بعد عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، وفي أول مشاركة له في أشغال القمة 29 لقادة دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التي افتتحت الاثنين 3 يوليوز 2017، حصلت مواجهة حامية بين المملكة وجبهة البوليساريو، أعادت إحياء توصية سابقة في التقرير السنوي للجنة حقوق الإنسان والشعوب، التابعة للاتحاد الإفريقي، تدعو إلى إحداث لجنة لتقييم وضعية حقوق الإنسان في الصحراء، باعتبارها من أراضي "الجمهورية الصحراوية"، وقد أيدتها ست دول مؤيدة لها، مقابل اصطفاف أكثر من 15 دولة إلى جانب المغرب. وكانت جبهة البوليساريو، بدعم مكشوف من الجزائر، تسعى إلى تشديد الخناق على المغرب، بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي، والضغط عليه للرضوخ إلى آلية إفريقية لمراقبة وضعه الحقوقي بأقاليمه الجنوبية، إلا أن أغلبية دول الاتحاد رفضت هذا المقترح الملتبس لجدية الموقف المغربي الساعي إلى تسوية أممية نهائية للنزاع؛ وهو ما أعرب عنه موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، من خلال تأييده لحل توافقي للنزاع، على اعتبار أن الأمر يتعلق بمسار جديد يدعو إليه الاتحاد، الذي أخذ علما بالحجج الدامغة للمغرب بشأن الصحراء وجهوده الجدية ذات المصداقية المعترف بها من طرف المجتمع الدولي للمضي قدما نحو تسوية نهائية للنزاع حول الصحراء؛ كما رحب باعتزام المبعوث الجديد للصحراء هورست كولر إطلاق مبادرة جديدة من أجل تسوية سلمية للنزاع. هذا، مع العلم أن أغلبية أعضاء الاتحاد الإفريقي طلبوا من الرئيس الغيني، ألفا كوندي، رئيس الاتحاد، والتشادي موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد، العمل طبقا للاتفاق الموقع بين الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة في 19 ماي 2017 بنيويورك من أجل ضمان الدعم المناسب للمبادرات الرامية إلى دعم جهود الأممالمتحدة للتوصل إلى اتفاق على حل توافقي ونهائي. إن ما حدث بأديس أبابا من تحرشات من قبل الجبهة الانفصالية بخصوص قضية الوحدة الترابية للمغرب، تحت ذريعة إعمال آلية مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية وقدرة المغرب على التصدي لها داخل الاتحاد الإفريقي بدعم من أغلبية أعضائه، لدليل على صواب قرار عودة المملكة المغربية للحظيرة الإفريقية، لأن المغرب أصبح واعيا بأهمية العمل من داخل الاتحاد الإفريقي لمواجهة سياسات بعض الدول الأعضاء التي قد تضر بمصالحة الحيوية والوطنية . فلا ننسى أنه خلال سنة 2015 تمكنت الجزائر بالتنسيق مع اللوبي المتحكم بالاتحاد الإفريقي من التأثير على عدد من دول الاتحاد ليصبح طرفا في نزاع الصحراء، على خلاف التوجه الذي سار عليه مجلس الأمن بالأممالمتحدة، إذ كلف مبعوثا خاصا في الموضوع. ولا ننسى كذلك القرار المتعلق برئاسة موريتانيا للاتحاد الإفريقي سابقا، وتعيين الرئيس السابق لموزنبيق، جواكيم شيصانُو، مبعوثا خاصا إلى الصحراء، ومطالبته بإعداد تقارير لمفوضية الاتحاد ومجلس الأمن والسلم الإفريقي، الذي كان يرأسه وزير الخارجية الجزائري رمضان العمامرة؛ وكانت الغاية من ذلك رغبة الجزائر في تأزيم علاقة المغرب مع موريتانيا، نظرا لارتباطاتها بملف الصحراء. كما لا ننسى أيضا القرار المتعلق برئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي من قبل دلامينى زوما، الزوجة السابقة لرئيس جنوب إفريقيا الداعم لجبهة البوليساريو، جاكوب زوما، التي حاولت بكل الوسائل عرقلة عودة المغرب إلى المنظمة الإفريقية، مستغلة منصبها المهم والحساس، لكن محاولاتها باءت بالفشل بعد تأييد أكثر من 38 دولة عضوا في الاتحاد لعودة المغرب إلى حظيرته الإفريقية. كما لا يفوتنا في هذا الخصوص أن نشير إلى أن جبهة البوليساريو، مدعومة بالجزائر، سبق لها أن طالبت، في عدة مناسبات، بتوسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء والتقرير حولها، وهو ما رفضه المغرب بشكل قاطع، باعتباره محاولة لتغيير طبيعة مهمة بعثة هذه المنظمة الدولية، كما رفضه أيضا مجلس الأمن، لكون المغرب أحدث آليات مؤسساتية لحماية حقوق الإنسان بالمناطق الصحراوية حظيت باعتراف دولي . فمن الممكن أن تتولى بعثات السلام الأممية مهمة مراقبة وضعية حقوق الإنسان، لكن في المناطق التي تشهد انهيارا للدولة أو تعرف حروبا أهلية، على أن الأمر لا علاقة له بالوضع في المغرب، الذي أبدى تجاوبا مع المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان لزيارة بعض أقاليمه الصحراوية. فضلا عن ذلك، فإن توسيع ولاية المينورسو لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية لا يمكن أن يخدم الأجندة الحقوقية والأهداف المتوخاة منها، بل أكثر من ذلك من شأنه أن يطعن في استقلالية المنظمات الحقوقية الوطنية، التي لها وجود وعمل ميداني، ومشهود لأغلبها بالموضوعية والمصداقية في إعداد تقاريرها الدورية والموضوعاتية . واستنادا إلى ما سبق عرضه، نستنتج الخلاصات التالية: - رفض الاتحاد الإفريقي أن يكون أداة لتصفية الحسابات بين الدول، لأن مهمته أكبر من ذلك، كفضاء للحوار والتعاون لتحقيق التقدم والتنمية للدول الإفريقية وشعوبها، ومواجهة تحديات الفقر والإرهاب والبيئة والمناخ. - تسوية النزاع حول الصحراء مهمة موكولة لهيئة الأممالمتحدة التي كلفت مبعوثا خاصا بهذه المهمة يسعى، من خلال المشاورات بين أطراف النزاع، إلى إيجاد حل سياسي متوافق بشأنه يحظى بالشرعية الدولية. وهذه المهمة لا تشمل آلية مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية. - عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي كان لها أثر إيجابي على مستوى السياسة الخارجية لمواجهة خصوم وحدته الترابية، لأن بقاءه خارج الاتحاد قد يضر بمصالحه . *مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية