يبدو أن السيد محمد حصاد، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم والبحث العلمي، أصيب بتلك العدوى التي أصابت وزراء حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، عندما اختزلوا كل أشغالهم في نشر "الخْرُوقْ" واللوائح؛ فالسيد حصاد نشر، منذ يومين على موقع وزارته، لائحة بأسماء المدارس الخصوصية التي تنفخ نقط تلامذتها، وتعطيهم ما لا يستحقونه... وطبعا، فإن النفخ في النقط يعني عدم تكافؤ الفرص بين المدارس الخصوصية نفسها وبينها وبين المؤسسات العمومية؛ وهو ما يؤثر سلبا في مصير مجموعة من التلاميذ الأكفاء، خاصة تلاميذ القطاع العام، في الحصول على معدلات جيدة تخول لهم الولوج إلى المعاهد والكليات الراقية التي تعتمد على المعدلات المرتفعة. الموقع الرسمي للوزارة نشر أسماء المدارس والمدن التي توجد فيها هذه المؤسسات، دون أن يقدم أية توضيحات، مثل: ما إذا كانت هذه اللائحة نهائية، وهل تلك اللائحة تعني أن المؤسسات التي لم يتم ذكرها هي مؤسسات لا تنفخ النقط؟ معنى ذلك أن اللائحة هي "صك غفران" بالنسبة إلى من لم يُذكر اسم مؤسسته التجارية في لائحة حصاد، خاصة أن هناك من أفرحته كثيرا تلك اللائحة، واعتبرها شهادة إيجابية في حقه! وما هي المعايير التي تم اعتمادها لتقول الوزارة إن هذه المدرسة "نافخة نقط"، وهذه لا؟ ويبقى أن الأهم من كل هذا هو هل هناك إجراءَات ستتخذ في حق من يتلاعب بنقط التلاميذ، ومن يمنح لتلامذته 19/20 في مواد الفيزياء والكيمياء والفرنسية وغيرها، ويحصل تلامذته على 1 و2 على 20 في الامتحانات الوطنية والجهوية، بينما تلامذة آخرون لا يملك آباؤهم ما يدفعونه للأساتذة وللعطّاشين من أرباب المدارس الخصوصية ليحصلوا على تلك النقط المرتفعة، مما يضيع عليهم فرص الولوج إلى المدارس العليا والكليات المهمة. أم أن السيد الوزير، بوعي أو بدونه، يقوم بإشهار مجاني لهذه المدارس التي تمنح النقط مقابل المال، خاصة إذا علمنا أن الآباء والتلاميذ يبحثون بالضبط على المدارس التي يستطيع فيها أبناؤهم "المكلخين" الحصول على 19 على 20 في المراقبة المستمرة، ولا يملك أصحابها الجرأة لينشروا في تلك اللافتات التي يلصقونها على "ظهر" وسائل النقل المدرسي: "تعالوا نحن مؤسسة تنفخ النقط، وتوهم الناس أنك متفوق رغم أنك مكلخ وأنت تعرف ذلك، كما يعرفه والداك".. لقد سبق لي أن اشتغلت أستاذا في التعليم الخصوصي لما يزيد عن سبع سنوات، ودونت تجربتي في المجال في كتاب "يوميات أستاذ خصوصي"، وعشت تجربة كيف أن يتجرأ موظف عمومي يتقاضى راتبه من أموال دافعي الضرائب، ويتغيب عن عمله ويترك مصالح مواطنين ينتظرون سيادته، ويأتي إليك ليطلب منك أن تعامل ابنه معاملة خاصة، ويحاسبك على كل صغيرة وكبيرة بدعوى أنه يدفع المال للمدرسة الخصوصية، ويجب أن يرى النتيجة حالا، ويصر على أن يخرج منك تلك "الربعة ديال" التي تتقاضاها مضاعفة، ويرى أن عدم حصول ابنه على 19 هو تقاعس منك، ما دام يدفع المال كل شهر. إن غالبية هذا الشعب فاسدة، ولا يهمها الحق والقانون ولا تملك ضميرا، وكل ما يهمها هو أن "قضاء الغرض"، ليس فقط بحصول أبنائها على نتائج جيدة، وإن كانت غير مستحقة، بل يشمل ذلك كل مناحي الحياة العامة. لذلك، فإن الآباء والأبناء يبحثون بالضبط عن هذه المدارس التي يمكن فيها الحصول على الشواهد دون أي مجهود، أو على الأقل بمجهود ضعيف جدا. وعندما قام السّيد الوزير بنشر هذه اللوائح، دون تفاصيل أخرى، كالعقوبات، ومعايير اختيار هذه المؤسسة دون تلك، فإنه يقدم خدمة جليلة لهذه المدارس، خاصة أننا في بداية السنة، وستشهد المدارس الجدية الخاصة (إن وُجدت) هجرة غير مسبوقة نحو هذه المدارس التي تم ذكرها في لوائح حصاد؛ فأغلبية تلاميذ هذا البلد يودون الحصول على نقط جيدة، دون أدنى مجهود، ويتمنون الحصول على 20 و19 في المراقبة المستمرة، فذلك يساعدهم على الأقل في رفع معدلاتهم بعض الشيء. قد يقول قائل إن الإجراء هو المنع من مسك النقط في برنامج مسار، دون موافقة مفتشين وموظفين تابعين لحصاد، وهو إجراء سخيف جدا، إذا علمنا أن هناك عددا كبيرا من موظفي السيد حصاد، من مفتشين وموظفين، لم يسبق لهم أن "عتّبوها" في إدارة من الإدارات التابعة لوزارته، وإن فعلوا، فلدقائق معدودة، ثم يعودون إلى أداء أشغالهم في المدارس الخصوصية التي يتقاضون منها رواتبهم السمينة، و"يعصرون" في المقابل على الأساتذة الخصوصيين ليقدموا نتائج جيدة! أعتقد أن الإجراء الذي يجب أن يتخذه السيد حصاد، وهو الذي فقد سيطرته على مجموعة من موظّفيه، في انتظار تجديد أسطوله، هو إلغاء الولوج بالنقط المرتفعة نحو المدارس العليا والمعاهد المهمة، التي ترفع من معدلات الولوج لها كل سنة، وليكن الامتحان مفتوحا أمام صاحب 10، وصاحب 18! ليبقى المحدد هو المعرفة والكفاءة، وليس النقط المنفوخة التي يتم الحصول عليها بواسطة المال، وهو ما لا يملكه آباء الكثير من التلاميذ الأكفاء... لأن حتى الذين لم تسعفهم أموالهم للحصول على معدل جيد، ودفعوا كثيرا للمدارس الخاصة، ومع ذلك بالكاد حصلوا على الباكالوريا ب10.00، ها هم الآن يدرسون الطب في رومانيا وروسيا وأوكرانيا، ودول أخرى، فيما تلاميذ آخرون مجدون ومثابرون، حصلوا على معدلات أقل، ولم يجدوا غير جامعات مكتظة ليدرسوا بها، يتغيب أساتذتها كلما رغبوا في ذلك... وهؤلاء التلاميذ غير المحظوظين يمكن أن ينجحوا في معاهد كانوا يرغبون فيها، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، خاصة في المغرب! ملاحظة: أي حل للإصلاح، يجب أن ينطلق من احترام الأستاذ، وضمان حقوقه المادية والاجتماعية، حسْب الناس ديالك أسي حصاد، وشوف ظروفهم، سواء في الخصوصي أو العمومي!! [email protected]