بلغة لا تخلو من جرأة وشجاعة، اعترف الخطاب الملكي بأن "النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية". لقد قلتها، في عدة مناسبات علمية وبحثية، إن المغرب يسير بدون بوصلة إستراتيجية؛ وهو ما أسميه "مشروع دولة". إن رؤيتي الإستراتيجية موثقة في العدد السابع من مجلة "شؤون إستراتيجية" الصادر سنة 2012، حيث كنت آنذاك مشاركا في مائدة مستديرة بمؤسسة علال الفاسي بالرباط.. قلت: "آن الأوان لضرورة انعقاد لقاء أو مناظرة وطنية من النخبة المغربية، من أساتذة جامعيين ومفكرين واقتصاديين وسياسيين (وليس سياسويين، فالسياسويون لا تعنيهم هذه المناظرة؛ لأن المناظرة تخص الصالح العام وهم يفكرون في المصلحة الخاصة)... وذلك من أجل اختيار "مشروع الدولة"، قبل الحديث عن أي اصلاح للتعليم أو غيره، وقبل الحديث عن أي مخططات قطاعية.. وضرورة على هذه النخبة الإجابة عن التساؤل التالي: ما هي الدولة التي نريد بالمغرب؟ هل نريد دولة فلاحية أم صناعية أم سياحية أم خدمات .. أولا - وبناء على اختيارنا لمشروع الدولة التي نريد. آنذاك، ننتقل إلى وضع سياسات عمومية مبنية على رؤية مشروع الدولة التي اخترناه، ومن ثم بلورة الإصلاحات وتغيير مناهج التعليم وفق مشروع الدولة التي اخترناه. فمثلا إذا اخترنا مشروع الدولة الصناعية، إذن ينبغي أن تتغير المناهج التعليمية لتتوافق مع الرؤية الصناعية والمشاريع الصناعية والتخصصات التعليمية الصناعية وعلى أرض الواقع إعطاء الأولوية للمعامل والمصانع وتشجيع الطاقات الشابة في التخصصات العلمية وفقا لمشروع الدولة الصناعية وهكذا.... بحيث تكون المدخلات التعليمية في المجالات الصناعية بالأساس (مع عدم إغفال المجالات التعليمية الأخرى بنسبة مائوية أقل) وتكون المخرجات في إيجاد الشغل متوافقة مع المدخلات.. أي تكوين الشباب وتعليمه في التخصصات الصناعية + توفير المصانع والمعامل في التخصصات التعليمية التي تم تدريس الشباب بها أو التكوين فيها = التشغيل وفرص العمل. ثانيا - يجب على الحكومات المتعاقبة أن تسير وفقا لمشروع الدولة التي اخترناه، ويشترط على كل حكومة منبثقة من الانتخابات أن تقدم برنامجها أمام البرلمان وفقا لمشروع الدولة ولا يمكن أن تتجاوزه أو تحيد عنه. كما ينبغي أن تأتي كل حكومة وتكمل المشاريع من حيث انتهت الحكومة السابقة في مشروع دولة وحيد وموحد ومتوافق بشأنه؛ فلا مجال لكي تلغي حكومة مشاريع الحكومة السابقة أو تبدأ في تنفيذ مشاريع جديدة لأن مشروع الدولة واحد وموحد، فالحرية لكل حكومة في وضع الآليات المختلفة في التنفيذ؛ لكن الهدف واضح مسبقا في مشروع الدولة. ثالثا – ما دمنا لم نحدد بعد مشروع الدولة التي نريد فلا يمكن التقدم بهذا البلد إلى مصاف الدول المتقدمة. وقد ضربت مثالا بماليزيا التي اختار مسؤولوها مشروع الدولة الصناعية في 1985، وبعد عشر سنوات بات هذا البلد الأسيوي من بين الدول الصناعية العشر في العالم. *رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية