يستطيع الأطباء بحكم الممارسة اليومية ومعرفتهم بمضاعفات وعلامات الأمراض والتأثيرات المحتملة للإمساك عن الأكل والشراب معرفة القواعد العامة التي تسمح لهم أن ينصحوا بل وأن يأمروا أحيانا مرضاهم بعدم الصيام تفاديا لتطورات غير محمودة للمرض الذي يعانون منه. وهكذا فإن الأمراض التي يتعين معها الإفطار هي تلك الأمراض التي يخشى أن يزيد الصيام من حدتها أو من شدة أعراضها أو تلك التي قد يتسبب في طول أمدها وبالتالي في تأخير موعد الشفاء والمعافاة بالإضافة إلى الأمراض التي قد تطول فترة نقاهتها بفعل رمضان أو تلك التي تشتد فيها الحاجة إلى التغذية. وهكذا يمكن تصنيف حالات الترخيص بالإفطار إلى المجموعات التالية دون أن يعني هذا بأي شكل من الأشكال الاستغناء عن استشارة الطبيب المسلم في هذه المسألة الذي يجتهد له وحده الحق في أن يجتهد ويقرر في شأن كل حالة على حدة. 1) أمراض تزداد فيها الحاجة إلى الماء: نذكر منها الأمراض المحمومة أي التي ترتفع فيها درجة الحرارة بفعل تعرض الجسم لتعفنات جرثومية حيث تتطلب الإكثار من شرب الماء لمنع حصول حالة جفاف لدى الشخص المصاب. تدخل أيضا ضمن هذه المجموعة آفات الكليتين والجهاز البولي حيث يتعين الإكثار من شرب الماء للحيلولة دون ركود الجراثيم في مجرى البول خصوصا عند المصابين بحصى الكلية أو بالتهاب المثانة، ويكون الترخيص بالإفطار أكثر إلحاحا في هذه الحالات إذا حل شهر رمضان في فصل الصيف. 2) الأمراض التي تشتد فيها الحاجة إلى التغذية: ونصنف ضمن هذه الخانة حالات نقص وسوء التغذية إذ لا يمكن أن نطلب من جسد منهك خائر القوى الصيام دون أن نجازف بتعقيد الوضع الصحي للمريض وكذا حالات فقر الدم الشديد وحالات قصور الكبد وتشمعه بالإضافة إلى الأمراض التي يقل فيها معدل السكر في الدم كداء أديسون. أما حالات فقر الدم الطفيفة فالملاحظ أن رمضان مفيد في شفائها وتحسين حالة المريض. كذلك فإن الأطباء يميلون إلى نصح مرضاهم بالإفطار في الحالات التالية: * مرض باسدو (Maladie de Basdow) أو فرط نشاط الغدة الدرقية (لابد من استشارة الطبيب المعالج). *بعض حالات هبوط الضغط الدموي خصوصا وأن حاجة المريض للغذاء تشتد في هذه الحالات. *عموما الأمراض المزمنة التي تتطلب معالجة طويلة والتي تتسبب في إنهاك الجسم وإضعاف صحته العامة ونقص مناعته كداء السل على سبيل المثال وكذا الأمراض التي لا يتحمل فيها الجسم أو العقل الصيام كالأمراض السرطانية والأمراض العقلية... إلخ. وفي مثل هذه الحالات قد يكون الإفطار خلال رمضان أمرا بديهيا ومفروغا منه. *داء السكري الذي لا تكفي الحمية لتحقيق نسبة للسكر في الدم في المعدلات الطبيعية والذي يستدعي من الشخص المصاب اللجوء إلى الحقن بالأنسولين أو تناول بعض الأقراص المخفضة للسكر. فيما يخص أمراض الجهاز الهضمي يثير الصيام لدى المصاب بقرحة المعدة بعض الإشكاليات، وهكذا نميز بين عدة مواقف يختلف فيها رأي الطبيب بين ضرورة الإفطار أو ضرورة الصيام. 