منذ سنة 2013، انخرط المغرب في إنجاز مخطط وطني للصحة النفسية والعقلية، يتضمن بناء وتجهيز أربعة مستشفيات للأمراض النفسية والعقلية، بكل من أكادير والقنيطرة وبني ملال وقلعة السراغنة، بطاقة استيعابية تصل إلى 120 سريراً لكل مؤسسة، بمواصفات عالمية. وأعطت وزارة الصحة الأسبوع الماضي الضوء الأخير لانطلاق خدمات مستشفى الأمراض العقلية والنفسية بقلعة السراغنة، هذا الإقليم الذي كان معروفاً على الصعيد الوطني بتوافد عائلات وأسر مرفوقين بمرضى نفسيين يبحثون عن ضريح "بويا عمر"، المتواجد بجماعة العطاوية، أملاً في استشفاء صعب. وبعد أن أغلق ضريح "بويا عمر" سنة 2015، تكفلت وزارة الصحة بالنزلاء الذين بلغ عددهم أكثر من 800 شخص، كانوا يعيشون ظروفاً قاسية ولا إنسانية، ولم يكونوا يتلقون أي علاج يذكر، إضافة إلى إصابتهم بأمراض نتيجة الظروف غير الصحية التي كانوا يعيشونها. وكلف بناء وتجهيز مستشفى السراغنة مبلغاً مالياً قدره 56 مليون درهم، بمواصفات هندسية عالية الجودة، وعلى مساحة قدرها 30.000 متر مربع؛ وهو من مستشفيات الجيل الجديد، ويتميز بخدمات شاملة ومرافق خاصة بالأنشطة المهنية والثقافية، التي ترمي إلى إعادة إدماج المرضى. ويتوفر هذا المستشفى على أربع ورشات للعلاج المهني ومكتبة بقاعتين للمطالعة، وأربع قاعات للأنشطة الموازية، منها اثنتان للرسم وأخريان للموسيقى، إضافة إلى قاعات للمعلوميات، والطبخ والحلاقة والخزف، وكلها أنشطة تمثل فرصة تحرك القدرات الذهنية للمرضى. قطب الاستشفاء يتضمن 64 سريرا خاصة بالرجال، و46 سريرا خاصة بالنساء، أما مستشفى النهار فيتضمن 10 أسرة في وحدة الاستشفاء وأربع قاعات للاستشارة، في حين يبلغ عدد ورشات العلاج المهني 4، إضافة إلى قاعتين للقراءة وقاعتين للرسم وقاعتين للموسيقى. وخصصت وزارة الصحة للمستشفى الجديد بقلعة السراغنة خمسة أطنان من الأدوية، وهو ما سيضمن السير العادي للمؤسسة التي سيتم تشغيلها خدماتها بشكل تدريجي. الدكتورة هناء فتوحي، وهي طبيبة نفسية بالمستشفى، قالت في تصريح لهسبريس إن هذه المؤسسة توفر عدداً من الخدمات الاستشفائية، إضافة إلى خدمات أخرى لفائدة هؤلاء "المرضى النفسيين، عبر تعليمهم مهن الطبخ والحلاقة والخزف والخياطة"، وأضافت أن "هناك من سيكون بإمكانه تعلم مهنة، وهناك من سيستفيد من هذه الأنشطة بتزجية الوقت وتحريك القدرات الذهنية للنجاح في الاندماج في المجتمع". كما يتوفر المستشفى على مصلحة المستعجلات، إضافة إلى علاج يسمى "Sismothérapie"، إذ تتم الاستعانة بكابلات تستعمل في رأس المريض نفسياً لإعطائه شحنات كهربائية لكي يتم تجديد التركيبة الكيميائية للدماغ، وهو علاج يستعمل في الحالات المستعصية والخطيرة. وأوضحت الدكتورة هناء فتوحي أن هذا المستشفى شامل من ناحية التجهيزات والخدمات المتوفرة. وحول علاقة هذه المؤسسة ببويا عمر، أشارت إلى أن مستشفى السراغنة "خاص بالعلاج فقط، لكن وزارة الصحة تبحث إقامة مركب طبي اجتماعي في بويا عمر، يضمن إقامة عائلات المريض خلال مرحلة العلاج". ولتعزيز العرض الصحي في ما يخص الأمراض النفسية والعقلية في المغرب، عملت وزارة الصحة على تكوين 61 طبيباً اختصاصياً في الطب النفسي ما بين 2012 و2016، ليصل العدد الإجمالي إلى 290 طبيباً نفسياً، ما يمثل 0.85 طبيبا لكل 100000 نسمة. كما تم تكوين 472 ممرضاً مختصاً في الصحة النفسية، ليصل عدد الممرضين إلى 1003، أي بمعدل 2.96 ممرض لكل 100000 نسمة؛ وهو رقم لازال دون المستوى المطلوب عالمياً، والمحدد في 3.3 لكل مائة نسمة. وخلال الفترة نفسها، خصصت وزارة الصحة ما يفوق 2 في المائة من ميزانية الدواء لأدوية الصحة النفسية والعقلية، إذ تم اعتماد ما يفوق 50 مليون درهم سنوياً لاقتناء الأدوية الأساسية. وتراهن وزارة الصحة على رفع عدد الأسرة المخصصة للطب النفسي، في أفق 2021، بالانتقال من 2193 سريرا إلى 3000 سرير، ليصل المؤشر إلى سرير لكل 10 آلاف نسمة. كما تتعهد وزارة الصحة برفع عدد المراكز الصحية التي تقدم خدمات في الصحة النفسية من 83 إلى 130 مركزا صحيا، وإحداث مؤسسة بديلة للتكفل بالأشخاص المصابين باضطرابات نفسية في كل جهة، إذ يوجد حالياً مركزان بكل من سلا ومراكش. وتتجه وزارة الصحة إلى توفير العلاج بأدوية الطب النفسي لفائدة 80 في المائة من المرضى المصابين باضطرابات نفسية على مستوى المراكز الصحية، إضافة إلى إعداد وتفعيل المخطط الوطني للوقاية من الانتحار والتكفل بأمراض الخرف، خاصة مرض الزهايمر.