ولد أوليفر ستون في 15 شتنبر عام 1946 بمدينة ينويورك، وقضى جزءا من طفولته في فرنسا، قبل أن يعود مع والديه إلى مسقط رأسه ورأسه ممتلئة بالصور السينمائية بفضل والدته التي كانت تدمن الذهاب إلى السينما. وقد تلقى تعليمه بجامعة بيل وجامعة نيويورك. وعقب ذلك تطوع في الجيش، حيث اشتغل معلما في إحدى المدارس، قبل أن يخدم في حرب فيتنام كجندي. وقد حصل على نجمة الشهامة البرونزية. درس أوليفر ستون السينما على يد مارتن سكورسيزي بنيويورك. وكان لفيلمه السياسي «سلفادور» عام 1986 الفضل الكبير في تحقيق أعلى شهرة حيث رشح لجائزة الأوسكار، ناهيك عنم فيلم «بلاتون» الذي حقق شهرة عالمية واسعة. وقد تزوج أوليفر من نجوى سركيس عام 1971 ثم انفصلا وارتبط باليزابيث ستون عام 1981 ولديهما طفلان ثم تزوج من سان جونج يونج عام 1996 ولديهما طفل ويعتبر الفنان لويد كوفمان من اشد الاصدقاء المقربيين لأوليفر.. في ما يلي الدرس السينمائي الذي قدمه أليفر ستون سنة 2003 بمهرجان كان السينمائي كانت أمي فرنسية، وهي التي جعلتني أتذوق السينما، كما منحتني حظ أن أتكلم لغتكم. قضيت وقتا في فرنسا لما كنت طفلا، في لافيرتي- سوجوار، في سين إي مارن. حتى أنني تعلمت الفرنسية قبل الأمريكية.. أتذكر حتى الأفلام، مثل Si Versaille m'était conté لساشا غويتري، في أواسط الخمسينيات. جدتي كانت مهووسة بهذا الفيلم. لا يمكننا أن نكون سيئين تماما حينما نكبر وفي رأسنا ملوك فيلمSi Versaille m'était conté. جدتي كانت تحب الملكات. وهناك العديد من الفرنسيين الذين ما زالوا ملكيين. (ضحك في القاعة). في سنوات الخمسيتيات كانت توجد ثقافة سينمائية كبيرة في فرنسا. كانت هناك ملصقات رائعة، وأتذكر ملصق فيلم Johnny Guitarre، ملصق كبير منتشر في الأزقة. وكان لفرنسا نوع من الإعجاب بمشاهير السينما الأمريكيين الذين لم أرهم أبدا في مكان آخر. في منطقة لافرتي سو جواغ، كانت القاعة رائعة، صغيرة، لكنها جميلة، مع جهاز عرض أفلام قديم: وفي مساء كل جمعة وسبت، كان يعرض فيلم. بعد ذلك، وصلت مع والديّ إلى نيويورك. وهناك، كنت أذهب مع أمي إلى السينما، وأعتقد أننا شاهدنا معا فيلم «ذهب مع الريح» مئة مرة. كانت تحب السينما، وكانت «تسرقني» من المدرسة لترافقني إلى قاعات نيويورك. في ذلك الوقت ابتلعت «البرنامج المزدوج» ! فحين يعود والدي من العمل، لم يكن يلزم أن يعرف بأنني لم أذهب إلى المدرسة، ولهذا كانت السينما، بالنسبة لي ولأمي نوعا من النشاط السري. وقد قضيت شبابي هاربا بشكل سري إلى السينما مع والدتي، يومي الاثنين والأربعاء، في الغالب، إذا كانت هناك برامج أفلام متعددة. والدي أيضا كان يحب السينما، لكن على نحو مختلف. كان أكثر قسوة وانتقادا للأفلام. وحين كنا نذهب نحن الثلاثة، كان هذا مهما، لأننا نتعارك حول الأفلام. فوالدي، مثلا، كان يكره براندو، بينما كانت أمي تحبه. كانت هي عاطفية، وهو كان منطقيا وصارما: كان لا بد أن يكون الأكثر واقعية هو أن تكون السينما جزء من الحقيقة. فالسينما، إذن، كانت دائما مرتبطة بعائلتي. فجداي وأبواي هم من نقلوا إلي فيروس المشاهد الشغوف، وعلى أنا أن أنقل هذا الشيء إلى ابني. ولهذا، فهو موجود دائم في أفلامي. مثلا، حين يضع الفنان شخصية صغيرة في أحد أركان اللوحة، إنها