأمر فقط بوزراء حزبين، واحد محسوب على تيار البيجيدي والثاني على تيار حزب الحمامة؟". وزاد العلام أن إعفاء وزير الصحة مثلا واستثناء وزير التجهيز والنقل لا معنى له، لافتا الانتباه إلى أن هذه القرارات "من المحتمل أن تكون لها غاية سياسية غير معلنة"، قبل أن يخلص إلى أن الوقت هو الكفيل بإثبات ما إذا كان الأمر له علاقة بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.