التقيت المجاهد الكبير الراحل عبد الكريم غلاب في مكتبه في جريدة "العلم" بالرباط وكان ثالثنا المفكر المغربي الواعد آنذاك الدكتور عبد الإله بلقزيز (لم يكن قد حاز على شهادة الدكتوراه بعد)، في 21 ديسمبر 1990؛ وذلك لتسليمه دعوة من المؤتمر القومي العربي لحضور دورته الثانية التي كانت ستعقد في ربيع 1990. كانت الأمّة تعيش ظروفاً بالغة الخطورة إثر انقسام حاد في الموقف السياسي الرسمي العربي الذي كان بعض الرؤساء إثر غزو الكويت يدعو إلى حلّ عربي للأزمة ويرفض استحضار قوات أجنبية إلى الخليج، فيما كان البعض الآخر يركّز على أولوية تحرير الكويت من الغزو العراقي أيّاً كانت الظروف... لم يخف المجاهد الكبير، وقد دخل الواحدة والسبعين من عمره، المحاصر بالكتب والمجلدات وبأعداد قديمة من جريدة "العلم" الناطقة باسم حزب الاستقلال الذي كان أحد مؤسسيه، قلقه على مستقبل الأمّة من جراء الانقسام المدمّر بين العرب، والعدوان العسكري الأمريكي الذي يدق طبول الحرب... قال غلاب يوماً: "كل هزائم العرب تتسلل من خلال الانقسامات بينهم، حكاماً أو أحزاباً أو حتى أفراداً... وحين انطلقنا في جمعية الطلبة العرب في كلية الآداب في جامعة القاهرة عام 1942، برئاسة عبد الرحمن عزام (أمين عام جامعة الدول العربية فيما بعد)، بهدف "بعث الوعي القومي العربي" لم نكن نعتقد للحظة أن مستقبلاً قاتماً ينتظرنا إلى هذه الدرجة في فلسطين وسائر أقطار الأمّة". كانت الجلسة الطويلة معه يوماً، والجلسات الأخرى حين كنت أزور المغرب، حافلة بذكرياته عن نضاله الاستقلالي، وعمله لتوحيد المغرب العربي، وسعيه إلى تحرير فلسطين ووحدة الأمّة، وكان قوي الشكيمة، حاضر الذهن، عظيم الهمّة، واضخ الرؤية، سديد الرأي... لا أنسى حين التقيته في الدارالبيضاء عام 1997، يوم انعقاد المؤتمر القومي العربي للمرة الأولى في المغرب، بادرني ضاحكاً: "ها قد لبيت دعوتكم ولو بعد ست سنوات... فالعروبة والإسلام رضعناهما مع حليب أمهاتنا ولن نفرط بهما أبداً". في السياسة كان أديباً، وفي الأدب كان روائياً، وفي الرواية كان صحافياً، وفي الصحافة كان مناضلاً، فنال ثقة رفاقه في "الحزب"، كما في اتحاد الكتاب وهيئات الصحافيين، وتبوأ أعلى المواقع دون أن يخسر ككل الكبار ذرة من تواضعه – رحمه الله.