هو دوار من ضمن الدواوير المنسية بالمغرب العميق. عشرات الكيلومترات هي المسافة الفاصلة بينه وبين قرية "أنفكو" التي ذاع صيتها إعلاميا سنة 2008، بسبب وفيات الأطفال في فصل الشتاء، نتجت عنها زيارة ملكية لتدشين مشاريع بغية تحريك عجلة التنمية هناك، بل إن أنفكو اليوم باتت أفضل حالا منه. إنه دوار "أيت لحساين" الذي ينتمي إلى سلسلة جبال الأطلس الكبير الشرقي، وبات اليوم، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الأنترنيت، حديث الساعة، وقبلة العديد من الصحافيين والنشطاء الحقوقيين وفعاليات المجتمع المدني والغيورين على واقع بلدتهم، لتسليط الضوء على المعاناة التي يعيش على إيقاعها السكان، ولمعاينة الآلام التي يتجرع مرارتها المواطنون في مختلف الفصول، نتيجة مشاكل متعلقة بهشاشة البنيات التحية عامة، من طرقات ومستشفيات وإنارة عمومية وماء صالح للشرب، وكانت أسبابا مباشرة في مسيرات احتجاجية سابقا للمتضررين بمختلف أعمارهم وأجناسهم. الموقع الجغرافي يتموقع دوار أيت لحساين جغرافيا في سفح جبل "لْمْعْسْكْرْ" الذي تكسوه الثلوج لنصف سنة في 12 شهرا، وهو رابع أعلى جبل بالمغرب بعد توبقال ومكون والعياشي بعلو يقارب 3257 مترا، وتابع إداريا للجماعة القروية تونفيت بإقليم ميدلت بجهة درعة تافيلالت حسب التقسيم الجهوي الجديد، ومكناس تافيلالت قبل العمل بالجهوية الموسعة، ويبلغ عدد ساكنته 735 نسمة، ويضم ثلاثة دواوير وهي "أيت عكي" و"أيت خيجا" و"أيت براهيم". أما فيما يخص موارد عيشهم، فأغلبهم، إن لم نقل كلهم، يعتمدون على تربية الماشية من دجاج وماعز وأغنام وبعض الأبقار لسد رمق فلذات أكبادهم، علاوة على الزراعة التي يعولون عليها، لاسيما الشعير والقمح والفصة، إلى جانب رعي الأغنام، سواء التي في ملكية الراعي أو التي تعود للخواص، دون أن ننسى أن منهم من يعتمدون على العائدات المتواضعة لفاكهة التفاح التي يسهرون على حمايتها لطيلة عام كامل، فضلا عن امتهان الحرف اليدوية كالبناء في ظل غياب معامل ومصانع تقيهم شظف العيش. وعملية "الحطب" هي الحرفة التي يزاولها السواد الأعظم من الشباب هناك، سواء لادخاره لفصل الثلوج، أو لبيعه للمتوجسين من قساوة فصل الشتاء، للحصول على دراهم معدودات نظرا للطابع الجبلي للدوار، ولتموقعه وسط الغابة التي باتت اليوم، وأكثر من أي وقت مضر، تطرح بخصوصها علامات استفهام كثيرة حول المستفيدين منها. وقريبا من الدوار، يقع ضريح يسمى "سيدي مارش"، كان إلى الأمس القريب مزار الباحثين عن البركة والطامعين في التقرب إلى الله، زواره يجلبون معهم ديكا بلديا يذبحوه هناك كقربان لطلب المغفرة، في أجواء من البهجة تُرسم على محيا الصغار كما الكبار، إلا أن هذه "العادة" قلّت مع التطور التكنولوجي والهجرة الداخلية للشباب. طرق مهترئة مما لا يختلف حوله اثنان أن الطريق هي البوابة للانفتاح على العالم الخارجي، لذا ينبغي أن تكون على أفضل حال. وعليه، فهناك إجماع بين الساكنة، بعد استقاء آرائهم وتصريحاتهم، بأن من بين مطالبهم الأساسية التي لا تحتاج إلى انتظار ولا تأجيل، توفير الطريق في اتجاه الجماعة القروية تونفيت، باعتبار هذه الأخيرة هي المحج الذي يقصدونه كل نهاية الأسبوع للتسوق، سواء لجلب العلف لماشيتهم أو المواد الغذائية لأطفالهم. وتتضاعف معاناة ساكنة الدوار المذكور خصوصا في فصل الشتاء، إذ يظل السكان عالقين بسبب الكميات المهمة التي تتهاطل بالمنطقة، إثر تواجدهم بسفح جبل لا تفارقه الثلوج إلا 6 أشهر فقط، "هناك حوامل يأتيهن المخاض في فصل الشتاء دون أن نجد من يسدي لنا معروفا، أو يقدم لنا يد العون لتُنجب المرأة في ظروف سليمة، فنضطر إلى حملها على ظهر دابة إلى المستشفى بتونفيت حتى لا توافيها المنية هنا، نظرا لغياب سيارة الإسعاف التي من المفروض أن تكون جاهزة لتقديم الخدمة لكل من أصيب بوعكة صحية أو في حالة صحية حرجة"، يقول خمسيني من أهل البلدة بنبرة كلها ألم. ما يحز نفوس الساكنة، وفق المصدر ذاته، أن المنتخبين لا يزورون المنطقة إلا مع الحملة الانتخابية أو وقت الدعاية، "يشد المنتخبون الرحال بشكل شبه يومي إلينا، ويحثوننا على التصويت على رمزهم، مع تقديم وعود