أعطت الندوة حول الانترنيت في المستقبل، التي نظمت بباريس يومي 20و21 اكتوبر ،حيزا مهما للتحولات التي يعرفها العالم العربي أي الربيع العربي ،والدور الذي لعبته هذه الوسيلة في التحول الذي عرفته العديد من البلدان العربية خاصة تونس، وحضرت العديد من وجوه الربيع التونسي للحديث عن تجربتها بدعوة من الوزير الفرنسي ايريك بيسون المكلف بالصناعة، الطاقة والاقتصاد الرقمي أحمد الشامي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الجديدة قدم أمام هذه الندوة، التجربة المغربية "المغرب الرقمي"، والتي تصبو الى جعل الانترنيت في متناول المقاولات وكذلك جميع المواطنين، وأثار الوزير في تدخله معضلة الهوة الرقمية وهي ظاهرة يعيشها العالم والمغرب أيضا، وكيف يمكن أن نجعل من الأنترنيت وسيلة لتسريع التنمية، وهو اعتقاد تتقاسمه جميع بلدان العالم. وفي المغرب، يقول الوزير" وضعنا استراتيجية في هذا المجال وسميناها "المغرب الرقمي لسنة 2013 " والتي ترتكز على أربع أولويات ،الأولى سميناها التحول الاجتماعي ،لأن الناس باستعمالهم لهذه الوسيلة سوف يعيشون تحولا حقيقيا، والثانية الانترنيت للمقاولات الصغرى والمتوسطة. والاسبقية الثالثة هي وضع خدمات الحكومة عبر الانترنيت، والعنصر الرابع هو تطوير القدرات البشرية، هذه السياسة يرافقها عمل تطوير الثقة في هذا المجال، وحماية هذه الوسيلة من أجل حماية المواطن وتوفير التوقيع الالكتروني . هذه السياسة نتج عنها 18 مبادرة و56 عملية نتابعها باستمرار، وهذه المقاربة هي التي تمكننا من الاستمرار الذي يهدف الى الحد من هذا التباين الرقمي" .كما عرض الشامي في هذه الندوة سياسة المغرب في تعميم الانترنيت ذي الصبيب العالي. وكذلك برنامج "جيني" من أجل تجهيز 9620 مؤسسة للتعليم بقاعات للإعلاميات. برنامج "إنجاز" وهو موجه لطلبة التعليم العالي وبموجبه تمول الدولة 86 في المائة من قيمة الحاسوب والاشتراك في الانترنيت لمدة سنة. "كما انطلقنا في مشروع تجهيز الجامعات والأحياء الجامعية بشبكة الانترنيت عبر ويفي. "في المغرب ننهج سياسة محاربة الهوة الرقمية من خلال جعل شبكة الانترنيت في متناول الجميع" يقول الوزير. أما في المستقبل فإننا سوف نركز على ثلاث واجهات، الأولى هي مضمون الانترنيت وهي قضية ثقافية قبل كل شيء، وكيف نطور مضمونا مغربيا عبر الشبكة ونجعل البنية في متناول الجميع وتعميم الانترنيت ذي الصبيب العالي". هذه الندوة حول "العالم الجديد وانجاز انترنيت المستقبل"، هي استمرار للمبادرة التي نظمها رئيس الجمهورية الفرنسية لمؤتمر الثمانية حول الأنترنيت" من أجل انترنيت مفتوح ومن أجل الجميع". كما ذكر الوزير الفرنسي ايريك بيسون، أن "شبكة الشبكات" أصبحت مكانا لتعبير عن التطلعات الديمقراطية ولممارسة الحريات، ونخصص أمسية للربيع التونسي والتحولات التي عرفها هذا البلد ،اليوم أي ديموقراطية لا يمكنها ان تتجاهل الانترنيت كوسيلة للمشاركة السياسية، وحتى الديكتاتوريات فهمت أن الأنترنيت أطاح الجدران". ثورة الأنترنيت اليوم يقول إريك بيسون تغير العالم، وتخلق إمكانيات للتواصل لم يسبق لها مثيل من أجل الحصول على المعلومات، من أجل التعبير، التربية، التبادل التجاري والمقاولة. وهو يجدد تمرين المواطنة ومسؤولية السلطات العمومية. وأصبح اليوم وسيلة ضرورية لمجتمعاتنا، في هذا العالم الجديد كل فرد كل جماعة هو فاعل للتغيير الاجتماعي الاقتصادي ،السياسي .