61.5 مليون ناخب ألماني مدعوون إلى الإدلاء بأصواتهم يوم 24 من شتنبر 2017. في اليوم نفسه وفي حوالي الساعة 17:00 بتوقيت المغرب سيبدأ الإعلان عن أولى النتائج. الحملة الانتخابية الآن في ألمانيا قد وصلت إلى مراحلها الأخيرة. وما هي إلا ساعات تفرقنا عن يوم الحسم. أنجيلا ميركل Merkel) (Angela، عن حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي (CDU)، تريد قيادة ألمانيا للمرة الرابعة. منافسها مارتين شولتس (Martin Schulz)، عن الحزب الاجتماعي الديموقراطي (SPD)، يطمح في ما تبقى له من الوقت إلى تدارك فارق الأصوات، الذي هو لصالح المستشارة حسب استطلاعات الرأي. الحزب الديموقراطي الحر (FDP)، ذو التوجه الليبرالي، يريد العودة إلى البوندستاغ بعد غياب دام أربعة سنوات، فيما يريد حزب اليسار (Die Linke) وحزب الخضر (Die Grünen) تعزيز توجدهما في دواليب السياسة الألمانية. لكن تبقى أنظار المتتبعين مشدوهة إلى الوافد الجديد البديل من أجل ألمانيا (AFD)، ذي التوجه اليميني الشعبوي المتطرف، الذي لا محالة سيدخل البرلمان الاتحادي كما دخل منذ تأسيسه سنة 2013 إلى 13 من أصل 16 برلمانا محليا. ماهي إذن المواضيع التي تطرح نفسها في هذه الحملة وكيف يتم التعامل معها من طرف الأحزاب كل على حدة؟ الاقتصاد والمجتمع 299 مركزا انتخابيا ستفتح يوم 24 شتنبر 2017 أبوابها لاختيار المستشار أو المستشارة رقم 19 لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية لقيادة البلد للسنوات الأربع القادمة. كل الأحزاب تعد المواطنين الألمان بدخل أوفر، بتحسين وضعهم الاقتصادي وبرعاية صحية أفضل للمسنين. لبلوغ هذا الهدف يخطط كل من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاجتماعي الديمقراطي لخفض الضرائب عن الدخل. كما يعد مرشح الحزب الاجتماعي الديمقراطي، مارتين شولتس، المواطنين أصحاب تقاعد ضعيف بالوقوف بجانبهم عن طريق خطة سماها "التقاعد التضامني"، تلزم بالاقتطاع من أموال أصحاب الدخل العالي لفائدة الفئة الأقل دخلا. في سباقها حول نيل رضى الأسر، وخاصة الأمهات، لا تتوانى الأحزاب في نثر وعودها هنا وهناك. فلتمكينيهن من العودة إلى مناصبهن في العمل بعد الإنجاب مثلا، يقدم الحزبان ضمانات للعنصر النسوي كحق أبنائهن في الرعاية مبكرا في الحضانات ورعاية أطفال المدارس الابتدائية طول اليوم، كما يريدان دعم الأسر مباشرة عبر الرفع من مبلغ التعويض العائلي للأطفال وإجراءات أخرى. على صعيد الصناعات، شدت فضيحة سيارات الديزل الملوثة الأنظار إليها طيلة أشهر. كل المركات الألمانية الكبيرة تورطت في التلاعب بمحركات الديزل. موقف حزب الخضر من هذه الفضيحة هو منع محرك الحرق الداخلي كليا. بينما يراهن الحزب الاجتماعي الديمقراطي على "قانون لحماية البيئة" من أجل إجبار مصنعي السيارات على الالتزام بالمعاير المحددة، فيما يرى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في تكنولوجية الديزل حلا آنيا ويريد من الشركات العمل على تطوير محركات صديقة للبيئة. موضوع آخر يطرح نفسه بشدة في هذه الحملة هو مسألة الرقمنة. فكل الأحزاب تتفق على أن على ألمانيا الاستثمار أكثر في البنية التحتية الرقمية لردأ الفارق بينها وبين البلدان الصناعية الأخرى. الهجرة وإن كانت أعداد النازحين الذين وصلوا إلى أوروبا وألمانيا تحديدا قد تراجعت مقارنة بما كانت عليه في 2015/2016، إلا أن موضوع الهاربين من أفغانستان، الشرق الأوسط وإفريقيا، يشكل هاجسا لكل الألمان، ومن ثم فلا غرابة أن جميع الأحزاب تتسابق لترويج أفكارها وتقديم سياساتها في هذا المجال من أجل كسب ود الناخبين. لكي لا تثير امتعاض الألمان، فإن المستشارة، ميركل، تتجنب في حملتها الظهور برفقة نازحين، كما فعلت عند بدأ أزمة اللاجئين، لأن ذلك قد يكلفها انتخابيا الكثير. خطتها هي أنه من الأفضل أن لا يصل اللاجئون إلى أوروبا؛ إما أن يبقوا خارج أسوارها أو حبذا لو