رائحة عيد الأضحى تفوح من جميع منازل وشوارع "جوهرة الجنوب الشرقي"، بحيث ضغطت أغلب الأسر على مداخيلها للتزود بالفرحة في هذه المناسبة الاجتماعية، لتضجّ الأحياء القديمة والجديدة في "بلاد تودغى" بالحياة، خلال الأيام الأخيرة التي تسبق حلول عيد الأضحى، الذي تُطلق عليه التسمية الأمازيغية "لْعيد نْ تَفَاسْكَا"، إذ يحرص معظم الشباب الذين يتحدرون من المنطقة على اللمّة العائلية على غرار السنوات الماضية. موسم الهجرة إلى تنغير بحسب ما عاينته جريدة هسبريس الإلكترونية، فإن إقليم تنغير قد شهد حركة اكتظاظ شديدة بخلاف العادة، وذلك خلال نهاية الأسبوع الماضي، سواء في طريق الرشيدية المؤدية إلى المدينة، تحديدا في تنجداد وكلميمة، أو عبر الطريق الرابطة بين ورزازات وتنغير، لاسيما في قلعة مكونة وبومالن دادس، بسبب حلول الجالية المقيمة في الخارج بالمنطقة، وكذلك جراء عودة أبناء المدينة من مختلف المدن التي يشتغلون أو يدرسون بها. كما شهد وسط مدينة تنغير (المركز) حركة مرور مختنقة طوال الأيام الماضية إلى حدود ليلة أمس الأحد، بحيث تتوجه أغلب الأسر التي تقطن في الدواوير والقرى المجاورة إلى محلات بيع الملابس والفضاءات التجارية من أجل اقتناء ملابس العيد لأبنائها، وكذلك بغية شراء مختلف اللوازم التي تحتاجها في هذه المناسبة الاجتماعية، ما تسبب في ازدحام شديد، جرى تداوله على نطاق واسع من قبل الساكنة في مختلف صفحات المنطقة بمواقع التواصل الاجتماعي. خالد أولعبدو، أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي، قال إن "عيد الأضحى تطبعه خصوصية تميزه عن باقي أيام السنة، ليس لكونه مرتبطا بالدين الإسلامي فقط، وإنما لأنه كذلك فرصة للمّ شمل العائلة وتقاسم لحظات الود واللقاء بين أفرادها"، مبرزا أنه "من خصوصية هذا اليوم بمنطقة تنغير، تلك العادات والممارسات التي تتم في هذا اليوم، خصوصا مع الوجود الكبير للجالية المقيمة بالخارج، حيث تسعى جاهدة إلى الحفاظ على العادات والطقوس المرتبطة بعيد الأضحى". عادات أمازيغية لوحظ استمرار تشبث القبائل الأمازيغية، المتجسدة في "آيت عطّا" أو "آيت مرغاد" أو"آيت حديدو"، بالتقاليد والعادات المجتمعية الراسخة في الجنوب الشرقي على مدى قرون، وإن لم تعد بالصيغة نفسها، حيث تمّت تأدية صلاة العيد في مصلى مركز مدينة تنغير، لتنطلق بعدها عملية نحر الأضحية من طرف الشخص الأكبر سنّا في العائلة، أو الاستعانة بأحد الأصدقاء أو الجيران، لكن بدأ الانفتاح في الآونة الأخيرة على بعض الجزارين في هذه المناسبة. كريم اسكلا، رئيس مرصد دادس للتنمية والحكامة الجيدة، قال إن "الاحتفاء بعيد الأضحى مازال يلعب وظيفة اجتماعية واقتصادية هائلة في المنطقة، إلى جانب حمولته الدينية والروحانية، بحيث يلاحظ استمرار التشبث المجتمعي بالعديد من الطقوس المرتبطة بالمناسبة، مثل تبادل الزيارات والتهاني التي تجدد التضامن الاجتماعي وقيم التسامح". وأضاف اسكلا، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "ظاهرة الزيارات الجماعية تنتشر في الكثير من الدواوير والقرى بالجنوب الشرقي بصفة عامة، على شكل مواكب تتناوب على زيارة جميع المنازل والبيوت، خاصة المرضى وكبار السن، عكس ما يعرف عن المدن الكبرى؛ حيث يتم الاقتصار فقط على زيارة بعض الجيران والأصدقاء". نزعة فردانية يحرص الرجال على ارتداء اللباس التقليدي، ممثلا في الجلباب الأبيض والطربوش الأحمر، بينما يرتدي الأطفال بعض الملابس الجديدة التي يتم اقتناؤها خصّيصا لهذا اليوم المقدس لدى الساكنة، ليتم بعدها تبادل الزيارات بين الأقارب والأصدقاء في عشية يوم عيد الأضحى، بحيث يجد الناس متنفسّا في بعض الحدائق العمومية بالمدينة على قلّتها. وتابع الفاعل الجمعوي بالقول: "بالرغم من تزايد النزعة الفردانية والاستعراضية، نسجل بعض السلوكات التي تبرز جانبا من الفصام الاجتماعي؛ أي نوعا من النفاق الاجتماعي، المتجلي في أشكال التكلف والتباهي بقيمة الذبائح والمقتنيات والملابس التي تكاد تعصف بالوظيفة الروحانية للمناسبة". أحد شباب قرية آيت عتو أو موسى، وهو دوار يقع في جماعة "تيلمي" التابعة لإقليم تنغير، ذهب في المنحى نفسه، معتبرا أن "التقاليد التي كانت تطبع هذا الدوار الأمازيغي اندثرت نوعا ما، بحيث كنا نعتاد على الاحتفاء بعيد الأضحى، من خلال فن أحيدوس الذي كانت تجتمع عليه الساكنة خلال هذا اليوم، لكن مظاهر الاحتفال الفلكلورية لم تعد قائمة الآن، ورغم ذلك مازالت بعض أشكال الاحتفاء قائمة، من قبيل تبادل الزيارات واقتناء ملابس العيد، وغيرها". طقوس الأجداد القدامى بدوره، أورد أولعبدو، إطار تعليمي، أن "مجمل الأنشطة التي نقوم بها يوم العيد تتجسد في الاستيقاظ باكرا للاغتسال استعدادا للتوجه نحو المصلى، وخلال هذه الفترة يتبادل أفراد العائلة التهاني والتبريكات داخل البيت، ثم نتناول وجبة الفطور التي تتضمن صحن أرز تتوسطه دائرة من السمن، إضافة إلى كأس شاي، لنرتدي جلاليبنا ونتوجه للمصلى في ساحة البريد". وأضاف أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، "نبارك العيد لكل من نصادف في الطريق إلى أن نصل للمصلى، سواء الذين نعرفهم أو الذين لا معرفة لنا بهم، بحيث يقوم بعض الرجال بذبح أضحية الإمام، ومن ثمة نعود للمنزل لتناول وجبة كسكس، لنتوجه مباشرة لذبح الأضحية، لكن قبلها نقوم بوضع الكحل في عين الأضحية وإعطائها بعض الشعير الممزوج بالحناء، ثم نذبحها بعد ذكر اسم الله عليها". "نأخذ جلد الخروف ونمسح به على وجوهنا، على اعتبار أن أجدادنا الأمازيغ القدامى كانوا يقومون بذلك"، يردف المتحدث، مؤكدا أن "النساء يقمن برش الملح على دماء الأضحية، إيمانا منهن بأن الأضحية خالصة لله وحده، فلا يجب أن تشرب الكائنات الشريرة من دمائها، على اعتبار أنها تهاب الملح، لنقوم بالانتقال من بيت إلى آخر بغية ذبح أضاحي الجيران".