1) إذا كان الشخص المعني يعاني من قرحة المعدة ويخضع للعلاج فهو شخص مريض أو على مرض معرض لمضاعفات خطيرة إذا صام قد تودي أحيانا بحياته إذا ما تأخر التدخل الجراحي لذلك فإنه في هذه الحالة يتعين وجوبا الإفطار. 2) إذا كانت لدى الشخص فقط سوابق مرضية تتعلق بإصابته في وقت سابق بقرحة المعدة في هذه الحالة يتوجب التأكد من الشفاء بواسطة فحص بالمنظار ثم التأكيد على المريض بضرورة الصيام. 3) أما الحالة الثالثة فهي الحالة التي لا يشخص فيها عند المريض قرحة للمعدة بل مجرد حموضة عالية. في هذه الحالة لم يثبت أن الصيام يسرع بحدوث قرحة المعدة لذلك يجب تشجيع هؤلاء المرضى وطمأنتهم بأنهم لا يتعرضون لأي خطر إضافي. كذلك يطرح حصى المرارة أكثر من سؤال في عيادات الأطباء خصوصا عندما يتم تشخيصه خلال هذا الشهر. في هذه الحالة إذا كنا أمام إلتهاب المرارة (Cholécystite) بحرارة مرتفعة وآلام فإن الجراحة تكون ضرورية بل ومستعجلة أيضا والصيام يكون ممنوعا طوال مدة النقاهة وتماثل المريض للشفاء. وفي حالة حصى مرارة غير مصحوب بأية أعراض أخرى فإن ما يخشاه المريض هو أن يتعرض لنوبات ألم بسبب الحصاة حيث نميز بين نوعين من المرضى: مرضى تكثر لديهم النوبات خلال الصيام ويتعين علاجهم، ومرضى تقل لديهم هذه النوبات خلال رمضان ويمثلون الأكثرية خصوصا عندما يتم الإلتزام بحمية غذائية خلال رمضان أيضا ويتعين تأكيد ضرورة الصيام بالنسبة لهم ثم حل مشكل الحصى بعد عيد الفطر. بالنسبة لأمراض القلب ينبغي التذكير فقط بأن الصيام يحسن من أداء عضلة القلب ويمدها بفترة للراحة هي في أمس الحاجة إليها، وبتخفيفه من السمنة وعدم امتلاء المعدة بالأكل يساهم في تخفيض الضغط على القلب من جهة الحجاب الحاجز. هذا في الحالات العادية أما في الحالات المرضية فيتعين على كل مريض بالقلب استشارة طبيبه المعالج قبل وأثناء وبعد رمضان للتقرير بشأن كل حالة على حدة. بالنسبة لأمراض الروماتيزم فإن الصيام مفيد في كل الحالات إذ يساهم في التخفيف من الضغط على المفاصل والفقرات ويقيها من التآكل من خلال نقص الوزن. وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن الشيخوخة ليست في حد ذاتها سببا للإفطار في رمضان فقد ثبت أن الصيام ممكن وله فوائد صحية بالنسبة للمسنين حيث أنه يجدد حيويتهم وصحتهم إذا كانوا لا يعانون من المرض، أما بالنسبة للأطفال فيمكن الشروع في تدريبهم على الصيام بالأساليب المعروفة في ثقافتنا وعاداتنا المغربية ابتداءا من سن السابعة. وفي الأخير لابد أن أشير إلى أن الصيام قد يشعر في بداية رمضان ببعض الأعراض كصداع الرأس وتعب عام وتعكر في المزاج مع ملاحظة احمرارات في الفم واللسان، لكن هذه الأعراض تكون مؤقتة فقط إذ سرعان ما تزول بمجرد تجاوز الأيام الأولى في رمضان حيث أنها تدل على أن الجسم بصدد التخلص من بعض النفايات والسموم التي تمر عبر الدم من خلال الدماغ والرئتين والقلب والأمعاء قبل أن يلفظها الجسم إلى الخارج.