نحاول من خلال هذه السلسلة من المقالات أن نبرهن كيف يمكن للتكنولوجيا أن تقوم بدور أساسي في تعزيز الديمقراطية من خلال الاستخدام الجيد للشبكات الاجتماعية ورقمنة معالجة المطالب المواطنة (الحكومة الإلكترونية، الخدمات الإلكترونية، الإدارة الإلكترونية، الخ.) واستقرار السلم الاجتماعي في العالم العربي بصفة عامة وفي المغرب على وجه الخصوص، وذلك بعد التغيرات السياسية والاجتماعية الأخيرة. ونهدف من هذا المنظور إلى توضيح كيف يمكن للدول العربية بفضل التكنولوجيا وآليات الرقمنة (ECM، BPM، ويب 2.0 * ... إلخ.) تلقي تطلعات المواطنين وقياسها وتأهيلها وتحليلها ومتابعتها وأن تجعل منها وسيلة لمراقبة ورصد تنفيذ البرامج الحكومية على مستوى الجماعة والاقليم والدولة ككل. إن تحليل السياق الاجتماعي والسياسي للعالم العربي أثناء وبعد "الربيع العربي"، والتطورات السياسية الأخيرة في المنطقة، يطرح بعض الأسئلة الأساسية والآنية التالية منها لا للحصر هل هناك "علاقة زبونية" بين الدولة والمواطن في العالم العربي؟ هل تدخل توجهات الدولة في إطار منهجية "إدارة العلاقات بين العملاء"؟ ألا يعتبر المراقبون السياسيون الاجتماعيون العلاقة بين المواطن والدولة والخدمات العامة علاقة صراع دائم مع خلل في موازين القوى؟ ماهي الطريقة التي يمكن بها للمواطن تقييم "أداء" الحكومة من داخل جماعته ومنطقة عيشه الضيقة؟ وهل توجد هناك قاعدة من المطالب متحكم فيها ومتاحة لجميع المواطنين؟ هل قامت الدول العربية بتطوير "وسائل" لسبر ومعالجة آراء المواطنين؟ لقد استعمل محتجوا الربيع العربي الشبكات الاجتماعية والمواقع الالكترونية مثل الفيسبوك وتويتر ويوتوب كوسيط رئيسي للدعوة الى التظاهر وللتعبير عن مطالبهم وبحسب Arab Advisors Group، المكتب الاستشاري المتخصص في الاتصالات السلكية واللاسلكية المتمركز في الأردن "فإن استعمال الأنترنت في العالم العربي عرف قفزة نوعية' إذ تم جرد 55 مليون مستخدم، وسجل فيسبوك نسبة ارتفاع تفوق %400. كما أن محاولات السلطات، في بعض البلدان، تعطيل هذه الشبكات لمنع تواصل المحتجين باءت بالفشل، ذلك لأن استعمال الأنترنت والهواتف المحمولة ساهمت في كسر جدار الخوف وتنمية مفهوم الصحفي المواطن لدى المتظاهرين." مما أدى إلى انتقال الاحتجاج إلى العديد من البلدان، من المغرب الى البحرين، وكانت تونس نقطة الانطلاق، اذ امتدت الاحتجاجات الى ليبيا ومصر وسوريا والمغرب والجزائر واليمن وكذلك العربية السعودية. إلا أن هذه الاحتجاجات لم يكن لها نفس الصدى في كل هذه البلدان. تجدر الإشارة أنه في غياب قنوات للتعبير عن المطالب وغياب التفاعل مع الخدمات العمومية بجميع أنواعها، استغل الشباب العربي مختلف وسائل الإعلام مثل الويب 2.0 و الفيسبوك أساسا للانتظام في مطالب جماعية. وقد استمر تأثير الشبكات الاجتماعية في العالم العربي على امتداد العامين 2011 و 2012 . كما أنه خلال هذه الفترة من الاضطرابات الاجتماعية، ارتفع الدخول إلى الشبكات الاجتماعية بشكل صاروخي في الوقت الذي ظلت دوائر الدولة غائبة عن هذا المجال ، وبالتالي خلق فراغ سرعان ما استغله الشباب للتعبير عن مصفوفة من المطالب فاجأت مهنيي وسائل الإعلام وأجهزة الدولة بل و حتى الأحزاب السياسية. أما في المغرب ، فلم تستثن هذه الظاهرة الشباب، بمعدل دخول إلى الشبكة وصل إلى 13.4 ٪ ، و الغياب شبه التام للدولة مع حضور خجول للأحزاب السياسية، كما تم تسجيل تزايد مطرد في عدد المطالب الاجتماعية منذ بداية الربيع العربي. فهذا "الربيع العربي" ، أو ما اتفق بعض المفكرين على تسميته بالثورات 2.0 ( Huyghe ، 