يشمخ منتجع وكازينو فندق ماندالاي باي عاليا عند الطرف الجنوبي من شارع فيغاس ستريب؛ ولكن إذا أردت أن تبدي إعجابك به اليوم فعليك أن تفعل ذلك من مكان بعيد، لأن الشرطة أغلقت منافذ الوصول إليه من كل مكان. وتعكس الواجهة الذهبية للفندق أشعة شمس الغروب، ويتناقض ثقبان حدثا في واجهة المبنى مع بهاء البهو الداخلي. وهنا استخدم ستيفن بادوك، مطلق الرصاص المفترض، أدوات خاصة وأحدث فتحتين في ألواح النافذة، حتى يستطيع أن يستهدف مهرجان للموسيقى الريفية عبر الشارع من طابق علوي بالفندق. وسند القاتل بندقيته خلف الألواح المكسورة، ثم جذب الزناد ولم يتوقف عن إطلاق النار إلا للحظات يعيد فيها شحن أسلحته بالذخيرة، وظل يواصل إطلاق الرصاص إلى أن أدى الدخان المنبعث من البندقية إلى دق جرس إنذار بالفندق وفق ما تردد، وكان بمفرده في غرفته وسط لاس فيغاس التي تلقب "بمدينة الخطيئة"، ولم يعرف أحد بعد من أتت الرصاصات القاتلة. وأسفر حادث إطلاق النار، الذي وقع مساء الأحد المنصرم، عن سقوط 59 قتيلا و527 مصابا. وعندما يمر الزائر بعيدا عن فندق ماندلاي باي سائرا في شارع فيغاس ستريب، يرى مجموعة كبيرة من الفنادق الضخمة والتي أكسبت الشارع شهرته. وتنبعث أصوات الموسيقى العالية من الحانات، وتتردد الضحكات، وتوجد آنية بلاستيكية مليئة بأنواع من المشروبات، ويتصاعد دخان السجائر وأيضا رائحة الماريجوانا، وتسير أعداد كبيرة من الأشخاص على طول الرصيف مع حلول الظلام. ويسود جو غريب داخل هذه الفنادق في أعقاب المجزرة التي وقعت، وتخفت بداخلها الأضواء كما هو معتاد، ويمكن سماع أصوات آلات الشراء بالعملة في كل مكان؛ غير أنه توجد ملصقات معلقة على الجدران تطلب بشكل رصين التبرع بالدم، وعلى لوحات الإعلانات الإلكترونية العملاقة بالمدينة يلاحظ ظهور إعلانات متوالية عن عرض الفنانة الشهيرة جنيفر لوبيز بلاس فيغاس، أو عروض سيرك دو سوليه الشركة ترفيه كندية، ويوجد رقم هاتف يمكن أن يطلبه أي شخص لا يزال يبحث عن أقارب له بعد حادث إطلاق النار. وهذه التطورات حدثت بعد مرور بضع ساعات منذ هروب الناس، في ذعر كامل ناجين بحياتهم. وقالت ساره ماكفاجان، القادمة من شيكاغو: "كان الناس الذين لا يعرفون بعضهم ولم يقابلوا بعضهم البعض من قبل يختبئون وينبطحون أرضا ويبحثون في استماتة عن مخبأ، واستمر هذا الوضع لوقت بدا أنه لن ينتهي، ولم تكن لدينا فكرة عن متى سيزول الخطر". وكانت ساره قريبة من خشبة المسرح عندما انطلقت دفعات الرصاص، وأضافت: "لقد كان مهرجانا موسيقيا رائعا، واستمر لثلاثة أيام". وعندما تدفقت الرصاصات اندفع الكثيرون وهم يشعرون بالذعر إلى المداخل؛ وهو ما جعلهم هدفا أكثر سهولة للمهاجم، وهذا هو أحد الأسباب لكثرة عدد الضحايا. وكان ستيفن نكريو، وهو من لوس أنجليس، يقف خارج الموقع عندما وصلت أول دفعة من الرصاص، واندفع هاربا إلى الداخل صوب مكان إطلاق النار، وكان يتعين عليه العثور على ابنته، ونجا الاثنان بدون التعرض لإصابات أو خدوش؛ ولكن أخذ كلاهما يحدق في ذهول بدون أن يتفوه بكلمة واحدة. وتعد لاس فيغاس مدينة متاحة للجميع، وتجذب جموعا كبيرة من الزائرين؛ وهو ما يجعلها واحدة من أكثر الأهداف سهولة في العالم. وفي هذه المدينة يستطيع الأمريكيون فعل الكثير من الأشياء غير المسموح بها في ولايات أمريكية أخرى؛ فمثلا لا يشترط عليهم أن يجلسوا داخل حانات أو مطاعم عند رغبتهم في تناول الكحوليات، مما يعني أن تناول الكحوليات في الهواء الطلق أمر شائع. كما أن بعض الأماكن المغلقة تسمح للأفراد بأن يدخنوا بداخلها؛ غير أن ولاية نيفادا، التي تقع فيها مدينة لاس فيغاس بها، أخف القوانين الخاصة بحيازة الأسلحة وحملها داخل الولاياتالمتحدة، وليس من المرجح أن يتم تعديل هذه القوانين في أي وقت قريب، نظرا لأن الحزب الجمهوري اليميني الذي يدافع عن حيازة الأسلحة يسيطر على كل من الكونجرس والبيت الأبيض. وأدان الرئيس ترامب المجزرة؛ ولكن يبدو من تصريحاته أن مثل هذه الحوادث لا يمكن تجنبها، ويمكن أن تحدث بشكل مؤسف مثلها في ذلك مثل الكوارث الطبيعية، وهو يعتزم زيارة المدينة غدا الأربعاء بعد عودته من زيارة لمنطقة بورتريكو التي ضربها إعصار مدمر. ولا يعني هذا أنه ليس هناك أمن في مدينة الخطيئة؛ فوزارة الأمن الداخلي الأمريكية أثنت، في وقت سابق، على بعض الفنادق بسبب تعاونها معها فيما يتعلق بالأمور الأمنية باستخدام بعض التقنيات مثل أجهزة التعرف على الوجوه. وعندما تدخل أماكن انتظار السيارات في فندق فينتاين ومجمع البالازو يقوم حراس الأمن بتفتيش صندوق السيارة. ويبدو أن هذا لم يحدث في فندق ماندلاي، ومن المرجح أن بادوك أدخل ترسانة أسلحته في حقيبتين وتوجه إلى المصعد ليصل إلى الطابق رقم 32. ولكن هل ستتغير لاس فيغاس الآن إلى الأبد؟. يقول تيكي نيليس وهو سائق سيارة أجرة من أرتيريا ويعيش في المدينة منذ فترة طويلة: "إن هذا الحادث مخيف بالنسبة إلى المدينة، وسيء بالنسبة إلى كل شيء؛ ولكن هذا الرجل كان يمتلك كل ما يحتاجه. كان يمتلك منزلا ومالا! وكان أمريكيا". وقال ممثلو المدينة وكبار رجال الأعمال، في حديث خلال قداس لتأبين القتلى، إن أفضل شيء يمكن لمواطني الولاياتالمتحدة أن يفعلوه الآن هو أن يقلدوا الرئيس ترامب ويزوروا المدينة. *د.ب.أ