تؤكد المصادر التاريخية الغربية والتي قام بصياغتها بأسلوب لغة التقارير المستفيضة بعض القناصل الإسبان بجهة الشمال، أن طقس الحج الذي يعتبر أهم شعيرة لدى أتباع ديانة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، كان عاملا لنقل وباء "الكوليرا" من طرف الحجاج المغاربة الذين يقصدون أرض الحجاز لأداء فريضة الحج. واستنادا الى أرشيف وزارة الخارجية الإسبانية المحفوظ بعناية بربائد أقسام مدريد، فإنها تقدم توضيحات جد مفصلة حول وباء الكوليرا الذي ضرب مدينة تطوان وتحديدا سنة 1868. وفي هذا الصدد تشير ذات المصادر،على أن الموجة الرابعة "لجائحة الكوليرا" التي ضربت مدينة تطوان، ساهم في نقلها الحجاج التطوانيون الذيم لم يأبهوا للتحذيرات الصادرة عن المجلس الصحي الدولي لطنجة، بدعوى أن هؤلاء الأطباء كفار، وتحذيرهم من مخاطر الحج مجرد ذريعة مسيحية، لهدم أهم شعيرة من أركان الدين الاسلامي. وما يؤكد صحة هذه التقارير الاسبانية هو أن المصادر المغربية ذاتها اعترفت من خلال رسالة موجة الى السلطان المغربي "سيدي محمد بن عبد الرحمان"، وهي عبارة عن شكاية مقدمة من طرف بعض الحجاج، ضد القناصل الأجانب بطنجة الذين منعوا بالقوة سفينة الحجاج الموبوئين، من الرسو بالمدينة، مخافة من تفشي العدوى بين الساكنة. "لقد هدد قناصل طنجة ربان السفينة المصرية، التي كان على متنها الحجاج المصابين بداء الكوليرا بقصفه بالمدافع واغراق السفينة بمن فيها، ان حاول الرسو بمدينة طنجة ،مما اضطره الى العودة بهم الى ميناء الاسكندرية "تقول الرسالة المذكورة. من جهة ثانية تشير ذات المصادر، أن الموقف المتشدد لقناصلة طنجة جاء بسبب تلكؤ وومماطلة موظفي المخزن المغربي آنذاك، بإقامة محاجر للعزل الصحي "صناطوريوم" وكذا بسبب قلة الاهتمام بالنظافة والتطهير تحت ذرائع دينية محضة. "كان المغاربة يعتبرون "الحجر الصحي" بمثابة الهروب من الموبوء، وهذا فرار من قدر الله الذي لا مرد لقضائه، وأن اتخاذ التدابير الوقائية والبروتوكولات الصحية، التي تقوم بها دول النصارى، لا يمكن تطبيقها في بلد مسلم كالمغرب لأن ذلك يناقض مبادئ الشريعة الاسلامية الصالحة لكل زمان ومكان ." تقول المصادر المذكورة. ورغم كل هذه الاحتياطات الصحية فإن الأستاذ "البزاز محمد أمين" أشار إلى أن الوباء الفتاك تمكن من الوصول إلى مدينة تطوان، عن طريق مدينة وهران الجزائرية، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المجلس الصحي الدولي بطنجة، ورغم منعه للحجاج من النزول بمينائها، وانطلاقا من تطوان انتقل هذا الوباء إلى طنجة وفاس وازداد استفحالا وتحول الى جائحة خلال انتقال جيش السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان إلى مراكش، حيث لقي العديد من أفراد الجيش المغربي حتفهم. "لم نقدر عدد من مات بهذا الريح "المقصود الكوليرا"، في المحلة (مدينة مصرية) لأننا كنا في دهش عظيم ..الحاصل مات بن المختار من أعيان أصحاب سيدنا، وقد أدى الحال إلى الكثرة والحيرة ....مما أدى إلى ترك الموتى على الأرض، تأكلها الضبع والذئاب ،ومن أحسنوا معه بالدفن ،دفنوه بحوائجه من غير غسل و لاصلاة " تقول المصادر المغربية. من خلال هذه المعطيات الواردة في إحدى الرسائل المخزنية، يتبين أن المغاربة بعد أن رأوا بأم أعينهم كيف يفتك هذا الوباء الخطير بهم ويجعلهم كالعهن المنفوش ،أصبحوا بدورهم يفرون من المصابين و لايقومون حتى بدفنهم مخافة انتقال العدوى إليهم، كما بدأ بعض موظفي المخزن الكبار يفكرون في بناء محاجر طبية على غرار ما هو معمول به عند دول النصارى،بعد أن أصبحت كلفته البشرية باهضة من حيث الأرواح.