لاحظت تعليقات وفتاوى عديدة تناولت بالنقاش قرار عائلات المعتقلين مقاطعة شعيرة ذبح الأضحية الوارد في بيان وزعته على المنابر الإعلامية والإلكترونية. ومن المعلوم أن موقف مقاطعة فريضة أو سنة مؤكدة ليست سابقة في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، إذ سبق أن قاطع المغاربة شعيرة من الشعائر الكبرى، وهي شعيرة الحج، التي تعتبر ركنا إسلاميا لمن استطاع إليها سبيلا، وليست سنة مؤكدة فقط. كما قاطع المغاربة أيضا شعيرة الأضحية دون الصلاة ثلاث مرات لأسباب سياسية واقتصادية. بالنسبة لركن الحج، فمباشرة بعد وباء الكوليرا الذي تسرب إلى المغرب سنة 1895، قرر المجلس الصحي الدولي بطنجة تصعيد إجراءاته ضد الحجاج العائدين من الديار المقدسة، وذلك بعدم السماح لهم مطلقا بالنزول إلا بجزيرة الصويرة، سواء كانت السفن سالمة أو موبوءة. وقد قابل المخزن هذه الإجراءات بالرفض المطلق، وكان أمامه خياران لا ثالث لهما، إما استئصال المجلس من أصله، وهذا لم يكن ممكنا في ظل الظروف الدولية آنذاك، أو منع الحج، وهو ركن إسلامي؛ وقد لجأ إلى اتخاذ القرار الثاني، وهو قرار سياسي. ونقل الصدر الأعظم أبا حماد القرار إلى الممثل الانجليزي نكلسن، الذي استعمل جهوده لإقناعه بالعدول عنه مقابل وعد بأخذ شروط المغرب بعين الاعتبار، مؤكدا أن الإنزال سيقتصر على جزيرة الصويرة، ولن يطبق إلا في حالة التأكد من وجود الوباء، وأن الإجراء لن يتخذ إلا بعد التنسيق مع المخزن. لم يلتزم المجلس الصحي الدولي بما تعهد به، ما دفع المخزن إلى التفكير في منع الحج سنة 1897م، وقد كتب بذلك النائب محمد الطريس للمجلس الصحي، وذلك بعد استفتاء السلطان لفقهاء مراكش ووصول جوابهم بالموافقة، فأصدر أمره إلى كافة المدن بمنع الحج، ولم يكن هذا المنع بسبب الطاعون المذكور فقط، وإنما ردا على تحرشات وإهانات المجلس الصحي التي كانت تصيب الحجاج نتيجة التطبيق..كان ذلك قرارا سياسيا. ونورد هنا نص الفتوى المعروفة بجواب في النازلة لمحمد بن جعفر الكتاني، المثبتة نصها في سلوة الأنفاس.. يقول: "وقد كان ورد السؤال على فاس الغراء من حضرة مراكش الخضراء، من سيدنا أمير المؤمنين...مولانا عبد العزيز...في السنة التي قبل هذه (أي في 1314ه)، عن قوم أرادوا الذهاب لحج بيت الله، والحال أن أجناس النصارى –دمرهم الله- اتفقوا على التنكيل البالغ بمن يحج من هذه السنة من الأنام، فهل يمكنون منه والحالة هذه أم لا؟ وقد كتبت في ذلك كتابة أحببت أن أذكرها ها هنا حفظا لها من الضياع، وحرصا على عموم الانتفاع، نصها بعد البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فمما هو ضروري لدى كل إنسان، ومعلوم حتى عند صغار الولدان، أن الحج أحد أركان الإسلام وقاعدة من قواعده المجمع عليها بين الأنام، وأنه من الفروض العينية، على كل من له استطاعة من البرية، قال تعالى: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، وقال عليه السلام: "بني الإسلام على خمس..."، ...وقال: "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا". ومما هو معلوم – أيضا – أن من جملة الاستطاعة وجود ما يكفي من البضاعة، والأمن على النفس والمال والدين، ومن أن يفعل به ما يخل بمروءته أو يشين، وأنه متى فقدت فقد الوجوب والانبرام... ومن المعلوم في هذه الأزمان الأخيرة تأديته بالنسبة لغالب العوام إلى محرمات كثيرة: منها، وهو أشنعها، تلفظ كثير منهم عند جريان بعض المحن عليهم بما هو عين الكفر، أو ربما آل إليه...