مباشرة بعدما أنهى مشروع قانون يتعلق باختصاصات رئاسة النيابة العامة، الذي صادقت عليه الحكومة ويناقشه البرلمان، علاقة النيابة العامة مع السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل، التي يعتبر الوزير رئيساً لها حاليا، بإسناد رئاستها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ستنهي المؤسسة التشريعية الرقابة على الجهاز القضائي، خصوصا في ما يتعلق بتنفيذ السياسة الجنائية. وبداية من السابع من أكتوبر المقبل سيتم نقل رئاسة النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقص؛ وذلك حسب مشروع قانون يتعلق ب"اختصاصات رئاسة النيابة العامة وقواعد تنظيمها"، ولاسيما مقتضيات المادة الثالثة المتعلقة باختصاصات الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، بينما تم ربط دخول باقي المواد حيز التنفيذ بنشر القانون في الجريدة الرسمية. وتبعا لذلك، لن يتمكن البرلمان مستقبلا من مساءلة الحكومة على السياسية الجنائية، خصوصا تلك المتعلقة بمراقبة عمل النيابة العامة في المادة الجنائية، التي كانت تحت وصاية وزارة العدل؛ إذ ستكون علاقة البرلمان بالنيابة العامة مقتصرة على "تقديم رئيسها تقريرا سنويا حول تنفيذ السياسة الجنائية خلال اجتماع مشترك للجنتين البرلمانيتين المختصتين ويكون متبوعا بمناقشة". ولكون الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض سيحل محل وزير العدل في ممارسة السلطة الرئاسية على النيابة العامة، فإن هذا الأمر سيفوت الفرصة على البرلمان للاطلاع على مآل تنفيذ السياسة الجنائية؛ بحيث ستكون العلاقة بينهما مقتصرة على ربط جسور التواصل بين البرلمان والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته سلطة إدارية رئاسية وليس بصفته القضائية، دون آليات رقابية في حال وجود تجاوزات. ورفض وزير العدل والحريات السابق دعوات فرق الأغلبية البرلمانية التي طالبت بالاحتفاظ في هذه المرحلة بتبعية النيابة العامة لوزارة العدل بشروط، وبررت ذلك بكون وزير العدل هو المسؤول عن تنفيذ السياسة الجنائية؛ لأنه يخضع لمراقبة البرلمان ويمكن محاسبته، بخلاف الصفة القضائية للرئيس الجديد للنيابة العامة، إلا أن الضغوط التي مارسها الرميد على أغلبيته جعلتها تتراجع وتصوت لصالح استقلالية النيابة العامة. ونص القانون التنظيمي للسلطة القضائية على أن يتلقى مجلسا البرلمان تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة من الرئيس الأول لمحكمة النقض، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيساً للنيابة العامة، حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، قبل عرضه ومناقشته أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلس البرلمان. وجاء مبدأ استقلالية النيابة العامة من خلال التنصيص عليه، من قبل أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، في الوثيقة النهائية التي تمخضت عن سنة من الحوار، بعد نقاشات حادة حول استقلالية النيابة العامة، مبررين ذلك "بإعمال الضمانات المقررة دستوريا لاستقلال السلطة القضائية، تحصينا لها من أي تدخل أو تأثير خارجي".