يظلون في بلدانهم الأصلية أو البلدان المجاورة في حالة الحرب. من أجل ذلك، فقد وعدت ميركل المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ب 50 مليون يورو في السنة الجارية لمجابهة مشاكل الهجرة غير النظامية في العالم. كما تريد عقد اتفاقيات، على شاكلة تلك التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع تركيا، مع بلدان في شمال إفريقيا وتثبيت السلم في ليبيا على الأخص، ومن ثم العمل مع الليبيين من أجل القضاء على عصابات مهربي البشر. ومن أجل خفض عدد اللاجئين على المدى البعيد، ينادي الاتحاد المسيحي (CDU/CSU) كذلك بتصنيف المغرب، الجزائر وتونس كبلدان آمنة. بينما تعمل الأحزاب الكبرى على العمل من أجل اندماج أفضل للأجانب وحلحلة مشكل النازحين بإجراءات سياسية، دبلوماسية واقتصادية، يصطاد حزب البديل من أجل ألمانيا في الماء العكر ويشيطن جميع الأجانب التي ترى فيهم تهديدا ليس فقط لاقتصاد البلد، بل أيضا على استقرار البلد جملة وتفصيلا. الحل حسب حزب البديل هو بناء مراكز استقبال في شمال إفريقيا وترحيل كل الأفارقة المتواجدين فوق التراب الألماني إلى هناك، وأيضا استقبال طلبات اللجوء في تلك المراكز. يعد حزب البديل بالوصول إلى اتفاق ملزم مع بلدان المغرب العربي في غضون ثلاثة أشهر. غير أنه من الناحية العملية لا يمكن تحقيق هذه الخطة بهذه السرعة، وبناء مراكز للإيواء في شمال إفريقيا يعني عدا ذلك إمكانية تقديم كل إفريقي لطلب اللجوء إلى ألمانيا مع الحق في التبرير في حالة الرفض من طرف محكمة ألمانية. هذا الأمر مستحيل بالنظر إلى الأعداد الكبيرة للمضطهدين والنازحين لأسباب اقتصادية أو بيئية في القارة السمراء. هنا تظهر شعبوية حزب البديل في الترويج لأفكار سهلة رنانة، لكنها غير قابلة لتنزيل على أرض الواقع. الأمر بالنسبة لهذا الحزب سيان، فما دامت كل الأحزاب متفقة على عدم التحالف معه من أجل تشكيل الحكومة، فإنه لن يتردد في إطلاق الوعود، المهم هو استمالة أصوات الناخبين من اليمين المحافظ وكسب أصوات الحانقين على السياسة النيوليبرالية لبرلين، لتموقع بشكل أفضل في المعارضة، فمن المنتظر أن يحصل حزب البديل على 10 في المائة من أصوات الناخبيين حسب استطلاعات الرأي. السياسة الخارجية يبقى تأثير ألمانيا في الساحة الدولية محدودا. فبالرغم من كونها قوة اقتصادية إلا أنها ليست من الأعضاء الدائمين في الأممالمتحدة، ومن الناحية العسكرية لا يمكن مقارنتها البتة بأمريكا أو روسيا. لكن لا يخفى الدور الكبير لألمانيا في الساحة الدولية كمفاوض ووسيط في قضايا جد حساسة على الساحة الدولية. فلقد لعبت برلين، على سبيل المثال، دورا أساسيا في الوساطة بين الإيرانيين والغرب في الملف النووي. كما أن ألمانيا هي محرك وعصب الاتحاد الأوروبي. موضوع آخر في السياسة الخارجية ترك بصمته على الانتخابات الألمانية هو العلاقات مع تركيا، التي ما فتئت تسوء بعد حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات التركية على مزدوجي الجنسية. أنقرة تقول إن الأتراك حاملي الجنسية الألمانية الموقوفين إما متورطون في محاولة الانقلاب الفاشلة أو داعمون للإرهاب. كل الفرقاء السياسيين الألمان متفقون على رد الصاع لتركيا وردعها، التي وصل بها الحد إلى منع برلمانين ألمان من زيارة إحدى قواعد الناتو فوق الأراضي التركية للقاء جنود ألمان هناك يدعمون الإتلاف الدولي في حربه ضد ما يسمى ب "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق. فأصبح الكل في ألمانيا يتفق على وقف المفاوضات بشأن انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي. العلاقات مع تركيا قد تزيد سوءا إذا لم يجلس الجانبان إلى مائدة المفاوضات، خصوصا أن سنة 2019 سنة انتخابات في تركيا، فأردوغان لن يتوان في التهجم على برلين، ما دامت برلين تجنح إلى المواجهة. دور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منذ بدء الحملة