وجهه، وهي نافذة حميمة. في كل فيلم، نرى ابني، وهذا منذ أن كان عمره سنتين. وهكذا، وبفضل السينما، استطعت حيازة ألبوم منذ سنته الثانية. دروس مارتن سكورسيزي أول ذكرى كبرى لدي مع الفيلم، كانت مع فيلم «على رصيف الميناء» ل»كازان»، من بطولة براندو تحديا في 1954. صمني اللون الأسود والأبيض. كنت في الثامنة من عمري، ولم أر قط هذا الأبيض والأسود. كان الأمر كما لو كان ينزلق، شيء جديد. وبعد ذلك كانت صدمة فيلليني في فيلم La Dolce Vita في 1960. لم أشاهد مطلقا فيلما كهذا. غير قابل للتحقيق، كان فيلما شخصيا جدا. وقد طبعني هذا الفيلم طوال حياتي. لكن في تلك المرحلة، وفي سن مراهقتي، لم أفكر مطلقا أن أشتغل في السينما.. ببساطة، لأنني لم أكن أعرف أحدا في هذا المجال. الصدمة التالية، كانت في العام 1965، في نيويورك، مع فيلم A bout de souffle الذي شاهدته مرات متعددة بعد ذلك. كان الأمر غريبا: كان الفيلم في الوقت نفسه فيلما شخصيا وغير قابل للتقليد، وأيضا فيلما قريبا مني، وهو الذي منحني لأول مرة الإحساس بأن السينما شيء رائع، وفي متناول يدي. وبدون شك، كان ذلك بسبب الشكل الجديد للمونطاج الذي يعمل على تسريع كل شيء: كل شيء أصبح ممكنا. فعلى سبيل المثال لم أشاهد مطلقا مشهدا للحب كما شاهدته في A bout de souffle، في غرفة باتريسيا. بدا لي الأمر كما لو أنه شكل أدبي جديد. وهكذا، بدأت أشاهد جميع الأفلام الفرنسية التي تعرض في نيويورك: فيلم Pierrot le fou الذي شاهدته، ربما، عشر مرات، وأيضا أفلام تروفو وشاغبول ومال. وكان ألان روزني يدهشني كثيرا. ومع ذلك، فهذا لم يكن يمنعني من الذهاب لمشاهدة أفلام أمريكية، وخاصة أفلام الحركة، فأنا أحب الحركة. كنت طالبا في جامعة يال، وكنت في قسم جورج بوش الابن، قسم 1968 في يال! لكنني تركت الكلية لأذهب إلى فييتنام، وهناك مارست التدريس في مدرسة، ثم أصبحت جنديا. وحين عدت إلى نيويورك، كنت ضائعا قليلا. بل كثيرا. كانت لدي الرغبة في التعبير، ولم أكن أعرف كيف. كنت أحب أن أكتب، ونشرت كتابا، ولكن هذا لم ينجح. لذا، قال لي صديق: «اسمع، يمكنك الذهاب إلى مدرسة خاصة كجندي قديم، سيدفعون كل المصاريف، ستكتفي بمشاهدة الأفلام». هكذا، التحقت بمدرسة السينما التابعة لجامعة نيويورك. كان أستاذي الأول يسمى.. مارتن سكورسيزي! وإذا لم يكن هذا حظا ! كنت سعيدا جدا في هذه المدرسة، حتى وإن لم تكن تتوفر على مال كثير. كنا نخرج أفلامنا لوحدنا، والمعدات لم تكن على أفضل حال، وبعض الأساتذة كانوا بدائيين! ولكن كنا جميعا أصحاب. كل واحد يصنع أفلامه الصغرى، أفلام قصيرة، وكنا نعرضها على بعضنا البعض. وفجأة، شدني هذا، وبدأت أخرج أفلام رعب قصيرة. وكان مارتن مسرورا جدا، وكان يشجعني على هذا الاتجاه، وينصحني بصنع أفلام شخصية: «عليك أن تخرج شيئا يوجد داخلك». وهكذا أخرجت فيلما مدته أربعة عشر دقيقة حول عودتي من الفييتنام Last Year in Vietnam، مستلهما فيلم L'année dernière à Marienbad لروزني. لم يكن الأمر فاشلا تماما، ما دام أغلب تلاميذ القسم، الذين كانوا عموما شرسين جدا، ويحلمون جميعا بصنع أفلام حول الاشتراكية والثورة، قد صرخوا بعد عرض الفيلم: «أوااه، ما هذا الفيلم !!!؟». وسمعت الكلمة السحرية التي نطق بها أحدهم: « Filmcréer » لم أنس مطلقا هذه اللحظة لأنها كانت بالنسبة لي التأكيد على أنه يمكننا أن نكون مجانين، لكن أحدا سيفهمنا يوما ما. كانت غطرسة الطلبة مذهلة ! وفي الحقيقة، كنا نتصرف جميعا كما لو كنا غودار، أو تروفو، أو شابرول. وكنا نعتقد أننا ملوك العالم الشباب.. في المقابل، كنا ننتقد بشدة أفلام السينمائيين الأمركيين القدامى لتلك المرحلة. أحيانا كان بعضهم يأتي إلى المدرسة، وكنا نسخر منهم: «أوه، هذا فظيع ! كم هو قديم هذا الشخص..». كنا متكبرين كثيرا كثيرا. لكن سكورسيزي، أوضح لنا شيئا فشيئا أنه ينبغي أن نشاهد أفلاما «قديمة». كان يتحدث، ويتحدث بإسهاب عن هؤلاء المخرجين الذين كاموا يبدون لنا كديناصورات: تورنو، راي، والش، بويل.. وتدريجيا، بدأت أفكر بأن هؤلاء الأشخاص يمكنهم أن يكونوا قد أنجزوا أشياء قابلة للمشاهدة. وهكذا، وجدت نفسي في الثالثة صباحا أشاهد على تلفاز قديم فيلم Shangai Express لجوزيف فون ستيرنبيرغ! كان مارتن ذكيا.. جعلنا بشكل شامل ننخطف بأفلام القديمة.. وفي صباح الغد، كان يأتي كما لو أن لاشيء حدث، طريا وبشعره الطويل، كان يقول لنا: «هل شاهدتم هذه اللقطة؟ هل لاحظتم النافذة؟ تم تصوير ذلك من هذه الزاوية، من اليسار إلى اليمين...». مع سكورسيزي، فهمنا أن السينما تصنع بالتفاصيل، وفهمنا أن هناك تقاليد. تقاليد الأفلام. كان من المهم أن نعرف القواعد. نعم، القواعد تتغير، ولكن ينبغي معرفتها بمشاهدة التقاليد. ومن هنا تأتي أهمية غودار الذي كان يخرق القواعد. لكننا على الأقل، تعلمنا القواعد بفضل المدرسة. وفي أحد الأيام، جاء جون كاسافيتس إلى القسم. كان هائلا. أخذ معه عشرين طالبا، ووضعنا في قاعة كبيرة، وجعلنا نلعب كممثلين معه في بعض المشاهد. مثلت مع كاسافيتس في مشهد، أتدركون ذلك ! هكذا نتعلم أشياء عن السينما. أما الشيء الأكثر أهمية التي تعلمته طوال سنوات التكوين مع سكورسيزي هو أن تقوم دائما بفعل الأشياء الشخصية التي تشبهك بعمق وحميمية، وإلا، ستشعر بنفسك فارغا. هذا هو المهم. وقد خرجت من مدرسة السينما بهذه الفكرة في الرأس. بعد ذلك، كانت كل حياتي كسينمائي تتضمن أن أتعلم بنفسي تلك النسبة المتبقية 0.01 % التي هي الإخراج، والتي تغير كل شيء حين نخرج فيلما. فعبر هذه النسبة، مع حساب التفاضل والتكامل، يصبح الفيلم جيدا أو العكس. فمثلا، ليس تصوير مشهدا حربيا أكثر صعوبة من تصوير حوار شخصين يجلسان على مقعد. بل العكس هو الصحيح غالبا. ثم إن مشهدا حربيا يمكنه أن يكون في رأسك، لكن مع شخصين يتحدثان.. إنها الحرب على مقعد.. وربما تصوير ذلك هو الأكثر أهمية. لكن الحرب، وها أنا أعود إليها، من الصعب تصويرها، صعب جدا. ليس لأن ذلك خطر فقط بل معقد. شاركت في حروب كثيرة، وتحديدا في فييتنام، لكنها حرب قديمة الآن، ومختلفة جدا عن التي نراها اليوم. ورغم هذه التجربة، لست متأكدا من ما إذا كنت قد نجحت حقا في تصوير الحرب.. في موقع التصوير، هناك الممثلون، وهم بالتأكيد مهمون، لكن الشخصية المحورية، الشريك الأساسي للمخرج، هو مدير التصوير، الرجل الذي يناقشه طيلة وقت التصوير فمعه يتعين الاشتغلال، وإعداد المشاهد، وتشكيل الإنارة.. مع ذلك السؤال الذي يستطيع السينمائي وحده، الجواب عليه: ماذا ينتظر من مدير التصوير؟ إنه نوع من البديل: هل يعطيه توجيهات دقيقة أو على العكس يترك له نسبيا الحرية في تحركاته واقتراحاته؟ لأن مدير التصوير هو صديق وزميل، وهو أيضا عدو. ففي موقع التصوير، لابد من الانتباه لكل شيء حولك: المساعدون يعطون قوة للسينمائي لكنهم ينزعونها منه كذلك. ولهذا لابد من معرفة كيفية الدفاع عن أفكارك لأن الجميع يغيرها ويحولها خلال التصوير. لابد من الحفاظ على التصور الشخصي، وإلا فإن الفيلم في المحصلة لن يشبه كليا السينمائي، وإذا كان لابد من إعطاء نصيحة فهي كالتالي: عندما تصبحون سينمائيين، حافظوا على أفكاركم الأصلية، وهذا في الغالب هو الأصعب في التصوير، لأن هناك الكثير من الضجيج والكثير من الناس تستمع إليهم، والكثير من القرارات التي يتعين اتخاذها في ثوان، والكثير من الأصوات في الآذان. خلال تصوير فيلم JFK مثلا في دالاس، قتلنا الرئيس 25 مرة.كان هناك الكثير من الضوضاء والكثير من الجلبة، ومئات الأشخاص يتحركون ذهابا وإيابا في كل الإتجاهات، إنه أمر مثير ومتعب. ورغم ذلك كان يتعين أن يبقى هذا الفيلم لي أنا. ذلك أن إنجاز فيلم هو في النهاية الجواب على هذا النوع من الأسئلة مع الحرص على الاحتفاض في زاوية من رأسك بأنه يتعين بالضرورة إيجاد نسبة 0.01 % من الإخراج الشخصي. في كل فيلم، قد يكون هذا الإخراج مختلفا، يتعين معرفة تننويع المؤتمرات، وأنا تأثرت بنوعين اعتبرهما مهمي: فيلم الرعب والفيلم الوثائقي، بدأت بالنوع الأول عندما صورت فيلم The hand وهو فيلم صغير سنة 1981 . غير أنني أهتم أكثر فأكثر بالنوع الثاني، كما يوضح ذلك فيلم Commandante، فيلمي الوثائقي حول فيديل كاسترو (2003). وأنا أحاول قدر الإمكان المزج بين هذين النوعين في أفلامي. فمثلا، من الواضح بالنسبة لي أن فيلم JFK هو مزيج من الفيلم الوثائقي، مع رغبة واضحة في الواقعية المطلقة، وفيلم الرعب، ما دام أن أمريكا تحولت يوم اغتيال كينيدي نحو الرعب، نحو شكل من أفلام الرعب المسترسل. بالنسبة لفيلم مثل Platoon الذي يستند إلى ما عشته ورأيته شخصيا، في الميدان، في فيتنام قبل 20 سنة، وبالتالي الجزء الوثائقي في الفيلم مهم بالتأكيد، ومدير تصوير هذا الفيلم، روبير ريتشارد سون، لم يعش هذه التجربة لكنه اشتغل كمصور في السالفادور خلال المعارك التي جرت هناك، بدأت بالعمل معه في تصوير فيلم Salvador سنة 1985، حيث كان فعالا ومبدعا مجسدا بشكل مضبوط التجربة التي عاشها. أما بالنسبة لفيلم Platoon فقد اشتغل ضمن هذه الاستمرارية: إنجاز فيلم حربي في الميدان كما لو كان هناك. في كل مرة أعيد مشاهدة هذه الأفلام Plantoon أو Salvador، أفكر في العراق. إنه الشيء نفسه اليوم كما كان قبل 40 أو 20 سنة، المسلسل نفسه و الورطة نفسها. وفي كل مرة، تذهب أمريكا إلى الحرب من أجل المال، وفي كل مرة تندم على ذلك بسرعة، مضحية بسمعتها، وأيضا بكثير من الجنود الشباب. وكلما غاصت أمريكا في النفق كلما ذهبت للبحث عن الحرب، كما لو أن التاريخ يلجلج. المونطاج والعمل على بنية الفيلم وبالنسبة لي، ربما المرحلة الأهم في الفيلم هي التوضيب (المونطاج). وعلى سبيل المثال، هذا مهم جدا بالنسبة لجميع أفلامي السياسية، لكونها أعمال حول التلاعب والسلطة. هذا ينطبق على فيلم JFK ، وعلى فيلم Nixon ، وأيضا بنطبق الأمر على فيلم Né un 4 juillet الذي صورته سنة 1990 