يحتج الإنسان العربي على صورته المشوهة في السينما الأمريكية كثيراً. صورة التشويه هي لعبة مغرية، جديرة بالبحث والدراسة والتتبع، لذا فالإنسان العربي في العراق، الذي يصور كإرهابي خطير، مثله مثل المصري أو المغربي..لا يختلف كثيراً عن الفيتنامي الذي شوهت السينما الأمريكية صورته بشكل فادح، وهي الصورة نفسها عن الشيوعي، سواء في الصين أو الاتحاد السوفييتي سابقا أو في كمبوديا، أو الألماني إبان أو بعد الحرب العالمية الثانية. هي هوليوود نفسها، الوجه الآخر للسياسة الأمريكية، وهي أحد تعبيراتها الكبيرة، فكيف صورت الإنسان الفيتنامي؟. فيتناميون بلا ملامح: ليس غريباً أن يبدو الإنسان الفيتنامي في السينما الأمريكية بلا ملامح وبشكل ضبابي، ففي الفيلم الشهير "القيامة الآن" 120 دقيقة / 1979 للمخرج ستانلي كوبريك، في المشهد الأخير يصور المخرج الفيتناميين كقتلة، بحيث يعمدون إلى قتل ثور بشكل همجي ووحشي، في إشارة إلى علاقة الفيتنامي بالحيوان. وفي الفيلم الشهير «بلاتون» (الخط الأحمر / الفصيلة العسكرية) 1996 للمخرج العالمي أوليفر ستون، يبدو المحاربون الفيتناميون بلا محيا، مسلحين ومدججين ومختفين بين الأشجار والأعشاب وهم يقتلون ويخربون قرية بكاملها، في حين يصور بالمقابل الجندي الأمريكي وهو ينقذ طفلة صغيرة.. وفي مشهد آخر يضحي طبيب جندي من أجل إنقاذ طفل صغير ملطخ بالدماء، ويتأسف عن قتل شابة فلاحة ترعى بقرة مقطوعة اليد اليسرى لاعتبارها خائنة للفيتناميين. وفي أحد المشاهد بالغة القسوة، وفي حدة الانتقام، يعمد جندي أمريكي إلى اقتلاع قلب محارب فيتنامي. في فيلم «الإنقاذ في الفجر» 2006/ 126 دقيقة للمخرج وارنر هِيرزوك يظهر الإنسان الفيتنامي كبهلواني وقزم، بثياب ممزقة، مسلح، بشعر طويل، يضع نظارات شمسية، مع أطفال صغار يدخنون. صور تعكس الصورة الكاريكاتورية الساخرة التي ترسمها السينما الأمريكية بعد أزيد من أربعين سنة عن الحرب الفيتنامية. وفي فيلم «هضبة هامبركر» 1987/ 105 دقائق للمخرج جون أرفين، يبدو المحارب الفيتنامي غائباً بشكل متعمد، وهي تقنية لجأت إليها السينما الأمريكية لتهميش الإنسان الفيتنامي الذي يعكس ظهوره على الشاشة ثقلاً نفسيا على الإنسان الأمريكي. في هذا الفيلم يوصي قائد الكتيبة الأمريكي جنوده بعدم الاقتراب من الفيتناميات لأنهن يحملن أمراضاً جنسية خطيرة. تظهر المرأة الفيتنامية في هذا الفيلم عاهرة في منزل للبغاء، بذيئة، يعطين للجنود الأمريكيين حصصاً للتدليك، ويصف الجندي الأمريكي الفيتناميين بأنهم "أبناء عاهرات". تعد مركزية في هذه الأفلام شخصية العاهرة التي تظهر تطيب خاطر الأمريكي ولا يهمها سوى المال وبيع اللذة للجنود الأمريكيين. في هذا الفيلم تصف صاحبة محل البغاء/القوادة الجنود الأمريكيين بأنهم «غرباء الأطوار»، ويظهر الأطفال متسولين. في فيلم «البذلة المعدنية» (وُلِد ليقتل) 1978 تظهر في أحد المشاهد عاهرة بمشية مترنمة ولباس شفاف تحادث جنديين أمريكيين وتعرض عليهما