منذ اليوم الأول للحراك في الريف ظل يشغلني سؤال واحد هو من سيتوسط لحل أزمة الريف؟ لإيماني أن المخزن يلف الحبل حول عنقه بغباء، وأنه لابد أن يصل إلى الباب المسدود بعد أن يجرب كل أساليبه ويستنفذها وبعد أن يطبق وصفته القمعية بحذافيرها وبكل مراحلها المكرورة، كما تعود مع خصومه ومعارضيه، وفق الترتيب التالي: التجاهل والتبخيس: من خلال تجاهل حراك الريف سياسيا وإعلاميا بشكل متعمد لما يقارب النصف السنة لإنهاكه والتقليل من شأنه وقوته وإمكانية استمراره . الشيطنة والتشويه: بالطعن في رموز الحراك والتشكيك فيهم أخلاقيا واجتماعيا، وكيل تهم التخوين والتمويل الخارجي والعلاقة بالبوليزاريو وبتجار المخدرات والانفصال، بل شطح الخيال ببعضهم حتى ربط الحراك بإيران ونشر التشيع. القمع والترهيب: وهي مرحلة التكشير على الأنياب المخزنية، تميزت بقمع الاحتجاجات والاعتقالات والمحاكمات والاختطافات وإطلاق اليد لجلاديه وآلته القمعية بلا حدود وهو ما كشفته الشهادات والتقارير. الاختراق والاحتواء: وهو الخطة البديلة، فبعد فشل محاولات القمع والترهيب، وإخفاق محاولة الشيطنة والتخوين وتشويه رموز الحراك؛ يستنجد المخزن بجوقته الإعلامية والثقافية والسياسية والمدنية لإنقاذ ماء الوجه وحلحلة الوضع، ويجيش كالعادة كومبارسه من أصحاب الوجوه الرخامية والمواقف الهلامية وكائناته العجائبية ككائنات فيلمmen in the black قادرة على الدفاع على الأمر ونقيضه دون أي ذرة إحساس بالخجل، لاحتواء الحراك بمحاولة ترميز وجوه بديلة وتمييع المطالب وإغراء زعماء الحراك. فالمخزن بعد تقييمه للموقف و"تقديره للحالة" مباشرة بعد مسيرة 11 يونيو ونجاح الإضراب العام الذي شل الريف، تغيرت اللغة والتوصيف لحراك الريف في الإعلام الرسمي وفي الخطاب السياسي وعدنا للسؤال الأول من سيتوسط لحل الأزمة؟ والجواب للأسف ليس سهلا في بلد كالمغرب نجح النظام فيه بامتياز في زرع بذور انعدام الثقة بين الطبقات وعلى كافة المستويات، وأفقد المصداقية عن كل المؤسسات والهيئات والأفراد، فأحزاب الأغلبية فاقدة للأهلية ولا مصداقية لها،.وحكومة العثماني متهمة وخرجت للعيب مبكرا بمواقفها المملاة من أمنيي الداخلية، وأحزاب المعارضة هي من تسير الجهة وتتحمل جزء من المسؤولية عن الأزمة والسلطات المحلية والمنتخبون لا ثقة فيهم، ووزارة الداخلية فشلت في إيجاد حلول طيلة نصف سنة. المؤكد الآن وبدون شك، أن نشطاء الريف ليسوا هم المعتقلين وحدهم، فالمخزن أيضا وضع نفسه في زنزانة أفعاله وسياساته الرعناء، ودفع البلد كلها الى ورطة سياسية وأمنية كبرى تنذر بالكارثة لا قدر الله، وربما أكبر مشكلة هي الإصرار على الخطأ والتمادي فيه بعد فشل كل المناورات .وفي مثل هذه اللحظات التاريخية لابد أن يقدم كل الغيورين والصادقين والمغاربة الحقيقين مصلحة الوطن على كل اعتبار، وأن يؤجلوا حساباتهم ومصالحهم وخصوماتهم، وأن يفكروا في حل ينقذ البلاد والعباد، فالمكابرة الفارغة ليست في صالح أحد والوطن ليس ضيعة أحد، وإنقاذ الوطن واجب بلا منة ولا تفضل، لهذا صار من الضروري إطلاق مبادرات ناجعة والضغط بها لحل المشكلة في الحسيمة والريف، فالمخزن أضر بسمعة كل المؤسسات وبسمعة المغرب في الداخل والأوساط الدولية، وأبان عن عجزه الكلي، وصار الجميع يراهن على تدخل مباشر للمؤسسة الملكية، التي وجدت نفسها محرجة بين اتخاذ قرار بالعفو مرفوض من نشطاء الحراك، وإصرار حازم على معاقبة المسؤولين عن تعطيل مشاريع التنمية والمتورطين في قمع الحراك كمطلب شعبي. بين الموقف المخزني المتصلب وموقف الحراك الشعبي الصامد، لابد من وساطة تبحث على مساحات مشتركة وأرضية للالتقاء حتى لا تزيد أخطاء المخزن الوضع تأزما، وهنا لابد من تشكيل لجنة وساطة ضامنة من شخصيات تاريخية وطنية وسياسية وحقوقية وحتى رسمية انتقدت المقاربة الأمنية الاستئصالية، وتحظى بحد أدنى من الثقة والمصداقية من كافة الأطراف...كأمثال ذ عبد الرحمان اليوسفي ذمحمد الخليفة والمناضل بن سعيد آيت يدر وذ عبد الرحمن ابن عمرو وذ حسن أوريد وذ محمد المعتصم ود محمد الطوزي وذ محمد بن عبد السلام وذ عبد العزيز النويضي، ولإنجاح هذه المبادرة من اللازم توفير الأجواء السياسية المساعدة على تنفيس الاحتقان، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين فورا بدون قيد أو شرط، ووقف جميع المتابعات القضائية والقانونية، وإعلان مناطق الريف مناطق منكوبة وتخصيص برنامج استعجالي لفك العزلة وللتنمية والتشغيل، بالمقابل وقف الاحتجاجات بشكل مؤقت في جميع مناطق الريف. [email protected]