مع طوم كروز، مثلما ينطبق على فيلم Tueurs في سنة 1994 . في كل مرة أحاول المزج بين عدة مستويات من الوقائع وهو أمر صعب ومعقد في الغالب، ولكنه يمكن أن يستحق ذلك العناء حتى أنجز فيلما يشبهني أكثر. شخصيا أعتقد أنه ليست هناك حقيقة أو واقع، ولكن العالم مصنوع من عدة تصورات، ومن حقائق مختلفة، في المونتاج أشتغل بطريقة مختلفة عن المعتاد، ولكن قبل سنوات بدأت اشتغل بعدة لوحات مونتاج، وعدة استوديوهات للمونطاج بشكل متواز. إنني اعتبر أن المونطاج يعني إنهاء كتبنا وما صورنا، ولكن بمعنى إبرازه ووضعه في صيغته النهائية، وهذا شيء مهم جدا. انها لحظة نستطيع خلالها العمل على بنية الفيلم. إذ بالإمكان تغيير أشياء كثيرة. يمكن تغيير سطور في النص، و يمكن القيام بتجارب. فبالنسبة للفيلم فهو بمثابة معطى جديد أو فرصة جديدة، وفي بعض الأحيان الفرصة الأخيرة. في هذا المستوى إذن اشتغل، بالخصوص مع موظفين شباب. أحاول تطويرهم بشكل مواز، مثل فريق أو ورشة مونتاج، كنواة مساعدين تقريبا كما في الجامعة، وفي هذه المرحلة بالضبط أتذكر أكثر سنوات دراستي في مدرسة السينما بنيويورك، ربما هذا الأكثر إثارة في الاشتغال على الفيلم.كل هؤلاء الموضبين يشتغلون معي، كل واحد في استوديو للمونطاج، أتنقل لأرى كل واحد، اشتغل معه، أتحدث معه، ثم بعد يومين أو ثلاثة يلتقي الموضبون الثلاثة أو الأربعة، وجميعا نشاهد كل صيغة على حدة، ونقوم بنقد صارم لكل فيلم، نقد ذاتي بالأساس. أختار أجزاء من كل صيغة، في بعض الأحيان مقاطع كاملة من هذا الفيلم أكثر من الفيلم الآخر، و في بعض الأحيان يكون ضروريا تغيير مشهد وإعادة كل شيء مع أحد الموضبين. وشيئا فشيئا من وسط هذه الفوضى يبرز شيء ما: الفيلم. وفي الغالب الحلول المبتكرة أكثر هي التي تنجح أكثر. وفي أحيان أخرى الحقول السهلة والمنتظرة أكثر هي التي تنجح. يجب أن يكون لك فكر منفتح، وهذا هو أسلوب العمل الذي أفضل وأطبقه منذ أكثر من 10 سنوات منذ فيلم The doors، الفيلم الذي أنجزته حول جيم موريسون سنة 1991. قبل قليل قلت إنه في أغلب أفلامي نكتشف وراء واجهة المجتمع الأمريكي المناورة والتلاعب والفساد. ذلك أنه في هذا البلد وفي تاريخه، لا نبحث عن الحقيقة، بل نبحث أكثر عن إخفاء الحقيقة. إنها اشكالية عميقة وسياسية تشغلني كثيرا. أريد أن أركز وألح على هذا الموضوع في الختام، رغم أنني أعرف أنه يمكن تأويله بشكل خاطئ. نحن بالفعل اقتصاد عسكري، نحن بلد صناعي مهمته سياسية بالأساس، وهي ترمي، في كل المجالات إلى شكل من الهيمنة المطلقة، وهذا الأمر غيَّرنا بشكل عميق وأفسدنا. في أمريكا، أصبحت التكتلات المصالحية قوية إلى درجة أنه يوجد شكل من الفاشية الثاوية خلفها، وهذا يضر كثيرا بالبلد. هذا يعني مثلا أن هذه التكتلات واللوبيات القوية تتحكم في الدولة عبر الأموال الضخمة التي تعطيها للدولة ولرجال السياسة، ليست في أمريكا فكرة الخدمة العمومية. فمن يعطي المال للدولة ينتظر بالمقابل من الدولة أن تعطيه السلطة، ولو بشكل غير مرئي في الغالب، وهكذا يتم شراء أغلب السياسيين في أمريكا. وفي كل الأحوال، لابد لهم من أن يجدوا ملايين وملايين الدولارات لكراء مكاتبهم. في أمريكا هذه هي الحقيقة الأول: لا تستطيع أن تدخل السياسة بدون مال، إنها لعبة خطيرة جدا.