هل يمثل المثقفون طبقة أو نخبة لها شرعية الوجود؟ هل خان المثقفون دورهم الريادي فأُجهض حلمهم وحلمنا بالتغيير وبناء المستقبل؟ هل مارس المثقفون دورهم في تأطير الحركات الاحتجاجية لصناعة القرارات؟ ومن هو هذا المثقف؟ وما هي حدود علاقته بالمجتمع والسلطة؟ بهذه الأسئلة الحارقة افتتح مهرجان "ثويزا" نسخته الثالثة عشر بمدينة طنجة مساء أمس الخميس، تحت عنوان "في الحاجة إلى المثقف". وجواباً على ذلك، قال المفكر والإعلامي عبد الباري عطوان، خلال الجلسة الافتتاحية للتظاهرة الثقافية التي ساءلت "دور المثقف في سياق التحولات الراهنة"، بحضور إلياس العماري رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة، إن "المثقف الذي لا ينحاز إلى مطالب شعبه العادلة لا يمكن اعتباره مثقفاً"، مشيرا إلى أن دور المثقف هو استشراف المستقبل وتفكيك المفاهيم وتبسيطها للمجتمع، غير أنه اليوم، يقول عطوان: "أصبح ممنوعا علينا أن ننعم بمثقفين يتواصلون مع شعوبهم ويعبرون عن آلامهم". وأوضح رئيس التحرير السابق لصحيفة "القدس العربي" أن المثقف لا يجب عليه أن يكون محايداً كما يعتقد البعض، وقال: "عندما يلبس المثقف جلباب الحياد أو ينحاز إلى السلطة، يجب أن نسحب منه توصيف المثقف؛ لأنه لم يعد يحس بمعاناة الفقراء والعاطلين والفئات التي تفتقد إلى الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية". "المثقفون كانوا يقودون الثورة ويقفون في وجه المستعمر، الآن تغير كل شيء وطغى المال على ثقافتنا العربية، وحتى كبريات الفضائيات باتت تشتري صوت المثقف للتعبير عن وجهة نظر السلطة"، يضيف ضيف "ثويزا"، الذي تأسف على واقع المثقف العربي الذي ينتظر رزقه من الفضائيات أو الجهات الحاكمة. ويرى المتحدث أن تمييع دور المثقف ناتج عن سياسة ممنهجة قادتها الأنظمة التي تتوفر على جيوش إلكترونية هدفها محاربة التثقيف وتهشيم من يريد قول الحقيقة. وأضاف صاحب "رأي اليوم" أن "المثقف يجب أن تكون له وظيفة أساسية، ترقى إلى درجة الرقابة في ظل انحراف البرلمانات عن القيام بدورها وتغول السلطة". من جهة ثانية، اعتبر عبد الباري عطوان أن منطقة شمال إفريقيا، ومن بينها المغرب، "تواجه مؤامرة خطيرة تستهدف بالأساس مجتمعاتنا، وليس فقط الأنظمة كما كان في السابق"، وزاد موضحا: "هناك مؤامرة تسعى إلى تفتيت المغرب، ويجب أن نكون متمسكين باستقرار ووحدة هذا البلد". ويدخل هذا الخطر بالأساس، بحسب عطوان، ضمن المخطط الذي نفذه الغرب في مجموعة من الدول العربية، مثل العراق، وليبيا، وسوريا؛ "وهو الأمر الذي تحدثت عنه كوندوليزا رايس في إطار إحداث الفوضى الخلاقة في دول عديدة بالمنطقة". وبالنسبة للمغرب، يرى عطوان أن من بين العوامل المساعدة على استهدافه استخدام الأقليات العرقية من أجل زرع الفتنة الطائفية، داعيا الشعب المغربي إلى التمسك بوحدته الوطنية؛ لأنها أساس استمرار الدولة. وبخصوص احتجاجات الحسيمة المستمرة منذ شهور، أوضح عطوان أن مطالب الساكنة مشروعة، وعلى الدولة أن تستجيب لها، شريطة عدم السماح لمن يستغل هذه المطالب ضد وحدة المجتمع، وشدد على ضرورة تمسك المغاربة بهذه الوحدة؛ "لأنه إذا انهارت، انهار معها الشعب". مقارنة بدول المنطقة، قال عبد الباري: "حقيقة التجربة المغربية غير موجودة في أي منطقة عربية؛ وذلك بفضل نضالات المغاربة"، وأشاد بانفتاح المغرب على وسائل الإعلام الدولية، قائلاً: "أكثر من 25 سنة وأنا رئيس تحرير القدس العربي، وبينما تعرضت للمنع في دول عربية كثيرة، لم تصادر السلطات المغربية ولو نسخة واحدة"، مستطرداً بالقول: "المغرب وتونس هما البلدان الوحيدان اللذان أتحدث فيهما بكل حرية، وهذا أمر يشرفني كثيراً". وبعد تحذيره من "المؤامرات" التي تحاك ضد المغرب، أشار عطوان إلى الضغوطات التي تواجهها تركيا في السنوات الأخيرة، بسبب تفكير رجب طيب أردوغان بطريقة مختلفة عن تفكير الدول الاستعمارية، مشيرا إلى أنها تواجه احتمالات انزلاق الأوضاع عن السيطرة "عندما فكر زعيمها في إعادة أمجاد الدولة العثمانية". يشار إلى أن المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تشارك فيه مجموعة من الفعاليات الفنية والفكرية، وأسماء وازنة من داخل المغرب ومن خارجه. وستبصم الدورة الحالية على استمرارية الوفاء لتراث الكاتب العالمي محمد شكري، من خلال برمجة ملتقاه الثاني عشرة. كما سيتم تنظيم مجموعة من السهرات الموسيقية، من تنشيط فنانين وموسيقيين يمثلون مختلف الأنماط الموسيقية المغربية.