تعيش العلاقات المغربية الموريتانية على وقع خلاف دائم بسبب انحياز الجارة الجنوبية للأطروحة الانفصالية، ودعمها المستمر لجبهة البوليساريو ومحتضنتها الجزائر ضدا على مصالح المملكة؛ وذلك بإشراف من الرئيس ولد عبد العزيز شخصيا. ورغم الخلافات، إلا أن الرباط أكدت، على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، أن العلاقات بين المغرب وموريتانيا مؤطرة بسياسة ثابتة جرى تأكيدها في محطات متتالية، مسجلة أَن المغرب ينتهج سياسة إفريقية شمولية يشتغل في إطارها وله رؤية تقوم على مبادئ حسن الجوار وتنمية العلاقات بما يخدم الشعبين. وفِي مقابل نفي الخلفي، في آخر اجتماع للمجلس الحكومي، وجود "أي موقف سلبي اتخذته الحكومة ضد موريتانيا، التي يتم الاشتغال معها في إطار القواعد التي تنظم العلاقة بين البلدين"، فإن محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، يرى أن "العلاقة مع موريتانيا تجاوزت منطق الأزمات الصامتة والعابرة التي قد تقع بين الفينة والأخرى بين الدول لتدخل مرحلة جديدة عنوانها القطيعة والتوتر". وأكد أستاذ التعليم العالي أن سبب هذا الخلاف يعود إلى اختيار رئيس موريتانيا، محمد ولد عبد العزيز، الاصطفاف إلى جانب الجزائر والبوليساريو، وتماديه في الإخلال بمنطق التوازن على مستوى المواقف تجاه الجيران وكل الروابط التاريخية والعلاقات الثنائية التي كانت تجمع بين البلدين منذ عقود من الزمن، معتبرا أَن ولد عبد العزيز اختار التصعيد والتماهي مع السياسات العدائية التي تنتهجها الجزائر ضد المغرب، بداية بالتصويت ضد عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي، مرورا بمواقفه الملتبسة إبان أزمة الكركرات، وصولا إلى رفض اعتماد السفير شبار الذي عينه الملك. وأضاف المتحدث أن مسلسل الاستفزاز والتحدي بلغ مستوى غير المسبوق؛ إذ وصل الأمر إلى درجة اتخاذ قرارات وخطوات ميدانية عدائية تهدد المصالح الحيوية والاستراتيجية للمغرب؛ وذلك من خلال توقيع اتفاقيات تهم إنشاء معبر حدودي يربط تندوف بالزويرات، منبها إلى أن الطرف الموريتاني باعتماده لهذه الخطوات الاستفزازية ضد المغرب، يكون قد أعلن بشكل صريح عن اصطفافه إلى جانب الجزائر وانخراطه في السياسات العدائية تجاه المغرب. "يحاول ولد عبد العزيز أن يجر موريتانيا إلى مواجهة دبلوماسية وإعلامية مع المغرب لامتصاص الأزمة الداخلية وتوجيه الأنظار عن الاحتقان الموجود، كما يسعى من خلال هذه التحركات إلى استقطاب المكونات القبلية الموريتانية التي لها امتداد قبلي في المخيمات والاستعانة بها لتجاوز الأزمة السياسية الداخلية"، وفق تعبيره. ويوضح الباحث أن ولد عبد العزيز أصبح يتعامل مع المغرب بندية وجرأة تثيران أكثر من علامة استفهام، مؤكدا أنه لم يسبق لأي رئيس موريتاني أن تعامل بمثلهما مع المملكة المغربية، مشيرا إلى أن الأمر وصل به إلى حد المطالبة بتسليمه بعض المعارضين الموريتانيين المقيميين في المغرب. من جهة ثانية، أكد الزهراوي أن انخراط الرئيس الموريتاني في مشروع إنشاء معبر تندوف الزويرات يعني أن الجزائر والبوليساريو، بعد فشلهما في أزمة الكركرات، يحاولان أن يفتحا جبهة جديدة في الصراع مع المغرب، لكن هذه المرة بأشكال وطرق مدروسة، موضحا أن "تنزيل هذا المعبر على أرض الواقع من شأنه أن يساهم تدريجيا في الاستغناء عن معبر الكركرات، وأن يؤدي إلى عزل المغرب عن عمقه الإفريقي؛ لأن مختلف المبادلات التجارية مع دول جنوب غرب إفريقية تتم عبر الكركرات". وختم الباحث حديثه مع هسبريس بالتأكيد على أن "هذا الوضع، وفي ظل صمت المملكة، يؤشر على وجود نوع من التخبط غير المفهوم والتراخي غير المبرر في معالجة هذا الملف، لاسيما وأن هذا المنحى يؤسس لتوزان مختل لصالح الجزائر، وهي سابقة خطيرة في العلاقة مع هذا الجار". وأورد المحلل أن موريتانيا تشكل عمقا استراتيجيا لحماية الأمن القومي المغربي، لكن الرئيس الموريتاني الحالي تجاوز كل الخطوط الحمراء بممارساته، خصوصا في ظل الحديث عن عزمه استعادة وثائق "اتفاقية مدريد" المبرمة مع الجانب المغربي في عهد الرئيس المؤسس المختار ولد داداه لابتزاز المملكة في ما يخص نزاع الصحراء؛ وذلك بتشجيع ومباركة من الجزائر.