برهنت الاحتجاجات التي شهدها المغرب على أن المراهنة على سياسة “التكنوقراطية” لوحدها لن تكون مجدية دون مسار إصلاح ديمقراطي انطلق فعلًا مع اعتماد الدستور الجديد لكنه تباطأ أو تراجع بعد ذلك لفائدة المقاربات التقنية غير الديمقراطية رغبة في تحقيق الطفرات النوعية على مستوى المؤشرات التنموية والاقتصادية. مصطفى جالي أسهمت التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب منذ نهاية التسعينات في ظهور نخبة تكنوقراطية جديدة أصبح تموضعها يحتل حيزًا أساسيًّا في الهرم السياسي المغربي، وأصبح نفوذها يتزايد بشكل مقلق مقابل تراجع السياسيين. هذه الظاهرة انطلقت منذ عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، الذي كان اعتماده على التكنوقراط في تدبير الشأن السياسي منهجًا في الحكم ونابعًا من اختيار استراتيجي معاد للديمقراطية وللسياسة، وقد ارتبط في البداية بمرحلة الفراغ السياسي التي عرفها المغرب منذ الستينات من جرَّاء الصراع الذي اندلع بين الملكية وأحزاب الحركة الوطنية، وارتبط فيما بعد برغبة الدولة في استبعاد النخب الحزبية من تدبير الشأن السياسي وتقليص دورها. واستمرت هذه الظاهرة إلى عهد الملك محمد السادس؛ حيث أصبح حضور التكنوقراط في الحقل السياسي المغربي أشبه بعرف سياسي، حيث لا تكاد تخلو حكومة أو حزب سياسي أو مؤسسة من مؤسسات الدولة من نخب تكنوقراطية ذات مرجعية تقنية وتدبيرية صرفة؛ تستمد شرعيتها من قربها من السلطة من جهة، ومن الخبرة والانضباط والكفاءة التدبيرية التي تؤهلها لتسيير الدولة وفق رؤية تعطي الأولوية لقضية التنمية الاقتصادية على حساب العمل على بناء دولة ديمقراطية حديثة يسودها الحق والقانون. في هذا الإطار، فإن الدعوة التي وجهها الملك لرئيس الحكومة في خطاب الذكرى العشرين لتوليه العرش، والتي جاء فيها أنه من الضروري “إغناء وتجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية بكفاءات وطنية عالية المستوى” عن طريق القيام بتعديل حكومي بداية من الدخول السياسي المقبل (الموافق للجمعة الثانية من شهر أكتوبر 2019) ليؤشر لدخول مرحلة أخرى من حضور النخب التكنوقراطية في الحقل السياسي. في انتظار التحقق من ذلك، يناقش هذا التقرير علاقة النخب التكنوقراطية بالسياسة في المغرب: الوظائف والمهام التي تؤديها في الحقل السياسي؛ وتأثيرها على المسار الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب منذ تولي الملك محمد السادس العرش. عودة أسلوب قديم في الحكم غداة استقلال المغرب، شرعت المؤسسة الملكية ومعها أحزاب المعارضة في محاولات لاستقطاب الكفاءات والأطر؛ بغية تعزيز صفوفهما وبهدف المساهمة في إدارة مؤسسات الدولة وتسيير القطاعات الحيوية للبلاد. فقد تم في البداية الاعتماد على خبراء فرنسيين وأجانب، في حين تم الاعتماد على النخب الحزبية التي حظيت بتعليم عال بفرنسا أو بالمشرق العربي خاصة من حزب الاستقلال الذي كان يُعدُّ آنذاك القوة السياسية الرئيسية في البلاد لأداء المهام السياسية؛ والتي ستشكل الحكومات الأولى للمغرب إلى جانب بعض الشخصيات المدنية والعسكرية التابعة للمؤسسة الملكية. وعيًا منها بالحاجة الملحَّة للكفاءات والأطر، فقد بذلت الدولة المغربية مجهودات كبيرة في تشييد مؤسسات تعليمية جامعية ومعاهد لتخريج أطر يمكنها الاعتماد عليها في تسيير مؤسساتها السياسية والاقتصادية والإدارية. في خضم ذلك، فقد تحول استقطاب الأطر إلى مجال للتنافس بين الدولة والأحزاب؛ حيث إن الملكية عملت على استقطاب العديد من الأطر وتوظيفها في مختلف الإدارات، من أجهزة أمنية وعسكرية وقضائية وتقنية…، مفضِّلة في ذلك الاعتماد على الأطر التي تتخرج من المعاهد والمدارس العليا سواء بالمغرب أو في الخارج نظرًا لولائها وجاهزيتها