بأن إنجاز الطريق سيكون ضمن أولويات برنامج الإصلاح الذي سيباشرونه في حال نجحوا، إلا أنه لا الناجح ولا الخاسر لا تطأ قدمه الدوار إلا مع اقتراب اقتراع جديد"، يختم المتحدث. موارد غابوية مهمة معلوم أن الدوار يقع بمنطقة تزخر بموارد غابوية مهمة، خصوصا شجرة الأرز التي باتت "تبكي" إثر الاستنزاف المفرط لهذه المادة الحيوية، ما يسفر عنه عدم استفادة الساكنة من عائدات هذه "الكنوز"، التي تُهرب بشكل علني وفي واضحة النهار دون حسيب ولا رقيب. في الأمس القريب، يقول فاعل حقوقي التمس عدم ذكر اسمه، "كانت أشجار الأرز التي عمرت لسنوات عديدة تضفي جمالية على المنطقة التي يقصدها الزوار للاستجمام في مغارة بالقرب منها تسمى "إفري ن لمعسكر، إلا أن الجبل اليوم أصبح أملس نتيجة القطع المفرط للأشجار، إذ لا طير يطير ولا وحش يسير، نتيجة استئصال الأرز من جذوره لصالح لوبيات معينة آثر عدم ذكر أسمائها". ويضيف فلاح بدوره، وهو من أبناء الدوار المتضرر من مرارة الوضع، والذي شارك في المسيرة الخضراء إلى الصحراء للترافع عن الوطن، "يؤسفنا أننا نستفيد فقط من انقطاع الطرقات والعزلة والتهميش والفقر وكل مظاهر الإقصاء، في الوقت الذي يستفيد فيه الآخرون، دون أن يسميهم، من عائدات الغابة المهمة، بل إن "حراس الغابة" يمنعوننا من جلب الحطب من الجبل بدوابنا ليقينا قساوة المناخ في فصل الشتاء، تحت ذريعة حماية الغابة والحفاظ على الشجرة، دون أن يوقفوا مافيات الأرز التي تستفيد من حصة الأسد بشكل علني وفي خرق سافر للقانون"، يختم الفلاح قوله. انعدام الماء الشروب.. النقطة التي أفاضت الكأس إلى جانب المشاكل المذكورة التي يعانيها سكان دوار أيت لحساين، هناك مشكل آخر أكثر حدة ويؤرق بال الساكنة، وهو مشكل انعدام الماء الصالح للشرب، وهو شبح يهدد المتضررين بالعطش. ولا أدل على هذا القول من الصور المنتشرة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، الفايسبوك، والفيديوهات المتوافرة على الموقع العالمي "يوتيوب"، لنساء رفقة صغارهن يلجأن إلى العيون للحصول على الماء الشروب بعد قطع أربع مسافات من الطريق مشيا على الأقدام أو على الدواب، في ظل غياب المياه في الصنابير لري سواء الإنسان أو الحيوان. هذا الوضع المرير دفع بالساكنة إلى الاحتجاج أمام الجماعة القروية تونفيت، تنديدا بالأوضاع المزرية التي يعيشها دوارهم، بسبب جملة من المشاكل، وعلى رأسها غياب الماء الشروب، وهو الوضع نفسه الذي أدى بنشطاء حقوقيين من منطقة تونفيت إلى زيارة الدوار لمعاينة، عن كثب، المشاكل التي يندى لها الجبين بتعبير أحد الحقوقيين، وللإنصات إلى هموم الساكنة وانشغالاتهم في ظل صمت قاتل من قبل الجهات المسؤولة. يقول حقوقي من بين الذين قصدوا الدوار، "إن رئيس جماعة تونفيت لا يبلي بلاء حسنا في هذا الملف الذي عمر لسنوات، رغم التقدم الذي عرفه المغرب على كافة المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أن عامل الإقليم القديم قبل التعيينات الجديدة للعمال، لم يكلف نفسه يوما عناء التنقل إلى الدوار، لمحاولة التوصل إلى حل مع الساكنة، التي وعدت بأشكال احتجاجية تصعيدية في حال استمرار سياسة الأذان الصماء من قبل المسؤولين، ونتمنى أن يغير العامل الجديد سياسة التعامل مع المحتجين على سبب أبسط شروط العيش الكريم"، يؤكد المتحدث قبل أن يضيف "أن رئيس جماعة تونفيت امتنع عن استقبال طاقم القناة الثامنة (ثمازيغث) لأخذ تصريح منه بخصوص مشكل انعدام الماء الشروب بالدوار، ما خلف وراءه استياء عارما في صفوف الساكنة المتضررة". وأردف متدخل آخر قائلا باستغراب: "كيف يعقل أن المغرب مرشح لاحتضان نهائيات كأس أمم إفريقيا ونهائيات كأس العالم، في الوقت الذي لا تزال فيه دواوير تعيش في القرون الوسطى، وفي وقت لا تزال فيه النساء يرتوين من ماء العيون والآبار، ما يترتب عن هاته المياه غير المعالجة من مضاعفات صحية على مستهلكيها، بل إن الساكنة تذيب، في فصل الشتاء، الثلوج لتوفر لنفسها الماء الشروب، وكيف يرتاح ضمير مسؤول يركب سيارة فارهة دون أن يقدر على ربط الدوار بالماء الصالح للشرب كأدنى مظهر من مظاهر المواطنة في مغرب يتسع للجميع!".