للمرة الثانية في ظرف شهرين تلجأ قوات الأمن بمدينة الحسيمة إلى استعمال الغازات المسيلة للدموع لمنع تجمعات دعا إليها محتجون، وفي كل مرة يتم ذلك يبرز الجدل الحقوقي حول الطرق التي يتم اللجوء إليها لإنفاذ القانون ومدى احترامها لحقوق الإنسان كما هي منصوص عليها في دستور 2011. أول أمس الخميس 20 يوليوز بالحسيمة كانت صور الغازات المسيلة للدموع الأكثر انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أطلقتها قوات الأمن لفض الشكل الاحتجاجي الممنوع بقرار من السلطات. وواجه المحتجون هذه الغازات بأساليب عدة، منها تغطية الوجوه أو استعمال البصل لتخفيف آثارها، وهي التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان الوعي، إضافة إلى مشاكل في الجهاز التنفسي والغثيان والألم في الصدر والتهاب الجلد والحساسية. ويطرح السؤال هو حول مدى تأطير القانون المغربي لهذه "الأسلحة" التي يلجأ لها الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون، ومدى احترام مبدأ التناسب، وضرورة تعديل المنظومة القانونية المؤطرة لذلك لملاءمتها مع الوثيقة الدستورية. حول هذا الموضوع، يقول محمد بوزلافة، أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة ظهر المهراز بفاس، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن "القانون المغربي يُعطي للسلطات إمكانية استعمال مجموعة من الأدوات للحيلولة دون التجمهر عبر أسلوب إنذاري متمثل في إخبار كل الأشخاص المتواجدين بمكان التظاهر بضرورة الانسحاب". وتنظم التجمعات العمومية والتظاهر في المغرب بظهير 1958، والتعديلات التي طالته سنة 2002، والتي تتحدث عن عدد من الضوابط لممارسة الحريات العامة على المستوى الوطني. وأوضح الأستاذ المتخصص في القانون أن السلطات، حسب ما ظهر من فيديوهات صُورت في الحسيمة، استعملت مكبر الصوت وأخبرت المواطنين المحتجين بضرورة الانسحاب، وقال: "ظاهرياً كان هناك لجوء إلى المسطرة وفق ما هو منصوص عليه في القانون، وخاصة الفصل 9 من ظهير 1958 المتمثل في ضرورة إخبار المتجمهرين بضرورة الانسحاب من المكان الذي يتواجدون فيه". ويشير القانون المغربي إلى ضرورة استعمال الإنذار الأول والثاني والثالث، الذي ينتهي بإخبار المتجمهرين باستعمال القوة في حالة عدم الانسحاب؛ لكن ليس هناك حديث عن أساليب دقيقة لمنع التظاهرات. وما يشير إليه القانون الدولي بخصوص هذا الأمر هو "ضرورة احترام اللجوء إلى القوة لمبدأ التناسب مع حجم الخطر أو المساس بالأمن العام أو السكينة". وأشار بوزلافة إلى أن "استعمال الأسلحة من طرف القوات الأمنية ليس فيه أي تدقيق"، وزاد: "ولكن حين نقول مبدأ التناسب فهذا معناه أنه من الممكن الانطلاق بخراطيش المياه، ثم استعمال الغازات المسيلة للدموع؛ وفي بعض الأحوال كما حدث في بعض البلدان يمكن الوصول إلى استعمال السلاح الحي كلما كان هناك تهديد مباشر في مواجهة الرجال المكلفين بإنفاذ القانون". وحسب ما يشير إليه الأستاذ الجامعي ذاته فإن استعمال القوة "كمفهوم غير مقنن أو مضبوط، سواء على المستوى القانون المغربي أو القانون الدولي، يخضع فقط لمبدأ التناسب.. وهذا التناسب تقدره السلطات في المكان وانطلاقاً من طبيعة الخطر؛ أي إن اللجوء إلى استعمال الغازات المسيلة للدموع أو خراطيش المياه أو إمكانية استعمال السلاح الحي مرتبط بحجم الخطر وطبيعته"، حسب تعبيره. لكن بوزلافة يشير إلى أن ما عاشته الحسيمة أول أمس والقرار الصادر عن السلطات بمنع التظاهر "فيه تناقض، لكون دستور 2011 يتحدث في الفصل 29 عن كون التجمهر يدخل في إطار الحريات العامة للمواطنين والمواطنات، ولم يعد كما ينص عليه في القانون الجنائي كجنحة"، ويقول: "نحن في وضعية تناقض بين وثيقة دستورية تُؤمن بالحقوق والحريات وإمكانية ممارسة المواطنين لحقهم في التظاهر السلمي، على اعتبار أن الدعوة إلى التظاهر لا تحتاج إلى ترخيص، وقانون جنائي يجرم التجمهر". وأشار المتحدث إلى أن متابعة الأشخاص بسبب التجمهر يؤدي إلى نتيجة عكسية لمسار الوثيقة الدستورية، وشدد على أنه "في ظل هذا الفراغ يجب أن تبقى الريادة للدستور، ولا يمكن بأي حالة من الحالة غض الطرف عنه في انتظار تعديل المنظومة القانونية"، وقال إن من "المفروض أن يكون التجمهر حقا من الحقوق، وينبغي التعامل مع المواطنين والمواطنات الذين يمارسونه دون تدخل ما لم يكن هناك أي تهديد أو خطر". وسبق لبوزلافة أن أشرف على دراسة لفائدة المجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2014 حول التظاهر السلمي والتجمهر والاجتماع والتجمع، انتهت بإصدار مذكرتين حول تعديل القانون المتعلق بالتظاهر والقانون المتعلق بالجمعيات. لكن الأستاذ الجامعي النشيط بعدد من الجمعيات الحقوقية قال إن المذكرتين "لم يعقبها أي سعي من طرف الحكومة السابقة والحكومة الحالية إلى تعديل المنظومة القانونية وملاءمتها مع توجهات الوثيقة الدستورية". ويتعلق الأمر بظهير شريف رقم 1.58.377 بشأن التجمعات العمومية، وظهير شريف رقم 1.58.376 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات، وهي قوانين طالما دعت الجمعيات الحقوقية إلى ضرورة تعديلها تماشياً مع المستجدات الدستورية.