للاندماج في مشروعها في بناء دولة ما بعد الاستقلال. هذا التوجه سيتعزز في عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، بعدة محاولات لاستقطاب الأطر والكفاءات هذه المرة من داخل الأحزاب السياسية لكن ذلك المسعى ظل محدودًا نظرًا للعلاقة المضطربة التي كانت بين الملك وأحزاب المعارضة؛ الأمر الذي سيدفعه في ظرفية جد حساسة تميزت بإعلان حالة الاستثناء إلى الاستعانة بنخب تكنوقراطية غير مسيسة لتسيير مؤسسات الدولة في الحكومة والإدارات؛ حيث كانت الحكومات التي عينها الملك آنذاك ما بين منتصف الستينات وبداية السبعينات (كحكومة أحمد العراقي، وحكومة أبا حنيني، وحكومات كريم العمراني وغيرها) تتشكل في غالبيتها من وزراء تكنوقراط. لكن بالنظر لافتقاد هذه النخبة لأية شرعية أو سند سياسي، فقد عمدت الدولة إلى تأطيرها داخل الأحزاب السياسية، بل الأكثر من ذلك وانطلاقًا من منتصف السبعينات فقد عملت الدولة على تشجيع تأسيس أحزاب جديدة قادرة على إنتاج واحتواء النخب المرتبطة باستراتيجية الدولة والموالية لتوجهاتها. فقد جرى تأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار من طرف صهر الملك، أحمد عصمان، الذي أمدَّ الدولة بالأطر التي كانت في حاجة إليها طيلة فترة نهاية السبعينات، ليتم اللجوء بعد ذلك إلى تشكيل الاتحاد الدستوري من قبل المعطي بوعبيد الذي وفر للدولة مجموعة من الأطر التي أسهمت في تدبير الفترة السياسية والاقتصادية العصيبة التي مرَّ بها المغرب في الثمانينات. في نهاية عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، في سياق التحضير لانتقال العرش لولي عهده، عرف المغرب فترة انفتاح سياسي سُميت ب”التناوب التوافقي” أدت إلى إشراك جزء من المعارضة السياسية ممثلة في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بزعامة عبد الرحمن اليوسفي في التدبير الحكومي الذي أُسندت له مهمة اقتراح بعض الأطر الحزبية لتشكيل الحكومة، هذه الأخيرة ضمت العديد من الوزراء التكنوقراط الذين كان لهم دور كبير في المجال الاقتصادي والإداري، خاصة أن المغرب كان يمر بأزمة اقتصادية، وأُسندت إليها مهمة تنفيذ إصلاحات اقتصادية وإدارية (تحرير الاقتصاد -الخوصصة- وإصلاح الإدارة). بناء على ذلك، يمكن أن نستنتج أن علاقة التكنوقراط بالسياسة في السياق المغربي هي علاقة ارتباط وتأثير متبادل، وفي تفاعل مستمر حيث إن السياسي مرتبط دائمًا بالتكنوقراطي، وهذا الأخير يتأثر بالسياسي وفق سيرورة من التفاعل داخل المنظومة السياسية والحزبية. حيث من الملاحظ أن وجود التكنوقراط في الحقل السياسي المغربي أصبح عرفًا سياسيًّا وفي تزايد مستمر الذي لطالما عرف وجود شخصيات وزارية وأطر إدارية تكنوقراطية أو أحزاب بزعامات ذات خلفية تكنوقراطية، تستمد شرعيتها من قربها من السلطة من جهة، ومن الخبرة والانضباط والكفاءات التدبيرية التي تؤهلها أكثر من غيرها لتسيير المجتمع وفق مقاربة تدبيرية واقعية، من جهة ثانية. بالتالي، فقد تأسس المغرب طيلة عهد الحسن الثاني -الذي “لم يكن ينكر استفراده بالحكم الذي لم يكن مستعدًّا لتقاسمه مع أي حزب أو شخص”- على فلسفة مفادها ضرورة إرساء أسلوب حكم غير مسيَّس، بديمقراطية شكلية ونخب سياسية تحت الوصاية أو أخرى تكنوقراطية مرتبطة باستراتيجية الدولة بدون انتماء ومن غير مرجعية، و”إسناد مسؤوليات الحكم لشخصيات لا تمثل قوة سياسية حقيقية في البلاد وليس لها علاقة بالجماهير”. حيث إن الملك الراحل كان يتصور “أن المغرب بحاجة إلى دولة قوية وليس من اللازم أن تكون ديمقراطية”. هذا الأسلوب كان يخضع بين الفينة والأخرى لنوع من الملاءمة الظرفية؛ حيث يتم تعديل مقدار الانفتاح والانغلاق السياسي حسب المطلوب والممكن لإدارة الحياة السياسية، وحسب ما تقتضيه الظرفية والرهانات الداخلية والخارجية بين الاستمرار في التقدم أو التوقف أو التراجع إلى الخلف. لذلك، فقد عرفت السنوات الأخيرة من عهد الحسن الثاني نوعًا من الانفتاح لفائدة المعارضة كما أن عهد الملك محمد السادس يمكن اعتباره أكثر تسيسًا من عهد والده، الذي كان اعتماده على التكنوقراط منهجًا في الحكم لقتل السياسة ونابعًا من اختيار استراتيجي معاد للديمقراطية والسياسة ومن قناعة سياسية راسخة، أما في الوقت الراهن فإن وجودهم ربما يكون مرتبطًا بالهاجس التنموي وبالظرفية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها البلاد. فقد لعب الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب مع حركة “20 فبراير” في فترة الثورات العربية دورًا أساسيًّا في أفول نجم النخب والزعماء التكنوقراطيين، الذين تراجعوا للوراء أمام مطالب الشارع من أجل إدخال تغييرات جوهرية على الممارسة السياسية، وأجهض طموحات الوافد الجديد (حزب الأصالة والمعاصرة) ومعه زعماء الأحزاب الذين تكتلوا آنذاك فيما سمي بالتحالف من أجل الديمقراطية (G8) بنيَّة التحكم في المشهد السياسي ووقف تمدُّد حزب العدالة والتنمية، في محاولة لاستنساخ تجربة “الفديك” وأحزاب الإدارة، خاصة مع اعتماد دستور فاتح يوليوز 2011 الذي جعل الاختيار الديمقراطي من الثوابت والنَّفَس الديمقراطي الذي حملته انتخابات 25 نوفمبر 2011 والتي أعادت للأحزاب السياسية مكانتها ولو مؤقتًا في الهندسة الحكومية تخلت الدولة قد فيه لأول مرة في تاريخها عن وزارتي الداخلية والخارجية لفائدة وزراء حزبيين. لكن اليوم بالنظر لحجم التكنوقراط داخل التشكيلة الحكومية (أزيد من سبعة وزراء)، والدعوة التي وجهها الملك محمد السادس لرئيس الحكومة في خطاب العرش الأخير لتعزيز الحكومة بالكفاءات في مختلف المناصب، عن طريق القيام بتعديل حكومي قد يفسح المجال لدخول عدد إضافي من الوزراء التكنوقراط أو هيمنتهم على تشكيلة الحكومة؛ الأمر الذي يدفع للتساؤل: هل هذه الخطوة ارتداد جديد نحو أسلوب “الحكم غير المسيَّس” الذي انتهى نظريًّا مع الثورات العربية ودستور 2011 أم أنها فقط مجرد مرحلة مؤقتة تتطلب درجات عليا من الخبرة والكفاءة في تنفيذ الجيل الجديد من المشاريع التي ستقبل عليها المملكة إلى حين تحسن المؤشرات الاقتصادية والخروج من أزمة التنمية، نظرًا لكون مواكبة النخب الحزبية لم تكن في المستوى، وخاصة بعد موجة الاحتجاجات التي اندلعت في عدة مناطق من المغرب وأدخلت البلاد في أزمة سياسية وأخرى ذات صلة بمجموعة من القطاعات الاجتماعية؟. من الوظيفة التقنية إلى الوظيفة السياسية تستمد كلمة “التكنوقراط” أصلها من اللغة اليونانية؛ حيث تحيل إلى الحُكم الفني؛ أي الذي يرتبط بمجموعة من الأشخاص المتخصصين في مجال ما، مثل: الهندسة والتعليم والاقتصاد والفلاحة والطب والمحاماة وغيرها، عن طريق تأسيس حكومات يكون وزراؤها من المُختصين؛ فتسمى حكومة تكنوقراطية أو حكومة الكفاءات. كما تعرَّف التكنوقراطية بأنها مذهب سياسي يمنح أهل الخبرة والاختصاص غير المنتخبين الذين يُفترض فيهم وضع مصلحة البلاد فوق مصلحة أي حزب أو جهة سياسية نفوذًا أكبر على حساب السياسيين. بالتالي، فهي شكل من أشكال الحكومات التي يتم اختيار أعضائها استنادًا إلى خبرتهم وكفاءتهم التقنية، وبذلك تكون حكومة التكنوقراط مختلفة عن الحكومة السياسية؛ فهذه الأخيرة تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية وما تفرزه صناديق الاقتراع بناء على اختيارات حزبية ومفاوضات سياسية، في مقابل شرعية الكفاءة والإنجاز. في السياق المغربي، يحيل مفهوم التكنوقراط إلى النخب الجاهزة من المهندسين ورجال الأعمال والمقاولين والمديرين وكبار موظفي الدولة… تجمع بينهم قواسم مشتركة وسمات خاصة من كفاءة