التكنولوجيا هي في خدمة الذين يريدون تغيير الحاضر وبناء المستقبل. وقد جمع الوزير الفرنسي في هذا اللقاء وزراء التكنولوجيات الجديدة، الشركات العاملة في هذا المجال، المدونون وجماعات البحث والتفكير. وعرفت هذه الندوة ثلاثة محاور: التجديد هل هو صديق أو عدو للشبكات الملائمة بين الشكل الاقتصادي للأنترنيت والحياة الخاصة، جميعا لمواجهة الهوة الرقمية: الانترنيت للجميع". الانترنيت ليس هو الذي صنع الربيع العربي حسب الوزير الفرنسي، ولكنه كان وسيلة لتعبئة وتسريع الاحداث. وحضر هذا اللقاء عدد من الشباب الذي ساهم في الثورة التونسية للحديث عن تجربتهم. منهم مهدي لملوم، مدون الذي اعتبر أن التجربة السياسية بتونس واستعمال الانترنيت الذي كان وسيلة للممارسة السياسة، وفتح فضاء للمواطنين، فضاء للتعبير والممارسة السياسية. أديب صامود مدون وبيطري بالنسبة له الانترنيت أخذ بعدا كبيرا بتونس بعد الثورة ،الجميع يريد الآن أن يكون في الشبكة من أجل الحصول على المعلومات، واليوم الجميع يريد ان يحكي عن الأشياء التي كبتها وأخفاها منذ 23 سنة من الديكتاتورية، ونجد بشبكة الانترنيت كل شيء عما يحدث بتونس وهناك أشياء صحيحة وغير صحيحة ،المهم بعد الثورة عدد كبير من التونسيين أصبح لهم صفحة على الفايسبوك أو مدونة. أمينة بنجمعة مدونة وصحفية ، بالنسبة لها "الثورة لم تتم بالانترنيت بل في شوارع تونس، ونحن لسنا أبطالا ،الأبطال هم الذين ادوا الثمن بأرواحهم في شوارع تونس. وتجربتنا بتونس وضعناها رهن إشارة جيراننا بليبيا لمساعدتهم على تجاوز المحنة" . نزهة بنمحمد مدونة ومؤسسة إذاعة على الانترنيت قالت :"لدي إذاعة على الانترنيت منذ 2007 وعانينا مع نظام بنعلي، حتى اليوم لم تتغير اشياء كثيرة فقد تم اعتقالي مؤخرا لأنني قمت بفيديو حول الباعة المتجولين. سيبقى الانترنيت هو الفضاء الوحيد للحرية. والحملة الانتخابية الحالية نجد لها صدى كبيرا على الانترنيت." عمر الصاغي وهو باحث في المجال السياسي وكاتب، بالنسبة له اليوم هناك مفارقة في ما يخص البلدان العربية والانترنيت، "من جهة كان هناك ضعف في المؤسسات القائمة وغياب الحريات وتعاطي كبير مع الانترنيت. وفي بداية عقد الألفين كان هناك اقبال كبير على كل اشكال الانترنيت من فايسبوك،غوغل وتويتر من طرف جيل 20 سنة الى 40 سنة .وبالنسبة لهذه المجتمعات التي كانت ضعيفة ومتخلفة في العديد من المجالات، أصبحت متقدمة في مجال الانترنيت. ومن هذه الاشياء الجديدة جدا مثلا في مصر المجلس العسكري يصدر بياناته أولا على فايسبوك قبل أن تصل الى وسائل الاعلام التقليدية. "وهنا نحن امام وضعية مرضية، فهذا الاقبال الكبير جدا على الانترنيت وممارسة السياسة عبر الانترنيت وليس في الواقع. بالنسبة لي شخصيا أعيش بين المغرب وفرنسا ،ففي فرنسا السياسة تمارس ليس في الانترنيت، لكن في الواقع ويحكمها عامل القرب. ففي التحولات التي تشهدها مصر وتونس لا بد أن تمارس الديموقراطية في المؤسسات وليس في فضاء الانترنيت الذي هو وسيلة تواصل، ولابد أن يأخذ مكانه هذا في المستقبل. الانترنيت ليس هو الذي سيصنع التاريخ ،التاريخ يتم صنعه في الواقع. والسياسة في الحقيقة هي رؤية الناس ،الحديث معهم والنقاش معهم في أماكن عملهم ، في الاسواق ،وهو أمر ليس دائما سهل، هو عمل متعب وعمل شاق. والسياسة لا تتم وراء حاسوب في المنزل. وفي بعض البلدان العربية ننسى ذلك، الديموقراطية والممارسة السياسية هي الذهاب الى الشارع لرؤية الناس والنقاش معهم وليس نشر البيانات وراء حاسوب". يقول عمر الصاغي . فكرة أخرى هي أنه في البلدان العربية والإسلامية المشكل ليس فقط مع الدولة السلطوية، بل أيضا مع المجتمع المحافظ ،والانترنيت يلعب دورا أساسيا في تجاوز الممارسات المحافظة ،فهذه الوسائل التي وفرها الانترنيت تسمح للأفراد بفعل أشياء ومواقف لا يمكنهم المجتمع منها. وهذا يعكس أن جزءا من مطالب الشباب في المنطقة هي اجتماعية وثقافية ،وفي اعتقادي هذا هو التحول الذي سوف يسمح به الانترنيت في المستقبل، هو أن التحول في الانترنيت سيكون حول ما هو ثقافي في المنطقة يضيف عمر الصاغي. دافيد دروموند نائب رئيس موقع غوغل قال "نحن لم نكن محايدين في هذه الثورة، يقصد الربيع العربي، بل كان لنا دور تشجيع الديمقراطية. وفي ما يخص الربيع العربي كنا فرحين أن هذه الوسائل التي وضعناها في خدمة المواطنين كانت تستعمل بالمنطقة، والرقابة كانت أحد المشاكل التي اعترضتنا وهي عقبة نحو الديموقراطية في العالم، وإن هذه الرقابة مست حتى بعض البلدان الديموقراطية" يقول ممثل غوغل.