الانتخابية والسياسيون لا يفوتون فرصة للترويج لبرامج أحزابهم بجميع الوسائل: الورقية، السمعية والبصرية. في العالم الواقعي يتبارون حول كسب ود الناخبين مجاهرة، لكنهم يخوضون أيضا حربا محمومة في العالم الافتراضي. فكل الأحزاب رفعت في الانتخانت البرلمانية هذه السنة من مزانيتها المخصصة للترويج لبرامجها على الشبكة العنكبوتية. هذه الأخيرة تعج بالصفحات، التي تقدم المساعدة للناخبين في اختيار الحزب والمرشح الذي سيمثلهم تحت قبة البوندستاغ. أقدم صفحة تتواجد منذ 15 سنة، وهي تلك التي يسهر عليها المركز الاتحادي لتكوين السياسي والمسماة ب "Wahl-O-Mat" والمتوفرة أيضا على شكل تطبيق للهواتف الذكية، وتشتغل كالآتي: يطلب من الناخب الإجابة عن 38 سؤالا. يمكنه الإجابة عنها بنعم أو لا أو بالحياد. بعد ذلك يمكن للناخب مقارنة أجوبته بأجوبة حوالي ثمانية أحزاب، ومن ثم يرى مع أي حزب تتطابق أجوبته أكثر. تبقى مواقع التوصل الاجتماعي المكان الرحب والأنسب لترويج الأحزاب لنفسها والدخول في تواصل مباشر مع شريحة عريضة من الألمان. فحوالي نصف الناخبين الألمان (30 مليونا) يتوفرون على صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مثلا. هناك تستهدف الأحزاب مجموعات بعينها لتقدم لها حملة انتخابية على المقاس، والأدهى من ذلك أن المستهدفين لا دراية لهم بمآرب الأحزاب. هذه الحملة غير الشفافة تبقى سرية وفي طي الكتمان. كل هذا ممكن بفضل تقنية (Dark Ads or Microtargeting). فإن كان المستهدف محافظا مثلا فإنه، يتلقى من حزب الاتحاد المسيحي إعلانا انتخابيا يلعب بمشاعر الخوف من اللاجئين. وإن كان المستهدف ليبراليا، فإنه يتلقى من الحزب نفسه مقولة من ميركل تدعو فيها إلى التضامن والتآزر. لكن يبقى خطر مواقع التوصل الاجتماعي هو التلاعب بالحقائق، نشر أخبار زائفة والترويج لأفكار يمينية عنصرية. فأكثر الأحزاب نجاحا في النت هو حزب البديل. عنف لفظي واعتداءات الملفت للنظر في الحملة الانتخابية للبرلمان الاتحادي هذه المرة هو تزايد استعمال العنف بشكليه اللفظي والفعلي. المكتب الاتحادي للتحقيقات (BKA) أحصى، في نشرة 13 شتنبر 2017، ما مجموعه 2250 جنحة، بينها 54 اعتداء جسديا، لكن تبقى جنح التخريب، السب، القذف، والترويج لأفكار تخالف روح الدستور تهيمن على هذه المخالفات. فحتى المستشارة ميركل لم تنج من السب والقذف، خصوصا في الولايات الشرقية. متظاهرون محسوبون على حزب البديل ومن النازيين الجدد حملوا لفتات تظهر صور المستشارة مع علامات المنع عليها، وعملوا غير ما مرة وفي أماكن مختلفة على التصفير ومعاكسة اللقاءات العلنية للمستشارة. وزير العدل، هايكو ماص (Heiko Maas)، عن الحزب الاجتماعي الديمقراطي، كان أيضا ضحية لهذه الاستفزازات. عدد كبير من حالات العنف التي تم تسجيلها من طرف المكتب الاتحادي للتحقيقات كانت موجهة ضد حزب البديل من أجل ألمانيا. تجمعات الحزب الانتخابية، ملصقاته، ممثلوه، ومساعدون للحزب وقعوا ضحية للعنف. ألمانيا إلى أين؟ العد العكسي قد بدأ في الانتخابات الألمانية. ميركل ورفاقها في الاتحاد المسيحي يروجون لفكرة الاستمرارية وعدم المجازفة بتجريب نهج جديد قد يضر أكثر مما ينفع، فيما الحزب الاجتماعي الديمقراطي يطمح إلى عدالة إجتماعية أكبر. حزب الخضر يبقى وفيا لمواضيعه الكلاسيكية، بينما يعد حزب البديل بألمانيا جديدة. مشكل العزوف الانتخابي، الشعبوية، الجو المشحون بسبب النازحين، وخطر الإرهاب، هواجس قد تخدش صورة ألمانيا الديمقراطية. كلمة الحسم تبقى في الأخير للناخب الذي يريد أن يسمع صوته لمدة أربع سنوات وليس ليوم واحد فقط. فهل سيصوت الناخب الألماني للاستمرارية أما إن فئة الناخبين المترددة، التي تقدر ب 40 في المائة من أصل 61،5 مليون ناخب، قد تصنع المفاجأة وتخلط الأوراق وتدخل البلد إلى مأزق سياسي؟ * أستاذ باحث بشعبة اللغة الألمانية بكليةالآداب ظهر المهراز فاس [email protected]