وقيادة وانضباط ورؤية واقعية وأخرى مرتبطة بعامل الخبرة والتدرج في هيئات الدولة، فضلًا عن التوفر على رأسمال معرفي أو اقتصادي أو اجتماعي يعتبر في أغلب الأحيان امتدادًا للنخبة التقليدية ويضاف إليه اللون السياسي. في الغالب، تلقوا تكوينًا عاليًا خاصة في المدارس الفرنسية (10) مقابل فئة قليلة تخرجت في معاهد وجامعات مغربية، والذين إما راكموا تجربة طويلة في الوظيفة العمومية أو الذين اكتسبوا مهارات في التسيير إما كمقاولين أو رجال أعمال في القطاع الخاص. شخصيات تتمتع بدرجة عالية من الولاء للملكية وتحظى بالتزكية من قبل الملك أو احتضان حاشيته للقيام بمهام ووظائف محددة. هذه الفئة من النخبة تمتاز بقدرتها على استثمار المعرفة التقنية وفق مقاربة تدبيرية، إلى توظيفها من منظور سياسي، مما يمكِّنها من الدوران بين أعلى المناصب والوظائف الإدارية في الدولة والتي ستؤهلها فيما بعد للقيام بوظائف سياسية. الوظيفة التقنية: تكامل الأدوار مع انتقال العرش إلى الملك محمد السادس، ونظرًا للتحديات التي حملها العهد الجديد، اتضح أن الأطر الحزبية التي شكَّلت حكومة التناوب، لم تكن لها الخبرة التقنية الكافية أو التجربة الطويلة. وهو ما دفع بالملك بعد سنتين من توليه الحكم، لتجاوز “المنهجية الديمقراطية” واستبدال تكنوقراطي غير سياسي لرئاسة الحكومة (رجل أعمال شغل عدة مناصب إدارية ووزارية في الدولة خلال عهدي الحسن الثاني ومحمد السادس كان أبرزها وزارة الداخلية بين سنة 2001و2002 ثم كوزير أول بعد ذلك بوزير أول سياسي تصدر حزبُه نتائج الانتخابات)، هذا المنطق هو نفسه الذي سيحكم تشكيل حكومة عباس الفاسي (حزب الاستقلال) اللاحقة ما بين عامي 2007 و2011؛ حيث جرى إقحام العديد من الأطر التكنوقراطية التي تمرَّست لمدة طويلة في تسيير إما مؤسسات عمومية أو قطاعات اقتصادية خاصة؛ كان من ضمنهم عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، المشارك اليوم في الحكومة، وزير الفلاحة والصيد البحري (منذ تلك الفترة) أضاف إليها حاليًّا قطاعي التنمية القروية والمياه والغابات، الذي جيء به لتنفيذ خطة فلاحية جديدة تدعى “مخطط المغرب الأخضر”. شخص ذو نفوذ داخل التحالف الحكومي (اعترض في مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية على دخول حزب الاستقلال للحكومة وتمكن في الأخير من إقحام حزب الاتحاد الاشتراكي وإزاحة عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة واستبدال زميله في الحزب، سعد الدين العثماني، به) يعد في الوقت الراهن “النموذج المثالي” للتكنوقراطي الذي خضع للتأطير الحزبي، رجل أعمال ثري يحظى بثقة الملك ويحمل مشروعًا إصلاحيًّا تقنيًّا خاليًا من السياسة يتماشى مع استراتيجية الدولة ويطمح لترؤس الحكومة أفق الانتخابات البرلمانية المقبلة في .2021 لقد عرف عهد الملك، محمد السادس، قفزة نوعية في تعبئة التكنوقراط في الفعل العمومي الذي تزامن مع فترة تراجع السياسيين عن تقلد المناصب الحساسة في الدولة، ليشمل إدماجهم (التكنوقراط) خاصة على مستوى وزارات السيادة وفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية كولاة وعمال أو كوزراء أو وزراء منتدبين وكمديرين للمديريات المركزية التابعة لمختلف القطاعات الوزارية؛ الأمر الذي يؤشر على وجود توجه يروم إعطاء الأولوية للمشاريع ذات الطابع التنموي والاقتصادي والمالي والأمني التي تحظى برعاية عاهل البلاد والرغبة في إخراج القطاعات الاستراتيجية من خانة التنافس السياسي والجدال الحزبي وفتح الهامش للأحزاب لتسيير القطاعات الآنية أو التي تُعتبر أقل أهمية. بالتالي، فإن الاعتماد على أطر تكنوقراطية ليس جديدًا، فهو أسلوب تنهجه الدولة في الوقت الحالي لتدبير الشأن العام يقوم على مبدأ “استبدال الحكامة