الجنس، وتقول في الحوار القصير الذي دار بينها وبينهما أنها «محمومة، ومتعطشة وتمارس الجنس بشكل جيد، وتقبل ممارسة الجنس من ومع كل الوضعيات، ومستعدة لفعل أي شيء في الفراش… مقابل خمسة عشر دولاراً، وبعد المساومة والسخرية منها تقبل بعشرة دولارات لكل جندي». وفي مشهد آخر يأتي فيتنامي يمتهن القوادة بعاهرة من الدرجة الأولى تقول إنها تقوم بكل شيء في الفراش، وإنها ترغب في ممارسة الجنس مع مجموعة كبيرة من الجنود الأمريكيين. في فيلم «القيامة الآن» وفي مشهد قنبلة الجزيرة يتم قتل المعلمات في مدرسة وهروب الأطفال الصغار في هلعٍ وخوفٍ، وتعنيف امرأة في مركب وقتلها والاحتفاظ بكلب صغير كناية عن أن الجرو أفضل من الإنسان الفيتنامي. ويظهر الفيتنامي بليداً وأبله لا يعرف كيف يستخدم رشاشاً أو يصنع شيئا ينتفع، وحتى اللغة الإنجليزية تستعصي على من يتعلمها، وتثير سخرية الآخر وضحكاته، كما هو الحال في فيلم «صباح الخير فيتنام». وفي فيلم «صباح الخير فيتنام» 97 دقيقة/ 1987 للمخرج باري ليفنسون، تظهر الفيتناميات فتيات عاهرات يرفهن ويسلين جنود البحرية الأمريكية في المطعم، بينما صاحب المطعم قواد والأخ يقود أخته للصحافي الأمريكي (جسد الدور روبير وليامس). يظهر الفيتنامي حتى لو كان فتى مراهقا خائناً يخون ثقة الأمريكي، ويظهر الفيتناميون بوجوه عابسة وبنظرتهم الحاقدة. ويصور الفيلم الذي يطبع مع الإنسان الفيتنامي الأطفال الصغار جنوداً، وحتى القطط تظهر بائسة ومتسخة ومنتشرة في مجموعة من اللقطات. وفي جزء من الفيلم التجاري «رامبو» تظهر الفيتنامية تشتغل مع المخابرات الأمريكية ومتواطئة مع الأمريكيين، وتكن الحقد والغضب للفيتناميين وعشيقة لجندي أمريكي. وفي فيلم «البذلة المعدنية» يصور الفيتنامي كسارق، إذ يفاجأ جنديان أمريكيان بسرقة كاميرا لهما من قبل شاب فيتنامي يتباهى بالسرقة. الأرض الفيتنامية: أرض اللعنة يمكن تقسيم جغرافية فيتنام في السينما الأمريكية إلى قسمين كبيرين، المدينة والقرية. يصف بطل فيلم «القيامة الآن» مدينة سايغون الفيتنامية ب«الملعونة». وفي فيلم «صباح الخير فيتنام» تظهر المدينة عبارة عن حانات وأوكار للدعارة وأمكنة التربص بالجنود الأمريكيين. وفي فيلم «هضبة الهامبركر» تبدو المدينة قاتمة يصفها بطل الفيلم بأنها «أرض للأمراض والأوبئة» مليئة بدور القوادة، بدون بنيات تحتية، وبالازدحام في لقطات سريعة. تبدو القرى الفيتنامية في السينما الأمريكية مقفرةً، ففي فيلم «الإنقاذ في الفجر» تبدو القرية بائسة ببيوت من الخشب والقش، ويظهر أهلها عراة حفاة بشعور طويلة. ويظهر السكان القرويون في القرية وهم هائمون يتبعون البقر. وفي الفيلم ذاته يعمد أحد جنود البحرية إلى إحراق محاصيل الأرز. كما تبدو القرية في فيلم «القيامة الآن» ضبابية ومظلمة وسط أشجار السفانا الكثيفة والأوحال، حيث تظهر على جنبات النهر قرى بائسة، وفي الأشجار يظهر بعض الفيتناميين معلقين على الأشجار من أعناقهم انتقاماً منهم ومن