كان الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش كالزلال الذي نزل على السياسيين المغاربة، والذي ينم عن تغييرات جذرية خلال الدخول السياسي المقبل، وخصوصا على مستوى التنظيمات السياسية. وفي ظل التغييرات المرتقبة على مستوى قيادات الأحزاب الكبرى في المغرب، لم يفوت الملك محمد السادس فرصة التأكيد أنه لن يقبل بأيّ تراجع عن المكاسب الديمقراطية، ولن يسمح بأي عرقلة لعمل المؤسسات، بالقول إن الدستور والقانون واضحان، والاختصاصات لا تحتاج إلى تأويل، وخيّر المسؤولين بين ممارسة صلاحياتهم أو الاستقالة. وقال الملك، في هذا الصدد: "عوض أن يبرر المسؤول عجزه بترديد أسطوانة "يمنعونني من القيام بعملي"، الأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد"، مؤكدا أن "المغرب يجب أن يبقى فوق الجميع، فوق الأحزاب، وفوق الانتخابات، وفوق المناصب الإدارية". وفي هذا الصدد، يرتقب أن يكون الدخول السياسي المقبل حافلا بتغييرات جذرية في الأحزاب السياسية المغربية، بعد نهاية ولاية العديد منهم، أو في ظل الرفض الذي يطال آخرين داخليا، أو على مستوى تقديم الاستقالة. أمين السعيد، الباحث في الشأن السياسي، يري أن "من بين الخصائص التي تطبع المشهد السياسي المغربي بشكل عام، والمشهد الحزبي بشكل خاص، التحول في ظل الاستمرارية"، وزاد موضحا: "في ظل عطب المؤسسات التمثيلية وهشاشة فعاليتها وتراجع دور هيئات الوساطة ممثلة في الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، أصبح المشهد السياسي يتميز بتزايد الاحتجاجات المجتمعية وتوسع الاحتكاكات، حتى في المدن الصغرى، وهو ما أبان عنه حراك الريف". وقال المتخصص في العلوم السياسية والقانون الدستوري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "كل هذا يستدعي التفكير في إبعاد الدولة عن المواجهة المباشرة مع المجتمع وتطويق إيقاع الطلب المجتمعي الاحتجاجي المتزايد الذي يفوق بكثير عمل الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية والنقابات المهنية"، مشددا على أهمية "إعادة ترتيب وتأثيث المشهد السياسي المعطوب، ما بدأت تظهر ملامحه". وأكد السعيد أن تجليات إعادة ترتيب المشهد بدأت من خلال إبعاد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عن رئاسة الحكومة، والتحضير لجر البساط من تحت حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، والاستقالة التي قدمها إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة على أنظار المكتب السياسي للحزب. "بالرغم من الدعوة الملكية الصريحة التي عبر عنها خطاب العرش لسنة 2017، فإن التاريخ السياسي يوضح بشكل جلي أن بنية الهيئات الحزبية استعصت على التغيير العميق بالرغم من توسيع اختصاصاتها في الدستور وفي القانون التنظيمي المنظم لها"، يقول المتحدث نفسه، الذي أشار إلى أن "الفضاء الحزبي المغربي سيعرف تغيرا نسبيا على مستوى القيادات. لكن يبقى التحدي الكبير والرهان متعلقا بإستراتيجيات الأحزاب ومدى قدرتها على صياغة تصور متماسك ومنسجم لإعادة الثقة في العمل السياسي"، منبها إلى أهمية "القيام بدور الوساطة الذي أضحى ينفلت منها، ومدى قدرتها في تحصين قرارها الحزبي في مواجهة التدخلات التكنوقراطية".