بالحكومة”(13) سيؤدي إلى وضع مزيد من المسافة بين الفعل العمومي والأحزاب السياسية. هذا الأسلوب فرضته الظرفية التي ارتبطت أساسًا بتحديات التنمية الاقتصادية غير المتكافئة واتساع الفوارق بين الطبقات الاجتماعية والتفاوتات المجالية التي أضحت تتطلب اليوم ضرورة إعادة النظر في “النموذج التنموي المغربي” وبحثًا عن الفعالية في تنفيذ الأوراش الكبرى، في ميدان الحكامة أهمها: أولًا: ورش الجهوية الموسعة التي ترتكز على النخب المحلية التي تتطلب كفاءات عالية لتسيير جهات أصبحت تتمتع بصلاحيات واسعة. ثانيًا: تلك المتعلقة بالنموذج التنموي الذي عرف إعطاء انطلاقة مجموعة من المشاريع والمبادرات التي تهم تطوير عدة قطاعات حيوية من بنية تحتية، وتنمية البشرية في قطاعات الفلاحة والصناعة وقطاع السياحة، والاستثمار وفي المجال الطاقي وغيرها. والتي لم ترقَ نتائجها ومخرجاتها إلى المستوى المطلوب. هذه الوضعية أصبحت تستدعي توظيف نخب وكفاءات جديدة تكنوقراطية أو شبه تكنوقراطية تتمتع بحكم تكوينها وخبرتها بالفعالية في مواكبة وتنفيذ البرامج والمخططات التنموية الإصلاحية من جهة، وفي إمكانية مساهمتها في تطوير عمل الأحزاب السياسية، من خلال تسخير مهاراتها وخبرتها لإغناء القوة الاقتراحية في مختلف ميادين تدبير الشأن العام من جهة ثانية. بالتالي، فإن الوظائف التقنية التدبيرية التي أُنيطت بهذه الفئة من النخب تعتبر مكملًا لوظائف النخب الحزبية المنتخبة، وترمي إلى تحقيق نوع من التوازن في تدبير القطاعات الوزارية، التي تمزج بين المقاربة التدبيرية والمعالجة السياسية، ونابعة من أهمية وطبيعة الأوراش والبرامج التنموية التي تراهن عليها المملكة؛ حيث إنها لم تعد تكتفى فقط بتسيير الشأن العام تقنيًّا فحسب، بل أصبحت أيضًا تشارك في اليقظة والتخطيط وإعداد القرارات الحكومية على المستوى المتوسط والبعيد، نظرًا لتموقعهم على أكثر من مستوى، كل هذه الخصائص والمقومات ستجعل هذه الفئة تخضع لنوع من “الدوران” في عدة وظائف في مستويات مختلفة (كوزراء في الحكومة كسفراء في دول أجنبية كعمال أو ولاة بالإدارة الترابية -كمديرين للمؤسسات العمومية الاستراتيجية- أو للقيام بمهام في الديوان الملكي…) أو سيجعلها تخضع للاندماج والاستقطاب أو التأطير داخل الأحزاب بهدف القيام بوظائف سياسية. الوظيفة السياسية: من المنافسة إلى المرافقة فالصراع بعد نهاية تجربة التناوب السياسي في أكتوبر 2002، التي تم فيها نسبيًّا التركيز على النخب السياسية وجعل التكنوقراط رهن إشارتهم ونظرًا لضعف أداء الكفاءات التي تفرزها الأحزاب السياسية والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المغرب، فقد عرفت النخب التكنوقراطية غير الحزبية تطورًا كميًّا لافتًا داخل التشكيلات الحكومية، خاصة مع حكومة التكنوقراطي، إدريس جطو، وحكومة الأمين العام لحزب الاستقلال، عباس الفاسي. حيث إن تصاعد دور التكنوقراط بالمغرب ارتبط في السابق بعاملين، أولهما: فترات الفراغ السياسي التي مرَّ بها المغرب، والتي تأجج فيها الصراع بين أحزاب الحركة الوطنية والملكية (منذ الستينات)، كما ارتبط في مرحلة من المراحل برغبة الدولة في احتكار ممارسة السلطة واستبعاد النخب الحزبية من تدبير الشأن العام وتقليص دورها؛ الأمر الذي سيسهم في إضعاف وتهميش دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة، التي يعد تمثيل المواطنين والتنافس على السلطة من أدوارها الأساسية. فلطالما كان اعتماد الدولة على الوزراء والأطر التكنوقراطية غير المنتمية أو المؤطَّرة حزبيًّا، مرتبطًا بالمناخ السياسي الذي تعيشه البلاد. ففي الفترات التي كان يعرف فيها المغرب نوعًا من الانفتاح يكون وجود السياسيين طاغيًا، بحيث يكون التكنوقراط مجرد مساعدين ومكملين، أما