منذ أن نشأت الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية في ربيع 2007 ومكتبُها الوطني يشتغل بوسائله الشخصية المتواضعة ولم يسبق له أن طلب أبدا دعما ماليا من أية جهة كانت، حكومية أو حزبية أو نقابية أو "مُحْسِنية" (نسبة إلى المُحسنين...)، ومع ذلك وحتى بدون دعم مادي حققت الجمعية نتائج إيجابية عديدة؛ منها أنها استطاعت أن تخلق حماسا من حولها يتجلى في تناسل هيئات مدنية هدفها الغيرة على العربية والدفاع عنها، ومن هذه الهيئات، الهيئة التي أعطت لنفسها اسم "الائتلاف الوطني للغة العربية" (نشأ في نهاية 2012 سنة)؛ وهي هيئة، لمن لا يعرف ذلك، خرجت من رحم الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية بعد اختيار أعضاءٍ من مكتبها الوطني الارتماء في الأحضان الدافئة لحزب معين. ومنها كذلك "الائتلاف الوطني من أجل ترشيد الحقل اللغوي" (تاريخ النشأة هو 11 يناير 2011)، الذي حضر مؤسسوه عددا من ندوات الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية فاهتدوا على إثر ذلك إلى ائتلاف جاء ل"تهدئة" حماس من يدافع عن اللغة العربية... وهناك كذلك "التنسيقية الوطنية للغة العربية" (نشأت في 28 فبراير سنة 2016) التي جاءت لتنسيق الجهود المبذولة من أجل اللغة العربية، والتي تضم جمعيات متعددة (جمعية "المسار"، الجمعية المغربية لقدماء طلبة سوريا، الجمعية المغربية لخريجي جامعة مصر العربية، جمعية خريجي مدارس محمد الخامس، الجمعية المغربية للتضامن الإسلامي، الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية...). وفي سنة 2017 لعبت الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية دورا رياديا في إنشاء "الرابطة المغاربية لحماية اللغة العربية"، ومقرها في العاصمة الموريتانية... التساؤل الذي يطرحه عنوان هذا المقال جَلَب للمكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية متاعب شتى. فالجمعية عندما أُنْشِئت، كان هدفها هو مناصرة اللغة العربية الفصيحة والوقوف بجانبها مع من يدافع عنها كلغة دستورية للبلاد، وظلت الجمعية هكذا منذ التأسيس إلى هذه اللحظة التي يُكتب فيها هذا المقال، في الوقت الذي ظهرت وتظهر فيه جمعيات مدنية عديدة هدفها الأول والأخير (وطبعا نحن لا نُعمم...) هو طلب الدعم المادي والتصرف فيه لقضاء أغراض شخصية خسيسة، مستغلة في ذلك ما جاء به دستور 2011 من أن للجمعيات دورا كبيرا في صناعة القرارات التي تسير عليها البلاد. ولم يُسَجل أبدا على المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية أنه طلب من جهة معينة دعما ماديا، بل الذي سُجل عليه هو مطالبته المستمرة بالدعم اللغوي الذي تحتاج إليه اللغة العربية؛ وهو استعمال هذه الأخيرة عوض اللغة الأجنبية في الفضاءات المغربية المختلفة. وما يبرر هذا الموقف الصائب في نظر المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية هو أنه: من غير المنطقي بتاتا أن تطلب جمعية تعمل على حماية اللغة العربية الفصيحة دعما ماديا من جهات تشاهد يوميا تدمير لغة الدستور المغربي ولا تحرك ساكنا، بل بسكوتها تشجع هذه الجهات على هذا التدمير وعلى حفر قبر لتصفية لغة قادرة على القيام بما تقوم به اللغة الأجنبية ببلادنا. ما ذا ستفعل الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية بأموالٍ تتسلمها من جهات تعجز على إجبار أصحاب المحلات التجارية على كتابة أسماء هذه المحلات بالحرف العربي وهي مسؤولة عن ذلك؟ هل نأخذ هذا الدعم كما يريده لنا بعض أعضاء الجمعية الذين يرون فيه حقا من حقوق الجمعيات الوطنية لنرمم التدمير الخطير للغتنا الذي تتسبب فيه الجهات المانحة؟ هل نتسلم هذا الدعم لنقوم بتهييئ ولائم لبعض المحاضرين والمشاركين في بعض الندوات التافهة كما يفعل بعض المرتزقة، ومنهم من يدعي الدفاع عن اللغة العربية في هيئات شيطانية يستعملونها لأغراض خسيسة؟ من يدافع عن اللغة العربية الفصيحة عليه أن يُضحي بوقته وصحته وماله من أجل الحفاظ على كرامتها ونقاوتها وعزتها، لا أن يمد يديه لمن يشاهد تبخيسها وتحقيرها ويظل جامدا... لا، ما هكذا يكون الدفاع عن اللغة العربية الفصيحة يا سادة... في اجتماعين فاشِلين عُقدا مؤخرا بمدينة القنيطرة (13 مايو 2017 و8 يوليوز 2017) للتفكير في التحضير لمؤتمر يُنْتَخب فيه مكتبٌ وطني جديد للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية ورئيس جديد لها، أثيرت هذه المسألة بقوة وعاب بعض المنقبين عن الدرهم على رئيس الجمعية كونه يرفض الدعم المالي من جهاتٍ (الجماعات المحلية وغيرها...) كان عليها أن تسهر على تطبيق ما جاء به لغويا دستورُ 2011 وأن تقتدي في سلوكها اللغوي بملك البلاد- حفظه الله- الذي يخاطب الشعب المغربي دوما باللغة العربية الفصيحة ولا يفضل عليها أية لغة أخرى. هناك عقوق واضح لدى مسيري الشأن العام ببلادنا يتجلى في إهمال اللغة العربية الفصيحة، فكيف نلجأ إليهم لمطالبتهم بدعم مالي في إطار جمعية همها الوحيد هو عزة لغة القرآن، دين معظم المغاربة ولغةُ حضارة كبرى، ولا نحتاج أن نقول عنها "إنها لغة علمية بدون منازع"...؟ مطلبنا في هذه الجمعية هو بالأساس الدعم اللغوي للغةٍ ينص الدستور على أنها لغة رسمية بالبلاد وكل من اندس بيننا وهدفه اللهاث وراء الدرهم فقد أخطأ الطريق وعليه أن يرحل إلى جهات أخرى، كما فعل بعض المرتزقة وكما سيفعل مرتزقة آخرون انضموا إلى الجمعية لإنشاء فروع لها، لا للدفاع عن الضاد، بل لأخذ دعم مادي من السلطات المحلية يَقيهم من نوع من الجوع الغريب... ما هكذا تورد الإبل يا جماعة، فارحلوا عن جمعية الضاد فهي تنأى بنفسها عن استعمال اللغة العربية الفصيحة كمطية للحصول على مالٍ لن يفيد اللغة العربية الفصيحة في شيء. *رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية