ذات مرة حضر " الديب" إلى السرداب وقال:" ولد الفرملية "..نوض..اتكعد" هكذا كان يناديني دائما، وأحيانا كان يقترب مني ويركلني بقدمه قائلا: نوض..اتكعد... قادني إلى الممر الرئيسي وسلمني لأشخاص. كان صوت المتكلم منهم غريبا عني، ولم يسبق أن حقق معي من قبل، في الطريق إلى المكتب قال: أنت ونحن الآن أمام الأمر الواقع، و" اللي عطا الله عطاه "..كل شيء أصبح واضحا...فلا داعي لأن " تكرفس على راسك وتعذبنا معك"..الكل اعترف..حتى رؤساؤك اعترفوا كلهم..السرفاتي وزعزع وبنزكري ...كلهم اعترفوا، المهم نحن نعرف كل شيء.. أخرج سيجارة وناولني إياها..لم أكن دخنت منذ مدة... جلست أمامه على كرسي، فقال: هيا تكلم الآن... شرعت في الكذب ، لاسيما فيما يتعلق بالأسماء والأوصاف والمعلومات الشخصية حول بعض الرفاق ، أما كل ما هو مرتبط بالنظريات والمواقف والأفكار فتعمدت الإسهاب فيه إسهابا، وفيما يخص تجنب إعطاء معلومات دقيقة حول أماكن الاجتماعات كنت أقوم بتأليف قصص خيالية حول طرق الاتصال، والتركيز على اللقاءات في الهواء الطلق ، وتعمدت الوقوف على تفصيلات خيالية اعتقادا مني أن هذا النهج سيعفيني من الكشف عن معلومات حول الأشخاص والأماكن، لكنه جلب علي المتاعب وسبب لي حصص تعذيب إضافية. وفي إحدى المرات أخذوني من السرداب،وأثناء السير في الممر انقض علي أحد " الحجاج" وبسرعة خارقة ألقاني على الأرض...وفي لمح البصر كانت يداي مكبلتين خلف ظهري بعدما كانت مقيدة في الأمام...ظننت أنه كان يمزح مع أحد " الحجاج"، وأن القضية داخلة في إطار مزايدة حول سرعة إنجاز المهمة...لكن عندما أنهضني وأحكم عقدة " البانضة" زايلني الخوف...دنت ساعة التعذيب من جديد و" العلقة " و " التعليقة". انحدر بضري إلى قدمي من خلال الفجوة الضيقة بين " البانضة " والأنف ورأيت أنني أقف على زريبة وفهمت أنني ربما بمكتب " باطرون " الدرب أو أحد معاونيه...وما هي إلا لحظة حتى بدأت الأسئلة تتناثر من هنا وهناك...كلمات تدوي من كل جانب..وكنت في كل مرة أدير وجهي نحو مصدر الصوت...وهي لحظة ساد فيها الصمت..تحرك كرسي غير عاد، من النوع الرفيع، فاقترب شخص مني، فاحت رائحة غريبة عني لم يسبق أن صادفتها منذ قدومي إلى الدرب فقال: خذ!...خذ! وما أن انتهى من كلامه حتى انهمرت ضربة قوية على قفاي وقال قائل: ألا تسمع " الحاج" يقول لك خذ..مددت يدي وإذا بي أصادف لهيب ولاعة، أظن أنه أراد التيقن من كوني لا أرى عبر " البانضة" لما لاحظه من استدارة وجهي نحو مصدر الكلام، شمالا ويمينا. أجلسوني على ركبتي وبدأ الاستنطاق مرة أخر حول جواز سفر ومجموعة من الأسماء لا أعرفها ولا علاقة لي بها...وكانت الصدمات الكهربائية هي الوسيلة المعتمدة في تلك الحصة...كانت أصوات السياط تأتي من قريب ترافقها صرخات حارقة تملأ الجو حولي...آنذاك تذكرت أمي وأبي وإخوتي وكل من كانت لي علاقة معه وأنا شاب في الثانية والعشرين من عمري..وجوههم تتراقص أمام عيني وتداعب خيالي..مكثت على هذه الحال برهة من الزمن...شعرت كأنني أرتفع وأصعد تارة ثم أهوي بسرعة تارة أخرى...وأصوات الصراخ والسياط آتية من كل جانب...ولم أعد أتذكر شيئا.