في الفترات التي تشهد انحباسًا أو أفولًا ديمقراطيًّا فإن النخب التكنوقراطية تكون مهيمنة وتلعب دور المنافس للنخب الحزبية التقليدية؛ حيث إن العلاقة بين الفاعلين مبنية في الأصل على منطق تكامل الأدوار، لكن ما أن يتحول التكنوقراطي إلى فاعل سياسي في إطار حزبي أو يؤدي وظائف سياسية أو ذات طابع سياسي حتى تتحول هذه العلاقة من منطق التكامل إلى منطق التنافس الذي عادة ما يغلِّب كفة التكنوقراط (المعيَّن) على حساب السياسي (المنتخب) نظرًا لعدة عوامل، أهمها القرب من دوائر صنع القرار الأمر الذي يجعلها في منأى من أية رقابة أو محاسبة سياسية. على اعتبار أن التكنوقراط يتميزون عن غيرهم من السياسيين المستقلين بالامتثال التام للأوامر وبنوع من البراغماتية والحياد السياسي، وبقدرة تقنية وتخصصية تجعلهم مؤهلين لتقلد المناصب العليا، بعيدًا عن الأيديولوجيات والتوجهات السياسية لصالح المقاربات التقنية والأبعاد التدبيرية للإصلاح، مما يمكِّنهم من توجيه النظر نحو النتائج والآثار المرجوة. فبعد سنوات من التدبير التقني لمجموعة من القطاعات، أصبحت النخب التكنوقراطية مدعوة لمرافقة الأحزاب السياسية في عملية تأهيل الحقل السياسي من خلال: أولًا: عملية انخراط النخب بشكل إرادي في الحقل السياسي، رغم كونه ضعيفًا نظرًا لعدة عوامل: أولًا: بسبب ضعف الثقافة السياسية لدى النخب التقنية؛ ثانيًا: بسبب ضعف العرض الحزبي الذي لم يعد يُغري المواطنين عمومًا بالانخراط في السياسة وافتقاد السياسيين للمصداقية وثقة النخب؛ ثالثًا: نظرًا لكون العلاقات العائلية والزبونية لا تزال تطغى على هيكلة وإدارة الأحزاب السياسية المغربية حيث يتم احتكار المناصب والامتيازات من طرف الأشخاص والعائلات ذات النفوذ. ثانيًا: من خلال عملية استقطاب الكفاءات والأطر التكنوقراطية من طرف الأحزاب السياسية، حيث انتبهت الأحزاب السياسية مؤخرًا لضرورة استعادة دورها الدستوري في تأطير المواطنين وخاصة ذوي الكفاءات منهم؛ الأمر الذي دفع الكثير منها إلى اللجوء للمقاربة التكنوقراطية والقيام باستقطاب بعض الأطر المتخصصة في عدة مجالات وتأطيرها سياسيًّا في الأحزاب؛ الأمر الذي من شأنه أن يُقيم بعضًا من التوازن بين ما هو سياسي حزبي وما هو إداري تقني بهدف مجابهة أي تهميش محتمل أو منافسة من قبل النخب التكنوقراطية التابعة للدولة. ثالثًا: من خلال التأطير داخل الأحزاب، نظرًا لكون الأطر التي تم استقطابها من طرف الأحزاب السياسية لم تكن لها الخبرة التقنية الكافية أو التجربة الطويلة؛ ذلك ما دفع للقيام بحملة لتحزيب بعض الأطر، التي سيتم تعيينها في بعض القطاعات الوزارية الحيوية (كالطاقة والفلاحة والنقل والتجهيز والسياحة وتحديث القطاعات الإدارية وغيرها) أو توفير غطاء حزبي لتلك التي تم تعيينها مسبقًا، كما هو الشأن بالنسبة لشخصيات، مثل: عادل الدويري وكريم غلاب وتوفيق حجيرة وياسمينة بادو في حزب الاستقلال، وصلاح الدين مزوار وعزيز أخنوش وأمينة بنخضرا وياسر الزناكي وحفيظ العلمي… في حزب التجمع الوطني للأحرار، ومحمد حصاد وسعيد امزازي في الحركة الشعبية… بهدف تبرير شرعية ولوجهم للمناصب الوزارية ووجودهم على رأس بعض القطاعات الحكومية، أو على مستوى الإدارات والمؤسسات العمومية. ولكون هذه النخب لم تتمكن دائمًا لسبب من الأسباب من الجمع بين الدور التقني والدور السياسي الذي غالبًا ما انتهى بالفشل أو أدى لارتكاب أخطاء فادحة، فإن هذه الظاهرة ستفرز ظاهرة أخرى تتمثل في قيام تلك النخب التكنوقراطية التي تم إما تأطيرها حزبيًّا (كقطع غيار) أو التي ترعرعت داخل الأحزاب في وقت من الأوقات بأداء مهام تقنية أو تدبيرية خارج إطارها الحزبي الذي انبثقت منه، نذكر على سبيل المثال لا الحصر نموذج عزيز أخنوش الذي تم تعيينه وزيرًا