تستيقظ الأسر باكرا في أم الرمان، نواحي زاكورة، يوم العيد؛ فاليوم استثنائي، ويحظى بالتقدير الذي توارثه الناس جيلا عن جيل. والمناسبة وإن كانت دينية، فهي يتداخل فيها ما هو اجتماعي وثقافي وديني. معظم الأسر تفتتح يومها بفطور خفيف من شاي أو قهوة وما يرافقهما، وتبادل تهاني العيد بين أفراد الأسرة، بعد ذلك تلتحق غالبية سكان الدوار بالمصلى لأداء صلاة العيد والعودة لتناول الفطور. تْعْيدم ڭ لْمَانْ.. لا تعد صلاة العيد في المصلى فرصة للتعبد فقط بالنسبة لشبان هذه القرية التي تبعد عن تازارين ب15 كيلومترا، والشيء نفسه بالنسبة لقرى زاكورة وعموم الجنوب الشرقي للمملكة، بل تتيح اللقاء بين المغتربين الذين قضوا سنة كاملة في مدن أو دول أخرى. وكثير من الأصحاب يستغلون هذا الموعد الديني للقاء أصدقاء الطفولة الذين يشتغلون في مدن بعيدة، ولا تسمح الظروف بلقائهم كثيرا. تقتضي الأعراف أن يسلم كل شخص يلج المصلى على الذين سبقوه للجلوس، ويُقْدم كل وافد على مكان التعبد هذا على مصافحة جميع الجالسين ويقدم لهم تهاني العيد، وإن كان هناك من يحافظ على العبارات القديمة لمباركة الأعياد من قبيل " تْعْيْدْمْ ڭ لْمَانْ " و" تْڭامْ العِيدْ سْ لْعْقْبَالْ نْ إِمَالْ " وما يرافقها من أجوبة من صلب التهاني باللغة الأمازيغية ك"سْ تُودْرْتْ نْغْ أُولاَ تِينُّونْ"، " أكّيجْمَعْ رْبّي دْ إِيمَالْ"، وهي عبارات منتشرة عند أمازيغ الجنوب الشرقي. هناك من يربطها بزمن الحرب، حين يتمنى الناس لبعضهم أن يقضوا العيد في فترة أمان لا حرب فيها، ويتمنون لبعضهم البعض أن تمهلهم الظروف ليحضروا العيد المقبل وهم في صحة جيدة. إلا أن هناك مِنَ الشباب من أدخل عبارات عربية في التحية والتهنئة بعيد الأضحى، من قبيل "مبروك عواشركم"، "وتعيدوا وتعاودوا"، و"عواشر مباركة". تختلف العبارات المستعملة بين من يصر على الحفاظ على مفردات ورثها عن الأجداد، ومن تأثّر بتجمعات سكنية في مدن أخرى وبدأ يستعمل عبارات متداولة في حواضر مغربية كثيرة، إلا أن الهدف يبقى واحدا وهو التعبير عن المتمنيات الطيبة بقدوم عيد الأضحى. كلٌّ يذبح خروفه بعد خطبة عن صفات الأضحية الجائزة، وما يجب القيام به وما لا يجب، وفضائل هذه الشعيرة الدينية، يلتحق المصلون بمنازلهم لتناول وجبة الفطور ثم البدء في ذبح الأضاحي. لا تباهي بين الناس بخصوص أضحية العيد؛ فلا أحد يعرض أضحيته ليراها الجيران كما تفعل بعض التجمعات السكنية، وأغلب الأسر في القرية تتوفر على كبش من حظيرتها الخاصة، وقلة قليلة من يعمد إلى شراء الأضحية من عند الذين يمتهنون تربية المواشي أو من سوق النقوب أو سوق تازارين. في كل أسرة "جزار" أو أكثر. فعكس بعض المدن التي يقوم فيها جزارون محترفون بامتهان عملية ذبح الأضاحي في الأحياء بمقابل مالي، ففي أم الرمان بزاكورة وأغلب قرى الجنوب الشرقي يقوم فرد من أفراد العائلة من الذكور بذبح الأضحية بحضور بقية الأهل من الرجال والنساء والأطفال. ويقوم بعض الجيران المتطوعين بذبح أضحية بعض الأسر القليلة التي لا يُتوَفّرُ فيها شخص قادر على أن يؤدي مهمة ذبح الخروف وسلخه بنجاح؛ وذلك بشكل مجاني إلا من بعض الدعوات بصلاح الذرية وحسن مآبه إلى الله. الجلود تُهدى للمسجد من عادات الساكنة في عيد الأضحى أن الأسر تهدي جلود أضاحيها لمسجد الدوار؛ إذ يعمد المصلون إلى جمعها ابتداءً من عصر يوم العيد، ويتم عدها وبيعها لمن يرغب في شرائها من التجار الذين يكسبون رزقهم بالاتجار في الجلود وغيرها. ويكون تحديد ثمن الوحدة عن طريق الدلالة، ثم يتم ضرب الثمن المحدد في مجموع الجلود التي تم جمعها، ويتم تخصيص ذلك المبلغ لمصلحة عامة تهم مسجد الدوار أو ما شابه ذلك. أما شبان الدوار فيحرصون على لعب مباراة في كرة القدم، بعد عصر يوم العيد، ضد فريق من دوار مجاور، مثل دوار إكوي أو تامساهلت أو ملال، وكلها دواوير قريبة. عادات لم تعد من العادات التي اختفت نهائيا من قرية أم الرمان والقرى المجاورة، عادة تسمى "إِسْڭارْ"؛ إذ يقول بعض المسنين الذين تحدثوا إلى جريدة هسبريس الإلكترونية إن عادة إسڭار طقس قديم يعود إلى قرون خلت، عادة احتفظت بها الساكنة وحرصت على ممارستها في ثاني أيام العيد إلى أن اختفت نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بسبب موجة جديدة من التدين اجتاحت المنطقة. في عادة إسڭار، كان الناس قديما يقومون بجمع دماء الأضحية مع بعض الجلود والعظام في آنية طينية غير صالحة، وتقوم الأمهات بصناعة فارس فوق جواد من عجين، ويتم وضعه في هذا الإناء، ثم يجتمع الجميع، قُبيل صلاة المغرب، في مكان غير بعيد عن مساكنهم في القرية للتخلص من كل تلك المواد التي تم تجميعها في تلك الآنية الطينية المتكسرة وهم يرددون أهازيج قديمة، مثل "أنڭْر س إسڭار إديد أُور يغول كايخّان، أعْدَاوِينْوْ أدُورُوزونْ تَافَاسْكَا نْ إمال"، أي ما معناه "أتخلص من هذه المخلفات حتى لا يرجع إليّ الأذى، وأتمنى لعدوي ألا يعيش إلى العيد المقبل".