وجد حكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين، نفسه في فوهة بركان بعد اقتنائه لفيلا فاخرة بأحد أحياء العاصمة الرباط، مما أعاد إلى واجهة النقاش السياسي في المغرب ثراء السياسيين الفاحش بعد تحملهم المسؤوليات في مناصب الدولة. بنشماس الذي يشغل منصب الرجل الرابع في هرم الدولة، التزم الصمت إزاء ما اعتبر فضيحة من العيار الثقيل. وبدوره، لم يعلق الحزب الذي ينتمي إليه، وهو حزب الأصالة والمعاصرة، على الأمر، باستثناء مداخلات محتشمة في آخر اجتماع لمكتبه السياسي. وفي الوقت الذي كشفت فيه مصادر من داخل "البام" أن بعض أعضاء الحزب طالبوا بنشماس بتوضيحات حول ما راج من اقتنائه للفيلا، أثيرت بشكل كبير في أوساط المجتمع المغربي ظاهرة الاغتناء عن طريق السياسة التي يبصم عليها العديد من المسؤولين في استغلال لمناصبهم العمومية لأغراض شخصيته، وسط تساؤلات عن مدى قدرة آلية التصريح بالممتلكات على الوقوف في وجه الغنى غير المشروع. وسبق لإدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أن كشف وجود العديد من الاكراهات التي تعترض عملية تتبع ومراقبة التصريح بالممتلكات، رابطا إياها "بتشتت القوانين المنظمة لها، وتعدد الفئات الملزمة، وكذا الكم الهائل من التصريحات"، وبالتالي "يستحيل مراقبة التصريحات في ظروف تضمن المساواة وحقوق المصرحين"، مشددا على ضرورة "التعجيل بإصدار قانون موحد يتلاءم مع المقتضيات الدستورية الجديدة، ويكفل تجاوز الصعوبات المطروحة بما يساهم في تحقيق الأهداف والغايات المتمثلة في ربط المسؤولية بالمحاسبة وحماية المال العام". طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال، قال في تعليقه على اقتناء المسؤول الأول عن مجلس المستشارين لهذه الفيلا: "إن الحزب الذي أنتجته السلطة لا يمكن أن يسند لأشخاص مؤمنين بمبادئ توزيع الثروة وتخليق الحياة العامة"، وأبدى أسفه لكون الحزب (الأصالة والمعاصرة)، "وإن كان يضم نخبة من اليساريين، إلا أن هؤلاء أظهروا عيوبهم الإنسانية وهي الانتهازية والربح غير المشروع والتطلع لمراكمة ثروة على حساب المستضعفين". وقال السباعي إن "أمثال رئيس مجلس المستشارين أصبح دورهم في المجتمع لا يخدم الطبقة الشعبية المسحوقة المتناقضة مصالحها مع الطبقة الغنية"، موضحا أنهم "أصبحوا ينتهزون الفرص ويقتنون الفلل، ويراكمون ثروات لا يمكنهم مراكمتها خارج اللعبة السياسية"، مسجلا أن "رئيس مجلس المستشارين نموذج سيء للعمل السياسي في المغرب يجب القطع معه". "الشعب عندما يشعر بأنه مستغل سينتفض لا محال؛ وهو ما حدث في الريف لأن هذه المنطقة ضد الفساد والاستبداد. الشعب المغربي لا يمكنه أن يتبع سوى من يدافع عن الحرية والكرامة"، يقول السباعي الذي نبه إلى أن الذين "يراكمون الثروات بالعمل السياسي يبتعدون عن الشعب، ويصدق فيهم ما جاء في خطاب العرش بأنهم لا يفيدون الشعب أو النظام نفسه وأصبحوا أعداء لهما". وحذر الفاعل الحقوقي من كون الطبقة السياسية التي اغتنت بالانتخابات وبالعمل السياسي وشراء الذمم تشكل خطرا على النظام، موضحا أن "خطاب العرش الأخير كان عنوانا لضرورة القطع مع هذا النوع من السياسيين الفاشلين الذين لا يمكن أن نعول عليهم في تأطير الشعب". وأضاف رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال: "الملك في خطاب العرش أعد صك الاتهام وننتظر تدخله؛ لأن الملك حدد جميع الموبقات التي قام بها السياسيون ورؤساء الأحزاب الذين لا يهتمون سوى بالمقاعد والمناصب"، موردا أن "صك الاتهام الجنائي والمعنوي موجود من خلال خطاب العرش، وننتظر أن يكون خطاب افتتاح البرلمان مزلزلا لهذه النخبة السياسية ليقطع مع الفاسدين الذين يستغلون طيبوبة هذا الشعب الذي صبر كثيرا". جدير بالذكر أن التصريح بالممتلكات يتضمن مجموع الأموال المنقولة والعقارات، وعلى الخصوص الودائع في الحسابات البنكية، والسندات، والمساهمات في الشركات، والقيم المنقولة الأخرى، والأموال المتحصل عليها عن طريق الإرث، والعربات ذات محرك، والاقتراض لدى مؤسسات الائتمان، والتحف الفنية والأثرية التي يملكها الملزم أو يشترك في ملكيتها أو يدبرها، بأية صفة من الصفات، لاسيما لحساب زوجه، أو أصوله، أو أولاده القاصرين، أو البالغين سن الرشد.