للفلاحة في حكومة بنكيران الأولى رغم أن حزبه (الذي استقال منه آنذاك) لم يكن جزءًا من التحالف الحكومي، ووزير التربية محمد الوفا الذي استمر في حكومة بنكيران الثانية رغم انسحاب حزبه (الاستقلال) من التحالف الحكومي، أو يوسف العمراني الذي خرج من وزارة الخارجية في حكومة بنكيران الأولى باسم حزب الاستقلال لأداء مهمة في الديوان الملكي، ثم ياسر الزناكي الذي خرج من وزارة السياحة باسم حزب التجمع الوطني للأحرار ليتم تعيينه مستشارًا ملكيًّا. إن جدلية السياسي والتكنوقراطي في الفعل العمومي قد أدت في السنوات الأخيرة إلى “تكنقرطة الفعل السياسي” وتزايد دور الخبرة والمعرفة المتخصصة في تدبير الشأن العام وسط تداخل وترابط الأدوار بين كل من التقني والسياسي، مما يجعلنا أمام سيرورة من التفاعل المتبادل الذي يأخذ طابعًا تكامليًّا في بعض المجالات ويتطور إلى مجال للصراع والتنافس في مجالات أخرى .الأمر الذي أصبح من الصعب معه جدًّا فصل الوظيفة السياسية عن الوظيفة التقنية، وهو الأمر الذي تبرزه التجارب في بعض الدول الديمقراطية كفرنسا والولايات المتحدة الأميركية؛ فمثلًا مع تجربة كل من الرئيس، إيمانويل ماكرون، التكنوقراطي الذي قادته تجربته كمستشار في الإليزيه وكوزير للاقتصاد إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية، والرئيس، دونالد ترامب، الذي قادته ثروته وخبرته كرجل أعمال إلى البيت الأبيض. الأمر الذي يؤكد أننا في عصر أصبحت فيه السلطة مرتبطة أكثر بالتكنوقراط، وأن شرعيتهم تكمن في امتلاكهم للسلطة المعرفية بالتالي فإن العلاقة بين النخب الحزبية المستقلة والنخب التكنوقراطية قد انتقلت من منطق المنافسة إلى منطق المواجهة والصراع على السلطة. فالدولة المغربية تعتبر أن تعزيز دور التكنوقراط في المنظومة السياسية والحزبية يعتبر خطوة من شأنها أن تسهم في إعادة تأهيل الحقل السياسي المغربي والارتقاء به، بهدف إعادة الثقة في العمل السياسي الذي تعرَّض للتمييع ولم يعد يتوفر على المصداقية، ومن أجل خلق نوع من التوازن السياسي وتطعيم الحقل السياسي بنخب جديدة بهدف الرفع من نسبة المشاركة الانتخابات. كذلك من أجل حلِّ معضلة عجز الأحزاب السياسية عن القيام بأدوار الوساطة بين المواطنين والدولة من خلال المؤسسات، التي كشفت عنها أزمة الاحتجاجات التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة في منطقة الريف وغيرها من غياب الوساطات الحزبية وانسحاب ممثلي أحزاب الأغلبية الحكومية من الحوار مع المحتجين الذين فضَّلوا ترك المجال للدولة ونخبها التكنوقراطية من أجل معالجة الأزمة والخروج من عنق الزجاجة. حيث إن الوعود التنموية التي تم تقديمها آنذاك لم تُجدِ وحدها نفعًا في تهدئة الوضع، أمام مطالب اقتصادية واجتماعية سرعان ما اتخذت طابعًا سياسيًّا. وهنا، ستبرز من جديد إشكالية اختيار الدولة المغربية بين أولوية التنمية أو أولوية الديمقراطية. الاختيار العسير بين التنمية والديمقراطية يثار الكثير من النقاش العلمي والأكاديمي حول إشكالية السببية بين الديمقراطية والتنمية، أي هل تتسبب الديمقراطية في التنمية أم العكس؟، أي مدي أهمية إجراء انتخابات حرة وتنافسية في تحديد الاختيارات الإستراتيجية حول عملية التنمية. بالمقابل، إلى أي مدى يُعد وجود مستوى معين من التنمية شرطًا أساسيًّا للممارسة للديمقراطية؟ هذه الأسئلة تجد إجابات متباينة بين من ينفي وجود علاقة مباشرة بين “نوع النظام” وإجمالي الدخل؛ حيث يستند هذا الطرح إلى رأي مفاده أن الأنظمة التي تتميز ب”التنمية الموجهة” وتقييد الحقوق السياسية هي الأفضل في تحقيق نتائج التنمية على العكس من الحكومات الائتلافية المتغيرة والتي تبدو مترددة وغير حاسمة في عدة قضايا خاصة في البلدان التي انتقلت حديثًا إلى الديمقراطية. ونظرًا لتعثر الاقتصاد واستمرار الفقر والبطالة والفساد والفوارق الاجتماعية التي تواجهها عدة قطاعات حيوية، يسود السخط وعدم الرضى عن النخبة السياسية؛ الأمر الذي يمكن أن يؤدي بالسكان إلى التشكيك في الديمقراطية ونجاعتها. في المقابل، ثمة دراسات خلصت لوجود علاقة قوية بين الديمقراطية والتنمية حيث تعتبر “أن أفضل تفسير للتقدم في عملية التنمية يكون من خلال النظر في نوعية الحكم في بلد ما” والدور الذي تلعبه الحكومة والقضاء والمجتمع السياسي والمدني خاصة في الرقابة على الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد بادر الملك، محمد السادس، منذ توليه العرش، عام 1999، إلى تدشين نوع من الانفتاح السياسي من خلال إرساء بعض المقتضيات الديمقراطية والعمل على تفعيلها بالموازاة مع إطلاق سياسة الأوراش التنموية الكبرى في مناطق وقطاعات مختلفة وفق “الملكية التنفيذية”. التي تسعى لأن تكون أكثر فعالية، بناء على رؤية تمزج بين “الخيار الديمقراطي والتنموي”. على اعتبار أن تحقيق مستويات مرتفعة من التطور الاقتصادي يسهم في الاستقرار السياسي ويخفف من حدة الأزمات. لكن بالنظر “لأزمة النموذج التنموي” التي ما زالت البلاد تتخبط فيها وتحول دون بلوغ الديمقراطية وتحقيق أهداف التنمية فقد استدعت الظرفية العودة إلى نهج “أسلوب قديم في الحكم” من خلال محاولة إفراغ الفعل السياسي من محتواه لفائدة “تكنقرطة الفعل السياسي” ونهج المقاربة التدبيرية اعتمادًا على النخب التكنوقراطية الجاهزة في تدبير مؤسسات الدولة الإدارية والسياسية والتي أصبحت لها سلطة فعلية ومباشرة في صنع واتخاد القرارات المصيرية للبلاد، الأمر الذي يمكن اعتباره انتكاسة وارتدادًا حقيقيًّا في مسار بناء الدولة الديمقراطية. فإذا كانت الأنظمة الديمقراطية لا تفلح دائمًا في بلوغ التنمية والاستجابة لاحتياجات المواطنين وتطلعاتهم، فإن الحكم الديمقراطي يضمن للمواطنين حقهم في المطالبة باحتياجاتهم والتعبير عنها وكذلك حقهم في استبدال أولئك الذين لا يحكمون وفق انتظاراتهم؛ حيث يعد ذلك أمرًا لا غنى عنه لتحصيل نتائج التنمية ولضمان استدامتها، كما يمكنها أن توفر بيئة ملائمة تستطيع من خلالها الفئات الفقيرة والمهمشة أن تعبِّر عن صوتها وتشارك في جدول أعمال التنمية. بالتالي، فالتنمية على المدى الطويل تقل فرصها في النجاح ما لم تكن قائمة على تسوية سياسية ديمقراطية شاملة. سياسة التكنوقراطية/التنمية لوحدها لن تكون مجدية يُستخلَص مما سبق أن الدولة في المغرب ما زالت تواجه صعوبة في القطع مع بعض الممارسات السلبية التي طبعت حكم الملك الراحل، الحسن الثاني، وترسيخ الرؤية الملكية الجديدة التي تزاوج بين “الخيار الديمقراطي والتنموي”. فقد برهنت الاحتجاجات التي تشهدها المملكة في السنوات الأخيرة على أن المراهنة على سياسة التكنوقراطية/التنمية لوحدها لن تكون مجدية دون المضي قدمًا في مسار الإصلاح الديمقراطي الذي انطلق فعليًّا مع اعتماد الدستور الجديد في فترة الثورات العربية وتباطأ أو تراجع بعد ذلك لفائدة المقاربات التقنية والتدبيرية (غير الديمقراطية) رغبة في تحقيق الطفرات النوعية على مستوى المؤشرات التنموية والاقتصادية. حيث لا يمكن أن نتصور التنمية أو الإقلاع الاقتصادي في غياب ممارسة ديمقراطية حقيقية، وأن اتخاذ القرارات الإستراتيجية دون إشراك مختلف الفاعلين من خلال المشاركة في صياغة السياسات وتنفيذها، والمنافسة الانتخابية على الرؤى والبرامج، ومحاسبة الرأي العام للنخب عن طريق الانتخابات والقضاء إنما يسهم في تأزيم الوضع ويشكِّل تهديدًا جديًّا للاستقرار السياسي ويعد تراجعًا عن المكتسبات التي تم تحقيقها كما يعد عائقًا أمام التنمية والنهضة بالمغرب. باحث مغربي (عن مركز الجزيرة للدراسات)