إن قائد الحراك الشعبي بالريف المدعو ناصر الزفزافي مازال يقبع في السجن الانفرادي لحد الآن، أنا غي قولتلكم وصافي زعما لا تكونو ماشي فراسكم ولا شي حاجة، وتقولي علاش ما قولتيهالناشي. ولا شك أنكم ستتساءلون معي لماذا لا يزال معزولا في زنزانته؟ وما معنى السجن الانفرادي أصلا؟ ناصر الزفزافي يقبع لوحده دون باقي سجناء المغرب قاطبة في السجن الانفرادي، إنها حالة استثناء في بلد يتغنى بالاستثناء صباح مساء. قد تتساءل لماذا يعامل كمجرم حرب وكقاتل محترف في حين أنه مناضل حر دافع عن حقوق منطقته الاجتماعية والثقافية. الجواب ببساطة تعرفه وأعرفه ويعرفه الجميع، إنه الانتقام ... هل تعرفون لماذا الانتقام وما أسبابه؟ يتم الانتقام من ناصر بالسجن الانفرادي لأنه انتصر على أعداء الوطن، ولأنه قام بتوعيتنا بحقوقنا وصرخ بدلا عنا في وجه الفساد وأذنابه...فبالرغم من أنه تم الاتفاق سابقا مع مدير عكاشة على إنهاء السجن الانفرادي لمعتقلي الحراك، إلا أن ناصر إلى حد الساعة لازال وحيدا في زنزانته يعاني ويقاسي، مُبعد كليا عن رفاقه في الحراك؛ كما لا يسمح له بالاجتماع معهم، مع أن السجن الانفرادي يكون استثنائيا في حالة ارتكاب السجين لجريمة ما داخل السجن أو تهديده لحياة المسجونين، ولا يجب أن تتعدى العقوبة فعليا في حال تطبيقها مدة خمسة عشر يوما، وإلا اعتبر ذلك تعذيبا مقصودا، كما هو حال الزفزافي الذي يتواجد انفراديا لمدة فاقت أربعين يوما. يعيش السجين ناصر وضعية شديدة القسوة غير مبررة لا أخلاقيا ولا قانونيا، حيث يقضي غالب وقته في زنزانة ضيقة ومتسخة، لا تتوفر فيها أبسط الشروط الصحية، ولا يخرج منها سوى لوقت قصير وبمفرده. كما يحضر عليه تلقي مكالمات وزيارات من غير عائلته، وبالتالي يفقد تدريجيا الارتباط بالعالم الخارجي، وقد تنشأ لديه مستقبلا اضطرابا نفسية نتيجة وضعيته. كما أن تسريب الفيديو المهين لم يكن اعتباطيا بل كان هدفه التأثير السلبي على نفسيته ومعنوياته. بالطبع أنتم تعرفون هذه الأشياء، نحن نذكركم فقط. السجن الانفرادي جريمة بشرية بامتياز، وإهانة لكرامة الإنسان الحر والأبِيّ، والسجن الانفرادي لقسوته ولا إنسانيته نظرت إليه القوانين الدولية باعتباره انتهاكا خطيرا، فهو أعزكم الله قبر للأحياء، والمكوث فيه لمدة طويلة يؤدي لآثار خطيرة على نفسية السجين المعزول في زنزانته وحيدا منقطعا عن بقية الأفراد بشكل تام، حيث يمنع عليه الاختلاط مع باقي المسجونين. وهذا النوع من العقاب ارتبط ظهوره تاريخيا بقسوة الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تعزل الخارجين عن تعاليمها بتهمة الهرطقة بغرض الضغط عليهم للتراجع عن أفكارهم. يؤدي السجن الانفرادي إلى إنهاك جسد المعتقل، وقد يصيبه ذلك مع مرور الوقت بقلة التركيز واضطراب النوم وتصاعد حدة القلق. كما أن هذا النوع من العقاب يولد لدى السجين الشعور بالندم المميت. وقد تستمر هذه الاضطرابات مع السجين المعتقل حتى بعد خروجه من السجن، لأن الآثار النفسية والجسدية العميقة لا تندمل، وهو ما شاهدناه في حالة سيليا التي أغمي عليها مرارا ولازالت تعاني من الناحية النفسية إلى الآن. لم يسلم نظام السجن الانفرادي من النقد واللوم الشديدين لأنه يفقد السجين معنى التواصل وتموت لديه الروح الاجتماعية، ولذلك فهو يستخدم في البلدان التي تحترم حقوق مواطنيها فقط للحفاظ على أمن السجن أو على أمن السجناء وسلامتهم الشخصية من مرتكبي الجرائم الكبرى كالقتلة أو مدمني المخدرات، وهو أمر لعمري لا ينطبق بتاتا على حالة ناصر. إن العزل هو أقسى الإجراءات العقابية في نظام السجون على الإطلاق، وهو إجراء تأديبي وضبطي مؤقت يتحول في المغرب ضد الأحرار إلى إجراء عقابي انتقامي دائم. ما الهدف إذن من وضع ناصر في السجن الانفرادي؟ الهدف الأساسي بعد الانتقام الشخصي منه، هو تعمد الإضرار القصدي بنفسيته، فالعزل خطير جداً، إذ تبدأ اضطرابات النوم في الأيام الأولى لدى السجين، ويرافقها فيما بعد أعراض فقدان الرغبة والإحساس بالأشياء وقد يتحول الأمر لاكتئاب مزمن. وإن كانت هذه العوارض لاتنجح مع الجميع. يخلق العزل للسجين حالة من الخوف الدائم وقد يصل الأمر إلى حد الإصابة بالاضطراب الذهاني، وهو اضطراب نفسي خطير ترافقه هلوسات سمعية وحالات حادة من الارتباك والتوتر، واضطرابات مستمرة في التفكير وتشوش البال، والعزل الانفرادي قد يصيب الأصحاء المتوازنين نفسياً بأمراض أخرى خطيرة، والتي لا شفاء منها حتى بعد الخروج من العزل. القابعون في العزل الانفرادي يعانون من الإصابة بأمراض نفسية بشكل مضاعف قياساً بمن يقبعون في الأقسام العادية للسجن نفسه حسب العديد من الدراسات. وإذا كانت بعض الأضرار النفسية التي يتسبب فيها العزل من شأنها أن تتلاشى بعد انتهاء مدته، فإن هناك اضطرابات أخرى لا شفاء منها؛ فكثير من النزلاء يدخلون السجن أصحاء نفسياً ويخرجون منها مضطربين فكريا، ولا يقتصر الضرر على الجوانب النفسية فقط؛ بل يؤدي إلى ظهور أمراض محسوسة في الجهاز الهضمي والجهاز البولي. ولا يسلم المعزول من الصداع النصفي واضطرابات القلب، وتزيد المساحة الضيقة من الضغط على نفسية السجين في ظل الوحدة القسرية المفروضة، والتي تفرض عليه لزوم مكانه لفترة طويلة، تقل فيها حركته، وفي كثير من الأحيان تكون جدران الزنزانة مهترئة من الرطوبة وكئيبة، ولذلك فالبلدان المتقدمة تعمل على الحد من استخدام الحبس الانفرادي، وبدأت فعليا عملية حظر اعتماده. السجن الانفرادي صديقي الفايسبوكي جريمة ضد الانسانية بجميع المقاييس، حيث تُسحق فيها روح الإنسان ويقتل فيها ببطء شديد وهو حيّ يرزق، لتُفرض عليه حياةة أشبه بالعيش داخل قبو مظلم. هذه الجريمة البشعة التي تتبناها أغلب دول العالم المتخلف في سجونها، وتحاول شرعنتها، تتسبّب في أمراض نفسية وجسدية، وتترك آثارها الروحية القاتلة حتّى لو كانت فترة الإقامة بالزنزانة مؤقتة وقصيرة. وهي تقوم على فلسفة شوفينية سادية، تتلذّذ بإيقاع أكبر قدرٍ من الألم بالكائن البشري وتعذيبه لأطول فترة ممكنة. ومها تكن الجريمة التي ارتكبها، فإنها لا تبرّر سحق روحه وإهانته بهذه الطريقة القذرة. فالمتهم بعد انتهاء التحقيق معه يفترض أن ينقل مباشرة إلى السجن الجماعي لقضاء فترة محكوميته، لا أن يستمر تعذيبه بمثل هذه الحياة البائسة التي تخنق الجسد والروح، وهو ما حصل مع ناصر الذي انتهت فترة تحقيقه. في الولاياتالمتحدةالأمريكية انتحر شاب في مقتبل العمر بعد أن خرج من المعتقل وهو يحمل معه عذابات السجن الانفرادي. وأمام هذه الفاجعة، تم إقرار يقضي حظر الحبس الانفرادي لمواطني الدولة. الحبس الانفرادي لا يقبله الإنسان حتى لكلبه أعزكم الله، فما بالكم بإنسان حر، ذو مبادئ وأخلاق وشعبية، ومعروف بنزاهته وحيويته وفضائله. وللعلم فإن فرنسا حين ألقت القبض على الأمير عبد القادر الجزائري لم تضعه في السجن انفرادي، بالرغم من العدد الكبير من الفرنسيين الذين قتلوا على يد رجاله، بل وضعوه رفقة عائلته. ونفس الأمر حصل مع الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي وضع في جزيرة لارينيون، وأعطي حق التنقل واستقبال الضيوف. كما أن انجلترا حين نفت نابليون بونابرت إلى جزيرة هيلانة منحته حق التجول والتنقل والتعامل مع المحليين. فمن أصدر إذن قرار عقاب الزفزافي بالسجن الانفرادي؟