ومنها: تضييع الصلوات والجهل عند جريان بعض المحن مما يعرض في السفر من العبادات.. ومنها الركوب في مراكب أعداء الدين والكفرة المعتدين، حيث يعلم أنه تجري أحكامهم بالإهانة عليهم، وأنهم يتوصلون بشيء من الأذى بالفعل إليه. فقد جاء في شرح مسلم ما نصه: "وأما ركوبه في مراكب النصارى التي الراكب فيها تحت نظرهم، فلا يجوز"، ونحوه لغير واحد وقال بعضهم "إن تحقق جريان أحكامهم عليه حرم ركوبه في مراكبهم وإن لم يتحقق ذلك فقولان بالكراهة والتحريم". وقال الشيخ أبو العباس القباب: "أكثر الأشياخ على النظر فيها ينال منه، فإن كان يؤدي إلى أن يكره على سجود لصنم، أو إذلال للإسلام، لم يجز، وإلا كره، قال: وهذا القدر لم تجر به العادة في مراكبهم". وقال الشيخ زروق في شرحه لحزب البحر، لما تكلم عن ركوب البحر، وأنه ممنوع في خمسة أحوال ...الرابعة: "إذا أدى ركوبه للدخول تحت أحكامهم، والتذلل لهم، ومشاهدة مناكرهم، مع الأمن على النفس والمال...قال: وهذه حالة المسلمين اليوم في الركوب...وقد أجراها بعض الشيوخ على مسألة التجارة بأرض العدو، ومشهور المذهب فيها الكراهة...". فالمرء في السفر للحج، إن كان يعلم أو يظن عدم السلامة من ارتكاب بعض المحرمات، لم يجز له الإقدام على ذلك. وأكد أنه رغم أن طريق الحج أصبح ميسرا بفضل السفن الحسان عما كان عليه الأمر في الطريق البرية البعيدة، "فإنه تكدر صفو ذلك بجريان أحكام أهل الشرك هنالك". وختم بقول العلماء: "والناس موكولون في هذه العبادة...إلى ما حملوا من الأمانة، ويردون في فعلها وتركها إلى ما عندهم من اليقين والديانة، بيد أنهم يعلمون منها ما جهلوا، والله حسيبهم بعد ذلك في ما عملوه، إلا إذا تمالكوا على الترك في جميع الأقطار، ومن سائر النواحي والأمصار، فعلى الإمام أو غيره من جماعة المسلمين تعيين طائفة من المحتسبين لتذهب إلى ذلك المقام لإقامة الموسم في كل عام، وإذا تحقق أو غلب على الظن أنه يلحقهم بالسفر إليها مكروه شديد، أو يقعون بسببه في وبال عظيم ونكال مبيد، فللإمام حينئذ أن يمنعهم منها في العام الذي يظن فيه حصول ذلك، بل ذلك من النصيحة الواجبة عليه هنالك كما ذكر سيدنا حفظه الله في ما أخبر به نائبه بطنجة عن هذا العام، وما يحصل فيه من البأس العظيم...كتبه محمد بن جعفر الكتاني لطف الله به آمين". أما منع شعيرة عيد الأضحى في المغرب، فكان ذلك بأمر من الملك الحسن الثاني، ولثلاث مرات: 1963 و1981 و1996. أما في المرة الأولى فبسبب الأزمة السياسية والاقتصادية الناتجة عن حرب الرمال مع الجزائر. أما سنة 1981 فكان السبب اقتصاديا وسياسيا، إذ ضرب المغرب جفافا كان من نتائجه نفوق نسبة كبيرا من الماشية (حالة القطيع الوطني آنذاك لم تكن جيدة). بالإضافة إلى التداعيات السلبية لبرنامج التقويم الهيكلي، ولم يرق هذا القرار آنذاك للجميع، فقرر عدد من المغاربة الذبح السري للأضحية خوفا من العقاب، في حين قام بعض سكان منطقة كلمية وتاديغوست بالرشيدية بذبح كلبين احتجاجا على القرار وتعليقهما على مدخل قوس المنطقة وكتبوا على الحائط عبارة: "عيد أنت يا حسن أما نحن فسنعيد بالكلاب". بالإضافة إلى عبارات أخرى مستفزة لشخص الملك. استنفر ذلك السلطة المركزية والمحلية، وتم القبض على عدد من المتهمين وتعذيبهم وسجنهم لفترة طويلة، وقد التقيت بالمناسبة في تاديغوست بأحد أولئك الذين اعتقلوا بسبب تلك الحادثة، وحكى لي عن بعض تفاصيلها. أما المرة الثالثة أي سنة 1996، فقد ألقى وزير الأوقاف الراحل عبد الكبير المدغري خطابا نيابة عن الملك يهيب بالشعب المغربي ألا يقيم شعيرة ذبح الأضحية في هذه السنة بسبب تعاقب سنوات الجفاف التي أضرت بالقطيع الوطني.