أفعالهم. عموما تظهر الأرض أرضا للملاعين وللشر المطلق، ومن يقوم بتطبيب الفيتناميين وإدخال الحضارة إليهم هم الأمريكيون. وترسم صورة قاتمة عن الإنسان الفيتنامي كقاتل يحب سفك الدماء بلا ملامح، كل ما يهمه هو القتل والتخريب. وفي فيلم «القيامة الآن» يقول البطل بالحرف «أحب تنشق رائحة النابالم كل صباح». وفي فيلم الوثائقي «قلوب وأكاذيب» 1974 إخراج لانديون. ب. جونسون، تظهر الطفلة الفيتنامية الشهيرة وهي عارية خائفة مرعوبة تجري هائمة، يتلقفها الجنود الأمريكيين، وتظهر على جسدها حروق بليغة.. تقول إحدى شخصيات الفيلم «يعتمد الانتصار النهائي على القلوب والأكاذيب». حرب فيتنام: فيلموغرافية التشويه كانت خشية الرئيس السوفييتي السابق نيكيتا خرتشوف من السينما أكثر من أي شيء آخر، وكان يردد «أخشى هوليوود أكثر من خشيتي من الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات». بالفعل ترسانة من الأفلام الأمريكية في صيغتها الحربية أو الاجتماعية أو السياسية أو الكوميدية… لكن في عمقها تشوه الأرض والإنسان بصور بائسة وحقيرة وتسخر منه. وحتى الأفلام التسجيلية والوثائقية والروائية الطويلة التي نقول عنها «متعاطفة» مع القضية الفيتنامية فإنها لا تخلو بين الحين والآخر من صور التشويه، كما هي حالة المخرج أوليفر ستون وأفلامه الثلاثة والأمر نفسه بالنسبة للمخرج ستانلي كوبريك وفرانس فورد كوبولا. في الفيلم الافتتاحي لهذه الأفلام نجد فيلم «القبعات الخضر» يفتتح بوابة التشويه إلى أقصاها، إذ يصور مذبحة ماي لاي التي قتل فيها سنة 1968 نحو 500 من المدنيين الفيتناميين في إحدى القرى الفيتنامية في الجنوب الفيتنامي، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، مع اغتصاب عدد كبير من النساء، على أنه فعل بطولي أمريكي بدون وخز للضمير لأن ما يصوره افتراء على التاريخ. أفلام المخرج أوليفر ستون رغم التعاطف النسبي لا تخلو من نفحة التشويه تحت قوالب إبداعية، كما هو حال فيلم «الفصيلة العسكرية»، «بين السماء والأرض»، و«بلاتون»، و«ولد في الرابع من يوليو». الأمر نفسه في فيلم «العودة إلى الوطن» 1978 من إخراج هيل أشبي. وفيلم «نحن الجنود» الذي يصور إحدى المعارك الحامية الوطيس في فيتنام، من بطولة ميل جيبسون. لتتوالى الأفلام من أواسط الستينيات من القرن الماضي. عقد الثمانينيات لم يخل من أفلام تجارية «رامبو» وسياسية واجتماعية تعالج حرب فيتنام من منظور خاص، ومن بوتقة توشي بأن العدو عدو رغم قنابل النابالم العنقودية والقتل المجاني وإحراق الأرض والعباد..فهناك حاجة للاعتراف بالذنب الكبير المنغرس في الأعماق، وطعم الهزيمة المرة التي ذاقها وتذوقها الأمريكيون في حرب فيتنام، والعقد النفسية التي تلاحقهم إلى يومنا هذا. نال الإنسان العربي حظه من التشويه ولازال..هوليوود فقط تطبيق حرفي للسياسات الأمريكية..لذا من لم ينتج صورتها فهو محكوم بالموت.. فهل يستوعب الإنسان العربي والمغربي هذا الدرس الفكري البليغ…