2011) أو " الثورة الفيسبوكية" ( EL OIFI ، 2011) ، سلط الضوء على الدور الذي قامت به الشبكات الاجتماعية سواء على مستوى تبادل المعلومات أو من حيث تنسيق العمليات المشتركة . وبالفعل فقد برز في المشهد العربي فاعلون رقميون جدد استهدفوا عددا لايستهان به من الأنظمة حيث يمكن اعتبار التكنولوجيات الرقمية أحد محركاتها الرئيسية، ومن طبيعتها زعزعة التصور الذي نمتلكه اتجاه الدور الذي تقوم به التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصالات (ICT N) في عملية التغيير والتعبئة الاجتماعية والسياسية . وأمام هذا التغيير الجذري في السلوك الجماعي للساكنة، لم تثبت الدولة وجودها على الشبكات الاجتماعية لتلبية مطالب المواطنين الشباب وتطلعاتهم واحتوائها ومعالجتها، وتعطشهم للحصول على إجابات مقنعة. كما أن ''النتائج المحددة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) ، في تقرير المشروع القبلي حول "حوكمة الخدمات العامة " مقلقة للغاية'' وجاءت النتائج متطابقة مع الجمود الذي تعرفه الإدارة بالرغم من الغلاف المالي الثقيل الذي استهلكه برنامج المغرب الرقمي في إطار مبادرة الحكومة الرقمية(E-GOV). هل يمكن اعتبار أدوات الويب 2.0 كافية لرقمنة المطالب الشعبية وتعزيز الديمقراطية في المغرب ؟ للإجابة على هذا التساؤل يمكن القول إن هذه الوسائل وحدها تظل غير كافية في غياب منهجية شاملة قادرة على استغلال نتائج برنامج المغرب الرقمي وعلى انتشار الشبكات الاجتماعية. وعلى الرغم من أن استخدام الشبكات الاجتماعية يشكل فرصة للدولة لترسيخ الديمقراطية من خلال آليات التبادل تبقى المعلومات المحصل عليها عبر هذه الوسائل محاطة بكثير من المشوشات مما يجعل من الصعب تقييم انشغالات الساكنة بموضوع معين بالإضافة الى أن الصفة الافتراضية لمستخدمي الأنترنيت تنطوي على عدة مخاطر لدرجة أن كل عضو لديه القدرة على إنشاء العديد من العناوين الالكترونية والحسابات من خلال عناوين IP متعددة وآليات استنساح ذكية للبيانات. وأمام انتشار المطالب الجماهيرية وتكثيف آليات التعبئة من خلال الشبكات الاجتماعية، يمكن اقتراح آليات عملية لمعالجة تدفق المطالب المطروحة وتحديد وتصنيف وتشخيص هوية المحتجين وكذلك تنظيم المطالب وتحليل أنواع وفئات الشكاوى المطروحة وبناء هوية إلكترونية للتفاعل مع الشباب. سيكون إذن من الحكمة بالنسبة للدولة إعادة النظر في علاقتها مع المواطنين وخلق هوية رقمية ورفع مستوى االمؤسسات الادارية برمتها " بمختلف أقسامها. لكن تبقي عدة أسئلة معلقة من قبيل : كم عدد مصالح الدولة المتوفرة على أنظمة معالجة شكاوى المواطنين؟ كم عدد الإدارات المتوفرة على موقع تفاعلي في الأنترنت؟ هل هناك تدبير إلكتروني لمصلحة الاستقبال في جميع القطاعات للتعامل مع طوابير الانتظار ؟ ما هي ضمانات استقبال الزبناء في إدارات الدولة؟ ولكي يتم الاتصال التلقائي مع التكنولوجيات الجديدة، يجب أن تتحول جميع نظم المعلومات في الدولة إلى أنظمة للتواصل، ووضع " المواطن" في قلب الحدث لا سيما أن الشباب والحركات السياسية تسيطر على الشبكات الاجتماعية لتطوير أشكال تنظيمية جديدة تعتمد على عدد أكبر من المشاركين وبشكل أفقي. فهذه الأنماط من التنظيم الشبكي تهدف إلى خلق مزيد من الالتزام من جانب المؤيدين، وبالتالي أكثر فعالية في مواقفهم النضالية. ولهذا السبب، فإن هذه الشبكات خرجت عن نطاق وسائل الاتصال التقليدية وأصبحت الآن تمكن الحركات السياسية من تطوير ممارسات سياسية جديدة لايمكن للدولة تجاهلها و خاصة بعد أحداث الربيع العربي. *أستاذ باحث في علوم المعلومات والتواصل